إمارة حزبية في عباءة وزارة الفلاحة

بقلم: عبد القادر حبيب الله

هل أصبحت وزارة الفلاحة في المغرب رمزًا لتوريث المناصب بدلًا من تداولها ديمقراطيًا؟ سؤال يفرض نفسه في ظل السيطرة الطويلة التي فرضها حزب رئيس الحكومة على هذا القطاع الحيوي. فمنذ عام 2007، ظلت وزارة الفلاحة، باعتبارها واحدة من أهم الوزارات، حكرًا على نخبة حزبية أعادت إنتاج نفسها بطريقة تثير الشكوك حول احترام المبادئ الديمقراطية. كيف يمكن أن نفهم هذا التمسك المطلق بقطاع سيادي مثل الفلاحة؟ وهل يتعلق الأمر بتدبير تنموي حقيقي أم بنهج مدروس لترسيخ الهيمنة السياسية؟

المخطط الأخضر، الذي وعد بثورة فلاحية، بات أحد أكثر المشاريع إثارة للجدل، فقد ساهم في إثراء فئة صغيرة من الفلاحين الكبار والشركات الكبرى، بينما تراجعت الفلاحة العائلية، التي تشكل العمود الفقري للأمن الغذائي الوطني. بدلاً من أن يكون المشروع وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة، تحول إلى أداة لتعزيز الولاءات السياسية، عبر توظيف الدعم الفلاحي والتنمية القروية كأوراق رابحة في الانتخابات.

وتحولت هذه الوزارة لقطاع تابع بشكل شبه كلي لمجموعة اقتصادية يملكها عزيز أخنوش، الذي عمل على استقطاب أطر مجموعته للقطاع الحكومي، وتدرجوا في الإدارة العمومية، مكتسبين خبرات إدارية لم تتوفر لغيرهم ما ساعده على احتكارها بشكل تام، قبل أن يحولها أطرها سياسيًا نحو حزب التجمع الوطني للأحرار.

السيطرة على قطاع الفلاحة لم تكن محض صدفة. رئيس الحكومة الحالي، الذي يعد الأطول ولاية في تاريخ الوزارات المغربية، فهم مبكرًا أن التحكم في القوت اليومي للمغاربة هو المفتاح لإحكام السيطرة على الساحة السياسية. لقد أصبحت وزارة الفلاحة مختبرًا لإنتاج الولاءات السياسية، ومشتلاً لتكوين نخب حزبية قادرة على فرض أجندتها على المشهد العام. يبدو أن حزب التجمع الوطني للأحرار لا يفهم من السيادة الغذائية سوى سيادة المناصب وتكريس التدبير الحصري من طرف نخبته.

الملك الراحل الحسن الثاني كان يربط السياسة بالفلاحة، لكن ما نراه اليوم هو استغلال مفرط للفلاحة كوسيلة للسيطرة السياسية. لقد تحولت وزارة الفلاحة إلى نموذج لما يمكن أن نسميه “الإقطاعية الحزبية”، حيث يتم استغلال إمكانيات القطاع لخدمة أجندات حزبية بعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية.

ما يزيد من خطورة الوضع هو غياب توازن حقيقي في توزيع الدعم الحكومي، الدعم الذي كان من المفترض أن يعزز الفلاحة العائلية ويضمن الأمن الغذائي للجميع، تم توجيهه نحو فئة صغيرة تستفيد من النفوذ والامتيازات، في وقت يتراجع فيه الفلاحون الصغار إلى الهامش. هذا التوجه ليس فقط غير عادل، بل يمثل تهديدًا حقيقيًا للنسيج الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي.

المعارضة بدورها لم تنجح حتى الآن في تحويل انتقاداتها إلى فعل سياسي مؤثر. فتح باب النقاش داخل البرلمان حول هذا الموضوع كان خطوة ضرورية، لكنها تبقى غير كافية ما لم تتحول إلى مبادرة وطنية لإعادة هيكلة القطاع الفلاحي على أسس ديمقراطية وشفافة. لا يمكن أن يستمر هذا القطاع تحت سيطرة نخبة حزبية واحدة تديره كما لو كان ملكية خاصة.

وزارة الفلاحة ليست مجرد قطاع حكومي؛ إنها أحد أعمدة السيادة الوطنية. استمرار الوضع الحالي لا يهدد فقط الديمقراطية، بل يقوض الأمن الغذائي ويفتح الباب أمام مزيد من الانقسامات الاجتماعية. إذا كنا حقًا نطمحُ إلى بناء دولة اجتماعية حديثة، فلا بد من إعادة النظر جذريًا في طريقة إدارة هذا القطاع، بعيدًا عن التوريث الحزبي والمصالح الضيقة. المغرب يستحق فلاحة ديمقراطية قبل أن يستحق سيادة غذائية.