أين وصل صراع شباط ونزار بركة؟

قطعت قيادة حزب الاستقلال الطريق، خلال آخر اجتماع لها، على شباط، بينما ظل عمدة مدينة فاس السابق يهدد الكل بشنّ حملة مَحرقة، مصرا على أنه مظلوم. لكن في خلفية الصورة، يحصل شباط على تزكية للانتخابات من أكثر من حزبين، لكنه يبقي الأمل مشرعا بإعلانه أنه مستعد للحوار، كما جاء على لسانه، في تصريح عبر صفحته المباشرة ليلة الاثنين الماضي. غير أن القيادة قطعت ما اعتبرته “دابر الشر”، وارتاحت لمغانمها في الاستحقاقات المهنية التي تعتبرها فألا حسنا يبشر بما سيأتي حتى من دون “فاس” القلعة التي ظل يتناوب عليها الاستقلاليون والاتحاديون منذ الانشقاق الشهير عام 1959.

بين الظاهر والخفاء، يستمر الصراع بين حميد شباط وقيادة حزب الاستقلال، إذ ما يطفو على السطح ليس هو ما يعتمل في قلب التنظيم، فقرار نزار بركة بعدم تزكية شباط في فاس لا رجعة فيه، والأسباب المعلنة بين الطرفين ليست هي ما يعتمل في الفرن الداخلي للحزب الذي يبدو أنه تجاوز الواقع الذي حاول الأمين العام السابق فرضه على قيادته، وأقر وضعا لا يخدم شباط الذي غاب لسنتين وعاد ليحاول تحصين نفسه ضد مآلات المستقبل غير المريحة له.

«الأيام» تكشف أسرار ما حدث بين شباط، الذي حاول تدارك ما فاته أثناء غيابه، ونزار بركة الذي تجاوز الأمر الواقع الذي حاول شباط فرضه على قيادة الحزب، ويتكلم من موقع المنتصر الذي حسم المعركة.

شباط القرن الماضي

في لقائه المفتوح مع وكالة المغربي العربي للأنباء، الأسبوع الماضي، صرح نزار بركة قائلا: «لن نقدم للفاسيات والفاسيين وجوها من القرن الماضي»، كان المعني الأساسي بكلامه هو حميد شباط، الذي أحس بمرارة الكلمة، وهو الذي اعتاد كل مرة أن «يبارك للناس العيد» حتى في غير أيامه المحددة كما في العطل المدرسية. قبل ذلك، عمدت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال إلى إصدار قرار بحل كل التنسيقيات الحزبية بفاس التي خلقها شباط ليفرض من خلالها الأمر الواقع. وقد أكدت مصادر مطلعة لـ»الأيام» أن قياديين نافذين دافعوا عن استصدار قرار يقضي بطرد شباط من حزب الاستقلال، ولكن نزار بركة ظل يقاوم بعناد قرار الطرد، من جهة أخلاقية، لأن المسألة تهم أمينا عاما سابقا للحزب، ومن جهة سياسية لأن السياق الانتخابي قد يجعل قرار الطرد يرتد سلبا على موقع الاستقلال. غير أنه في الآن ذاته، «رفض سياسة فرض الأمر الواقع التي أراد شباط ترسيخها بفاس»، كما يعلق عضو للجنة التنفيذية لحزب الاستقلال رفض ذكر اسمه.

فما الذي حدث بالضبط؟

حين عاد حميد شباط بعد غياب طويل، عقد اجتماعا مع نزار بركة بالمقر المركزي للحزب بشارع ابن تومرت، وعبر له عن دعمه ونواياه الطيبة، وتحدث عن هيكلة الفروع وإعادة بناء حزب الاستقلال والتفرغ للانتخابات، وأنه مستعد لدعمه لولاية ثانية. كان الأمر أشبه بجس النبض، وكانت عبارة «وضع حميد شباط رهن إشارة الأخ الأمين العام»، تحمل رسائل عديدة – حسب مصادر «الأيام» – منها: «حمايته من تقلبات الزمن، ومنها التأشير على وضع الآلة الحزبية بفاس رهن يديه، وبالتالي تزكيته في الانتخابات القادمة»، لكن شباط يمتلك من الذكاء ما يجعله يقرأ الإشارات ويشم الأشياء قبل وقوعها، حيث أحس أن واقعا آخر أصبح سائدا في الآلة التنظيمية لحزب الاستقلال، وفهم أنه غير مرغوب فيه، فالنخب التي حاربها بالأمس هي التي تتولى في جزء كبير منها قيادة الحزب اليوم، لذلك اعتكف بمدينة فاس استجلابا لبركة «مولاي إدريس»، واجتهد لتقديم نفسه لدى أطراف في الدولة على أنه هو البديل القادر على دحر حزب العدالة والتنمية بالمدينة العلمية مقابل ضمان حمايته وأفراد عائلته من أي محاكمة، لكنه وجد نفسه يغرد وحيدا، تقول مصادرنا، إذ رغم رسائل الودّ التي بعث بها لأطراف في الدولة، فهو لم يتلق أي جواب.

تقول مصادر مقربة من شباط، إنه كان يهيئ قبل عودته لإصدار كتاب يبوح فيه بكل ما حدث معه، منذ لحظة بوحه بأسرار الدولة لابن كيران، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة بعد تلقيه إشارة مطمئنة للعودة إلى المغرب، وتوجه نحو إعداد كتاب شبيه بالكتاب التمجيدي الذي أعده عنه وله الصحفي الراحل محمد الأشهب. ثم تراجع أيضا عن الأمر لسبب لم تفدنا مصادرنا العليمة بفحواه، ليقر قراره على فتح مكتب بفاس للقاء المواطنين والحزبيين والمستشارين من كل لون. إنه يتقن اللعب الانتخابي في فاس، قلعته التي كانت محروسة قبل 2016، حيث التقى أكثر من 17 ألف شخص، حسب ما سجله في كمبيوتر خاص لهذا الغرض، حيث كان معه موظف يأخذ الاسم الكامل ورقم الهاتف والبطاقة الوطنية وعنوان الزائر، ومن هذا المجموع، حصل على تزكية لوائح مستقلة قدمها في الانتخابات المهنية، بل أكثر من هذا فقد أخذ ينشئ تنسيقيات حزبية موازية للتنظيمات القائمة، وفي الأخير اقتحم بعض المقرات الحزبية، وعين بها حراسا موالين له، وفتحها أمام نشاط التنسيقيات التي أسسها منذ عودته من ألمانيا في أكتوبر الماضي. وبما أن السياق انتخابي بامتياز، فلا أحد أفضل من شباط يتقن عملية الطرح والخفض والرفع والنصب والسكون، لكن أحيانا من يحسب لوحده، قد لا يفلح.

«أراد أن يتعشى بهم فتغذوا به»

وضع اليد على التنظيم الحزبي كان الهدف منه بالنسبة لحميد شباط، خلق آلة انتخابية طاحنة، فالتجمعات التي شرع في عقدها في الشوارع العامة، كانت أغلبها من النساء باعتبار تأثيرهن في التصويت الانتخابي، لكن بالنسبة للقيادة في الرباط، كان الأمر أشبه بـ«قرصنة التنظيم الحزبي»، لذلك تحركت آليات الوساطة التنظيمية. تقرير اللجنة المكلفة بالتوفيق بين أتباع حميد شباط والموالين للقيادة الحزبية، دفع نزار بركة إلى قطع الطريق مبكرا على الرجل، فتم تسريب خبر أن اللجنة التنفيذية لن تمنح تزكية لشباط في الانتخابات القادمة، وحين اتصلنا بشباط في وقت سابق أكد لنا أنه لن يتقدم مرشحا للانتخابات التشريعية، وهمه هو العودة إلى عمودية فاس، لكن لماذا عمل على استقطاب عبد المجيد الفاسي للترشح بالعاصمة العلمية؟

محاولة تقسيم عائلة نزار بركة

مصادر مقربة من شباط صرحت لـ»الأيام» أن عمدة فاس السابق كان قد عقد اجتماعا موسعا، طُرح خلاله السؤال: من يريد التقدم للانتخابات البرلمانية، فاكتشف أن هناك 27 عضوا كلهم أعلنوا على رغبتهم في الترشح، ولأنه يصعب أن يُرضي كل الطلبات وقد ينفجر الاجتماع المذكور مثل لغم حي بين يديه، عبر لعبد المجيد الفاسي عن دعمه له في الانتخابات البرلمانية بفاس، فلماذا عبد المجيد الفاسي؟

للأمر علاقة بطموح هذا الشاب سليل العائلة الفاسية، ولأن ترشيحه سيوحد 27 راغبا في الترشح، ما دام أن المزكى من خارج فاس، وهو أيضا نجل عباس الفاسي الذي يحتفظ له الاستقلاليون خاصة في العاصمة العلمية بصورة طيبة وبعد رمزي كبير. لكن هدف شباط أكبر من هذا، ولم يكن يخرج عن أحد أمرين: إما لجلب استعطاف ودعم نزار بركة بحكم أن المرشح هو صهر له، أو إحداث شرخ في العائلة لفائدته، بيد أن الأمر ارتد عكسيا على حميد شباط، مع تداول الأسماء التي ستقود لوائح حزب الاستقلال بفاس، والتي لم يرد فيها اسم شباط ولا أحد أتباعه.

شباط كان يهدف إلى إبراز أنه الأكثر قدرة على استعادة مدينة فاس للحوزة الاستقلالية، وهو بذلك يربح رضا الدارين، مباركة اللجنة التنفيذية من جهة، وتقبل أطراف معينة داخل الدولة من جهة أخرى، لكن لا أحد ـ تقول مصادرنا ـ أنقذ شباط أو قدم له دعما، وهو ما أشعره باليتم السياسي، لذلك لجأ إلى حزب أحمد مفدي المنشق عن حزب الاستقلال، لأخذ تزكية منه للانتخابات، كما اتصل بحزب الحركة الشعبية عبر أحد النافذين، حسب ما صرح به لنا قيادي من حزب السنبلة، بل وفتح قناة مع عزيز أخنوش لأخذ تزكية باسم الحمامة، ويبدو أنه بصدد إحراق أوراقه الأخيرة، كما تجلى ذلك في تصريحه ليلة الاثنين الماضي.

المصدر : الأيام

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *