عبد السلام المساوي
1_ انه حدث ، حدث بكل المقاييس الأكاديمية والفكرية والسياسية ، أن يحاضر قائد سياسي وفي هذا الظرف الاستثنائي ، في رحاب الجامعة وان يقنع حضورا استثنائيا ؛ انه حضور النخبة ، بل نخبة النخبة ؛ أساتذة جامعيون وطلبة باحثون وفاعلون سياسيون وفعاليات مجتمعية …
ولقد سجل الحضور المكثف والنوعي وسجل الرأي العام ، أن الأستاذ إدريس لشكر كان متميزا ، وكان متفوقا الى درجة أنه تفوق على نفسه …كان متميزا لأن الفضاء متميز ، ولأن المكان ليس ككل الأمكنة …هنا فضاء العلم والمعرفة ، فضاء المنهجية العقلانية والصرامة المنطقية …ليس فضاء للتهريج والشعبوية …ولقد شهد الجميع أن ذ إدريس لشكرا كان ناجحا وكان مقنعا ؛ مقنعا بسلطة المعرفة لا معرفة السلطة ….
الأستاذ إدريس لشكر الكاتب الأول ، قدم في هذا اللقاءين معا ، في تطوان وفاس ، العرض السياسي للاتحاد الاشتراكي الذي يتوخى من خلاله تدبير المرحلة المقبلة . ببساطة لأن غياب عروض سياسية مغرية من شأنها جلب المواطن للمشاركة لابداء رأيه حول مستقبل البلاد ، ليس له من معنى سوى اعطاء هدايا مجانية للشعبويين والعدميين وأصحاب ” الركمجة ” الحقوقية واكسابهم أرضيات جماهيرية لا يستحقونها بالمرة .
ان مهمة استعادة المواطنين من أحضان الشعبوية والاعتراب السياسي والعزوف والكيانات المسمومة تبقى هي السبيل الوحيد والأوحد لاضفاء المعنى السياسي على الاستحقاقات المقبلة .
نريد ان تكون انتخابات بعروض سياسية واضحة وواقعية وقابلة للتطبيق وتهم الحاجيات الأساسية للمواطن ، وقد تابعنا في جامعة عبد المالك السعدي وفي جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس ، العرض السياسي العقلاني والواقعي الذي قدم معالمه الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ذ إدريس لشكر الذي لا ينتظر زمن الحملات الانتخابية لاطلاق وعود وهمية محاطة بسياج من الأكاذيب …
ان الشعبوية كما العدمية ، كلتاهما تمثل عجزا عن إنتاج بديل سياسي واقعي بأرقام واضحة وأجندة زمنية محددة ، وتعكس سياسة الهروب الى الأمام في وجه تقديم أجوبة للطلب المجتمعي ، فيأخذ الحل شكل اللجوء الى خطابات غارقة في التزييف من دون بدائل حقيقية للمجتمع والدولة .
المغاربة في حاجة إلى برامج واقعية واعدة وليس الى بوليميك فارغ يحاول تغطية الشمس بالغربال …
المغاربة محتاجون الى أجوبة مقنعة حول أمراض الصحة وأعطاب التعليم وشبح البطالة وهشاشة السكن ورداءة الأجور ولهيب الأسعار وغول الفساد ، وليس الى دغدغة عواطف المقهورين بخطاب قد يتلاعب بقلوبهم وعقولهم لكن لا يغير أحوالهم نحو الأفضل….
نسجل ان خطاب الأستاذ لشكر في المحاضرتين معا ، أبان عن مهنية عالية بعنوانين بارزين ؛ التحليل والموضوعية … خطاب متماسك ومتناغم تحكمه وحدة الفكر ووحدة الرؤية ….
خطاب مؤسس على ثوابت مبدئية وقناعات سياسية …
خطاب أصيل متأصل يجمع مكوناته ناظم مشترك هو المشروع الاتحادي ؛ الاشتراكي الديموقراطي الحداثي…
خطاب اساسه هو الارث الاتحادي النضالي وبوصلته هو التفكير الاتحادي المبدع والمستقبلي …
خطاب عقلاني ، بعيد عن حماس وانفعالات اللحظة ؛ خطاب عقلاني واعي وهادف يحاصر الشعبوية التي تروم السيطرة على الوجدان بخطاب عاطفي مغالطي والذي تأثيره مؤقت في الزمان والمكان …
خطاب متناسق منطقيا ، يشكل بنية ، فبالرغم من ان محاضرتي الكاتب الأول قاربت مواضيع وقضايا متعددة ومختلفة ، فانها موحدة من حيث الثوابت التي تحمي من الوقوع في التناقض …
الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي يتحدث ويفكر، يتحدث بهدوء وثقة ، مستلهما تاريخ الاتحاد الاشتراكي في المسار والصيرورة ومستحضرا التجربة الذاتية الضاربة جذورها في السبعينيات ….
2_ ان الاتحاد الاشتراكي يجد نفسه في الخيارات الاستراتيجية والمبادرات الاجتماعية والاصلاحات الهيكلية التي يبشر بها جلالة الملك ، ويحث عليها في كل مناسبة وحين ، بل وينكب على الاشراف على الكثير منها .
يقول الأستاذ إدريس لشكر : ان البرنامج الانتخابي للحزب يروم اقرار منظومة شاملة للحماية الاجتماعية وتفعيل نموذج تنموي واقتصادي جديد ، ويكرس البعد الديموقراطي والحداثي …وان ما جاء به جلالة الملك يعتبر ثورة إجتماعية كبرى وحقيقية غير مسبوقة ، فلم يرد في برنامج الحزب ولا في برامج اي حزب من الأحزاب مثل هذا السقف الزمني بالرغم من تواجدها الدائم كمطالب .
يقول الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ” بكل تجرد ، أؤكد ، انه اذا تمت العودة إلى جميع البرامج الانتخابية لكل الأحزاب السياسية بالمغرب ، بما فيها الحزب الذي أتشرف بالانتماء اليه ، لم يصل أي حزب في المغرب من خلال برنامجه الانتخابي الى طرح الحماية الاجتماعية بشكلها التام ، كما جاءت في الخطب الملكية والقرارات التوجيهية الملكية الأخيرة . وبالعودة الى أدبيات الحزب وبرامجه الانتخابية دائما كان الأفق الزمني لكي نكون في حماية إجتماعية كاملة يصطدم بقلة الموارد ومحدودية الميزانيات ، ونظل نتحدث فقط عن أجرأة ثابتة تتطلب عدة حقب وعدة مراحل …
اليوم بهذا القرار الملكي ، الكلفة تتجاوز 51 مليار سنويا ، وهنا من حق الجميع أن يتساءل هل سيكون هناك اصلاح حقيقي للمنظومة الجبائية ، خاصة وأن الحماية الاجتماعية رهينة بمساهمة وأداء كل واحد حسب استطاعته ، خاصة ما بعد الجائحة …
ان فيروس كورونا ، يؤكد الأستاذ إدريس لشكر ، عجلت بالتفكير في الحماية الاجتماعية ، ولم يكن أحد يطرح ضرورة الحماية الاجتماعية لكل المواطنين والمواطنات ؛ ففي الوقت الذي كانت بعض الهيئات السياسية تنادي بخوصصة القطاعات الاجتماعية في التعليم والصحة والتقليل من تدخل الدولة في هذه القطاعات ، برزت الجائحة وفرضت الرجوع الى الدولة والتدخل في المجال الاجتماعي ؛ ان هذا هو ما يشكل جوهر مشروع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ 1959 …
ان جلالة الملك عمل على اطلاق هذا المشروع الضخم المتعلق بالحماية الاجتماعية في الوقت الذي لم تستطع فيه بعض الدول المتقدمة انجازه ، وهو ما دفع بحزب الاتحاد الاشتراكي إلى الانخراط فيه بقوة لانجاحه لأنه جوهر الفكر الاشتراكي الديموقراطي الذي ينادي به الحزب ويناضل من أجله ، وما هذه المحاضرات التي يسهر الحزب على تنظيمها بالمؤسسات الجامعية والفضاءات العمومية الا دليلا واضحا على الرغبة الأكيدة للحزب في انجاح هذا المشروع الاجتماعي الكبير الذي أطلقه جلالة الملك …
يقول الأستاذ إدريس لشكر : ان المبادرة الي اتخذها جلالة الملك كانت مبادرة قوية ، لأنه الشخص الوحيد بالمغرب الذي تجتمع فيه مجموعة من الصفات لاتخاذ هذه القرارات ؛ فجلالته هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ، وهو أمير المؤمنين ، ورئيس الدولة ….هذه الصفات هي التي ساعدت المغرب على تجاوز الكارثة . ويقول الأستاذ إدريس لشكر مخاطبا الحضور : أنتم شهود على الوضعية التي كانت عليها شعوب أخرى أكثر تقدما منا في التعامل مع هذه الجائزة …
وكنتم شهودا على القرارات التي اتخذت في اللحظة والحين ، وبالتالي اجتمعت هذه الظروف والصفات لنجعل جلالة الملك يستعمل كل الصلاحيات الممنوحة له دستوريا ؛ سواء على مستوى إمارة المؤمنين أو رئاسة الدولة أو القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية ؛ لأنه من كان سيضمن عدم تحول المساجد الى بؤر لو لم تكن إمارة المؤمنين ؛ من كان سيضمن ان الضعف الذي عرفه قطاع الصحة سيتلقى الدعم والمساندة من طرف القوات المسلحة الملكية …فضلا عن المبادرات القوية التي اتخذها جلالة الملك بانشائه الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا لتغطية النفقات الطبية ودعم القدرة الشرائية للأسر ومساعدة القطاعات الاقتصادية المتضررة …في هذه الظرفية أبانت الإدارة العمومية بكل مكوناتها عن قدرتها في التأقلم والإبداع والتفاني ونكران الذات في أداء مهامها ، على الرغم من الصورة النمطية السلبية التي ألصقت بها قسرا ، حيث كشفت الجائحة عن أهمية القطاع العمومي وفعاليته ، بل وحيوية الأدوار التي يقوم بها والتي يستحيل على القطاع الخاص القيام بها …
ويقول الأستاذ إدريس لشكر مذكرا ومؤكدا : ان الخطة التي انخرط فيها الجميع منذ اليوم الأول للجائحة ، لم تكن لتنجح لولا التدخل المسؤول للدولة وثقة المواطن في المؤسسات الوطنية ، رغم أن اقتصاد المغرب على غرار كل اقتصاديات العالم تأثر بالجائزة ، من توقف وشلل مئات الآلاف من المقاولات بمختلف أصنافها ؛ الفلاحية والصناعية والخدماتية …وركود اقتصادي سيفقد المغرب على الأقل سنتين أو ثلاث سنوات من النمو ….
3_قد ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينهل من الفكر الاشتراكي الديموقراطي معتبرا اياه بديلا حقيقيا عن الليبرالية المتوحشة التي تتبنى القضاء على أي تدخل للدولة …
وعلى هذا الأساس وانسجاما مع مبادئ الاشتراكية الديموقراطية ، تتعلق المحددات الكبرى المؤطرة للنموذج الانتخابي الاتحادي البديل والناجع بالجاذبية الاستثمارية والعدالة الترابية والتضامن الاجتماعي..”
يومن الاتحاد الاشتراكي بأن الاشتراكية الديموقراطية هي البديل الضروري لمعالجة الاختلالات الاجتماعية ، وإحدى مداخل الحداثة واستدراك التأخر التاريخي ، فالاشتراكية ترتبط بالفضاء العقلي للحداثة ، ومن هنا ، امن الاتحاد الاشتراكي ، بضرورة تحيين الاشتراكية كمثال بفك ارتباطها بنماذج معينة وبالحفاظ على الشحنة الفكرية التي قامت عليها ، أي التشبث بالارضية الحداثية الثقافية للاشتراكية وخلفياتها الفلسفيةالانوانوارية….
يقول الأستاذ إدريس لشكر : ان الاتحاد الاشتراكي هو الحزب المغربي الوحيد الذي تمكنه مرجعيته الإشتراكية والاجتماعية من التواجد داخل الأممية الإشتراكية ثم التحالف الدولي الاجتماعي ..
يقول الأستاذ إدريس لشكر : “منظورنا لدور الدولة التي لا نريدها وفق مبادئنا الاشتراكية وموقفنا المعارض لفكرة تحطيم الدولة ، ان تكون ” جهازا حارسا ” يسمح للصراع الاجتماعي واقتصاد السوق بالتحكم في مصير البلاد . فالدولة التي نريد غير محايدة تقوم بدور تحفيزي واجتماعي لصالح الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا في المجتمع من خلال توفير شروط العيش الكريم والحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة . اننا مع الدولة الداعمة للتخفيف من حدة اثار العولمة في انتاج المزيد من الفقر والهشاشة في ظل غياب تنافسية الاقتصاد الوطني القادرة على تحقيق التوازن الاجتماعي .”
يقول الأستاذ إدريس لشكر : ان عددا من شعارات الحزب , خاصة في المجال الاجتماعي ، تتحقق ويتبناها الجميع ، في الوقت الذي كان فيه الاتجاه الليبرالي هو السائد ، واليوم ، الجميع شعر بالحاجة للدولة الاجتماعية الراعية والقائدة لمشاريع التنمية …ونذكر في هذا السياق بدور الصحة العمومية والتعليم العمومي في زمن الجائحة ، ولاحظنا ارتباك القطاع الخاص الذي أبان عن عجز وتهافت كبير….