إدريس لشكر في ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء 4/4

عبد السلام المساوي

ملك يفعل أكثر مما يتكلم

يقول الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الأستاذ إدريس لشكر في ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء الخميس 29 يوليوز  » لا حظنا ، في بداية الجائحة ، كيف أن قادة ورؤساء دول في العالم كانوا يتكلمون عن الجائحة يوميا ويتخذون القرار ونقيضه خلال الأسبوع ، لكن وحده المغرب وعلى رأسه جلالة الملك الذي لم يكن يتكلم كثيرا ، وكان الفعل في الوقت المناسب ، ولعل ذلك ما أثار اعجاب العالم والمجتمع الدولي في تدبير المغرب للجائحة … »

كثيرون تساءلوا في بداية الوباء لماذا لا يوجه الملك خطابا إلى الشعب ليشرح له حساسية الظرفية وضرورة الالتزام بالاجراءات العمومية ؟ وازداد السؤال حين توالت خطابات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وخروج ملكة بريطانيا بخطاب هو الثالث من نوعه منذ اكثر من نصف قرن ، وما كان واضحا هو أن المغرب لم يصل إلى الحالتين الفرنسية والبريطانية ، وأن الوضعية يمكن تطويقها اداريا دون الحاجة إلى رمزيات سياسية ، وغالب الظن أيضا ، أن الملك لم يكن يريد ان يصل إلى الأقصى ، توجيه خطاب الى الأمة يعقبه اعلان حالة الاستثناء .

كان في تقدير الملك محمد السادس يجب أن نخوض المعركة بشراسة كي لا نصل الى هذه المحطة ، ولذلك بدت الطوارئ الصحية حلا قانونيا ودستوريا وديا بين النموذج الأمريكي المتسامح مع الحركة العادية للحياة والنموذج الفرنسي القهري الصارم ، وبدلا من خطاب مباشر الى الأمة ، ظهر العاهل المغربي في سلسلة صور لأنشطته الدستورية ؛ جلسة عمل وزارية هنا واستقبال حكومي هناك واجتماع أمني عسكري في حالات أخرى …انها صورة ملك يشتغل اكثر مما يتكلم ، فهو في سباق مع الوباء وليس مع حفلات الخطابة …

منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية رأينا أن الملك في مختلف صوره ووظائفه ، رأيناه رئيس دولة مكلف بالسهر على حماية المواطنين وضمان السير العادي لمؤسسات الدولة . ورأيناه أميرا للمؤمنين يقبل على قرارات شجاعة وأخرى إنسانية ، ثم رأيناه ايضا قائدا أعلى للقوات المسلحة ، وناظرا أعلى للأوقاف والشؤون الإسلامية …كل خزانه الدستوري استعمله دون ان تطأ قدماه خارج الدستور .

لقد انتقلنا عمليا تحت ضغط الوباء ، وكما في كل الأنظمة الدستورية عالميا ، الى وضعية التماس مع نظام رئاسي ، لكن دون التفريط في وعائه البرلماني ؛ الحكومة تواصل عملها ضمن مسؤوليتها السياسية أمام الناخبين ، والمؤسسة التشريعية ظلت تمارس وظيفتها في الرقابة على السياسات العمومية وافتتحت دورتها الربيعية لممارسة سلطتها التشريعية ، وقانون الطوارئ الصحية لم يعط الحكومة شيكا على بياض ، والتعديل المباغت للحكومة لم يتجاوز حدود الفصل 47 من الدستور .

في الواقع ملك المغرب محظوظ جدا ، ومصدر حظه أنه تمرس مبكرا على ما يشغل الحكومات حاليا على الصعيد الدولي : الا تتحول التدابير الإستثنائية الى سلطوية ، وأن لا ينهار الاقتصاد ، ولا يدفع الفقراء وحدهم فاتورة الكارثة أو القوة القاهرة .

منذ توليه العرش كان الاقتصاد شغله الأول ، ووصف  » ملك الفقراء  » حينها يختزل الكثير من التمثل الشعبي لملك أختار أن ينتصر للفئات الهشة ، وحتى مع ظهور التهديدات الإرهابية لم نطبق قاعدة الأمن اسبق من الديموقراطية . وحين هبت رياح  » الربيع العربي  » كانت الوصفة قد اختمرت : الديموقراطية والنمو والتنمية ، وبها خرج المغرب من منطقة الزوابع الإقليمية والوصفة نفسها عادت للاشتغال بشكل مكثف ليخرج البلد من حالة الوباء القاتل .

وفي كل ما عشناه مع الوباء ، كنا تحت قيادة ملك يدرس المعطيات الموضوعية جيدا ، لكنه يضيف اليها كثيرا من الحدس والجرأة ، وأساسا القدرة على التضحية ، تلك القيمة التي قال عنها الاخرون من الجهات الأخرى من العالم : ملك المغرب يضحي باقتصاد بلده من اجل شعبه .

ان التحرك الاستباقي للمغرب في تعامله مع الوباء كان صائبا ، بل هو نموذج أثنى عليه العديدون في أقطار المعمور …لقد اختارت الدولة المغربية الانسان على أي شيء آخر . والسلطة بينت على علو كعبها وجندت كل أطقمها تلبية لنداء الوطن ، وجنود المواجهة من أطقم طبية وصحية وأمن ودرك وقوات مساعدة وجيش ، كل هؤلاء دخلوا المعركة باقدام وشجاعة ومسؤولية وطنية عالية .

وما ميزنا عن غيرنا هو تلك الحكامة التي كانت في القمة من خلال اتخاذ مجموعة من القرارات في وقتها وبصمت وبمسؤولية وجرأة ، وهذه المنهجية هي التي ساعدت على مواجهة هذا الوباء .

اليوم صدق المغاربة والمغربيات . اليوم تحققت نبوءات من سكنهم المغرب قبل أن يسكنوه . اليوم الكل يقول شكرا جلالة الملك .

اليوم حتى صحافة الأجانب ، تلك التي كان يجد عندها بعض  » المخالطين  » مبررات الكذب علينا ومسوغات ايهامنا تقول : لقد أدهشنا هذا البلد ، لقد أبهرنا ملكه وشعبه …عندما نقول هذا الكلام الذي نردده في اليوم الواحد عشرات المرات _ قبل وأثناء وبعد كورونا _ نقوله لأننا نؤمن به . هو قرارة تفكيرنا . هو عمق ايماننا . هو المغرب الذي يسري في العروق مسرى الدماء . وحين العروق وحين الدماء لا يمكنك ان تكذب أو تنافق او تكتب تحت الطلب مثلما يدعي الكئيبون ، حين الحب الحقيقي لا يمكنك التمثيل ، ويشهد الله اليوم أننا جميعا نحس بها هاته الأيام : المغاربة لا يمثلون حين حب المغرب ، هم يحبونه وانتهى الكلام .

يشغل المغاربة بالهم هاته الأيام ، عن حق ، مراقبة ما يقوله الاخرون عنا ، ويتبادلون فيما بينهم بافتخار ظاهر إشادة دول كانوا يعتبرونها أفضل منهم وتلقنهم الدروس يوميا بطريقة تعامل المغرب مع أزمة كورونا ، وكيفية تدبير بلدنا الحكيمة لهاته الأوقات الصعبة بفضل التعليمات الملكية التي اتضح أنها كانت استباقية وسابقة لجميع الخطوات العالمية التي تمت في هذا المجال .

أفضل نموذج لهاته الإشادة الأجنبية بالمغرب أتتنا من فرنسا وقنواتها التلفزيونية التي لم تتوقف عن كيل المديح للمغرب ولم تتوقف في الوقت ذاته عن انتقاد تخبط مسؤولي دولتها في زمن كورونا . مقاطع فيديو عديدة غزت مواقع التواصل الاجتماعي التطقت هذه  » الغيرة  » الفرنسية المحمودة ورأت فيها اعترافا حقيقيا بأن الدرس قد يأتي من الجنوب وان احتقر الشمال دوما كل ما يأتيه من هذا المكان .

لنواصل اذن سيرنا على المنوال ذاته ، ففي المواصلة تأكيدنا الدائم على الايمان بهذا الاستثناء الذي يشكلنا ونشكله .

المغرب بقيادة ملكه الحكيم واستنادا على تجربة القرون الماضية في الحكم ، واستماعا لصوت العقل قرر أن يجعل هاته المعركة لأجل صحة وحياة شعبه أولوية الأولويات .

الاخرون اختاروا أمورا أخرى لا تعنينا ولا نعرفها ولا نريد أن نهتم بها أصلا .
لذلك نهمس في أذن بني جلدتنا ممن يشكل لهم الأجنبي محور كل الانتباه . تجاهلوا أو على الأقل مثلوا دور المتجاهلين ، وقلدوا الشعب والملك اليوم في الاهتمام بالأهم : صحة هذا البلد العظيم المسمى المغرب .

بقية التفاصيل الأخرى مجرد تفاصيل أي أنها لا تهم
تبرز من حين لآخر بثور بشرية للتطاول على المغرب . غير أن مالها ملازم لها في تفاهتها .

ان بيت المملكة المغربية متين بقيادتها وشعبها ، والأجدى بالمتطاولين ، على شعبنا وقيادتنا ، أن يكنسوا أمام بيوتهم ، ويتأملوا في هشاشة بنيانهم ، لأن ناطحات السحاب لا تجدي نفعا ما ما دامت أعمدتها على رمال متحركة تذروها الرياح  » .

سنجتاز جميعا هذه الأزمة أكثر قوة لأننا أكثر اتحادا اليوم ، فخورين بهويتنا الوطنية وانتمائنا لشعب عظيم بقيادة ملك عظيم….

درس مغربي متواصل على امتداد الأزمنة والأمكنة يجدد نفسه دوما وابدأ ويمنح إمكانية الاستفادة منه لمن كان ذا عقل سليم .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *