احمد الحريري يكتب : الإمارات تحارب كورونا.. مع إسرائيل

في الوقت الذي بدأ فيه العد العكسي لضم إسرائيل لمناطق جديدة من الضفة بفلسطين المحتلة ابتداءا من الأسبوع المقبل، يعلن نتانياهو مشروعا « علميا » للتعاون مع الإمارات العربية المتحدة لمحاربة كورونا..
من كل دول العالم لم تجد حكومة الإمارات سوى إسرائيل للتعاون معها في المجال الصحي..

في وقت يعاني فيه رئيس إسرائيل لتمرير مشروعه التوسعي أمام العالم، و في خطوة انتخابية تضرب كل أمل في السلام في هذه المنطقة.. تهب الدولة الخليجية لتقديم الدعم و التغطية السياسية لهذه الخطوة التوسعية الاستعمارية، ضاربة عرض الحائط بكل آمال و تطلعات الشعب الفلسطيني لبناء دولته المستقلة على أراضيه..

فبعد ضم القدس الشرقية و اعتبار القدس عاصمة أبدية و موحدة لإسرائيل بشكل أحادي و بنهج سياسة الأمر الواقع و ضدا في كل الاعراف و الاتفاقيات و المواثيق الدولية، تطبيقا لخطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط تحت مسمى صفقة القرن.. يأتي الدور في المرحلة الثانية لضم غور الأردن و المستوطنات أي ما يعادل ثلاثين بالمائة من مساحة الضفة الغربية، بما يقتل أي إمكانية لتطبيق حل الدولتين الذي يحظى بإجماع أممي كحل عادل لقضية احتلال فلسطين أو التفكير في استقلالها مستقبلا..

و في صدفة لا تبدو غير مقصودة، قررت إسرائيل عدم منح الجنسية الإسرائيلية لسكان هذه المناطق بعد ضمها، في استنساخ لظاهرة البدون التي تشكل وصمة عار على جبين دول الخليج و تكرس دونية المواطن الفلسطيني الذي سيكون مرغما على التهجير و التخلي عن أرضه و أصله، أو العيش كالبدون بالإمارات و الخليج بلا جنسية و لا هوية و لاحقوق، مواطنون من الدرجة صفر..

نتانياهو يستغل تشتت الصف العربي و انشغال العالم بجائحة كوفيد 19 و تواجد رئيس كترامب على رأس أكبر قوة عالمية، مستعد لأي شيء من أجل ضمان دعم اللوبي اليهودي القوي و الفاعل في الانتخابات الأمريكية، يستغل نتانياهو كل هذا، لتمرير قراراته الأحادية الجانب تحقيقا للحلم الصهيوني القديم بدولة إسرائيل كبرى من النهر الى النهر، و كذلك للتغطية على فشله الانتخابي و مشاكله القضائية مع العدالة الاسرائيلية التي تتابعه بتهم الفساد و الارتشاء..

إن إعلان رئيس إسرائيل عن مشروع تعاون علمي و تطويري خاص بمحاربة كورونا في هذا التوقيت بالذات، رغم أنه يخص شركتين من القطاع الخاص بالبلدين، هو استغلال سياسي لتسجيل نقاط على خصومه بالداخل من خلال إثبات أنه باستطاعته إخراج بلده من عزلتها الإقليمية، و تأكيد لمن يعارض مشاريعه التوسعية بالخارج أنهم لا يمكنهم ان يكونوا أكثر عروبة من العرب الذين يهرولون من أجل التطبيع، بعدما اقتنعوا أن العمل من أجل المستقبل يمر عبر إسرائيل، و أخيرا الإعلان و توقيته موجه الى الفلسطينيبن حتى يقبلوا بالأمر الواقع بعد أن يقتنعوا أن العرب، اوللدقة، الممولون منهم صاروا في الضفة الأخرى مع نتانياهو بعد أن باعوا ما تبقى من الضفة الغربية ابتغاء مرضاة رئيس أمريكا..

هذا الأخير الذي يشكك حتى الاسرائيليون في إمكانية إعادة انتخابه عبر وسائل إعلامهم و محلليهم السياسيين نتيجة تدبيره الكارثي للمعركة ضد كورونا، و هو ما يفسر هرولة الحكومة الاسرائيلية و رئيسها في اتجاه ضم غور الاردن و المستوطنات قبل إجراء الانتخابات الأمريكية..

لقد كان التطبيع مع الكيان المحتل دائما على أجندة الحكومات الاسرائيلية منذ قيام دولة اسرائيل، و استطاعت في كل فترة تاريخية أن تحقق اختراقات محدودة لظروف و شروط خاصة و غالبا في سرية تامة.. و لكن تجرؤ دولة الاحتلال على القضاء على ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني في السنوات الأخيرة فاق كل ما تمنته لعقود، مستفيدة من التشتت العربي بعد وصول زعامات جديدة لم يعد يهمها من القضية سوى ما تكسبه من بيعها و التنازل عن حقوق اصحابها.. و كانت بعض دول الخليج في صدارة من تخلوا عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بعد تقوية النعرات الطائفية داخلها و تضخم أطماع العدو الجديد القديم إيران في السيطرة على المنطقة عبر أذرعه المحلية، و اشتراط ترامب لاستمرار حماية الانظمة الحاكمة بالمنطقة بدعم صفقة القرن و دفع المقابل المادي و السياسي لهذه الحماية..

الاكيد ان تشتيت القرار الفلسطيني بين حكومتي غزة و رام الله ساهم بشكل كبير في خفوت بريق القضية الفلسطينية و مدى التزام العالم سواء العربي او الغربي بالدفاع عنها، و عليه فلا مخرج أمام هجمة اليمين المتطرف الحاكم بتل أبيب و واشنطن سوى بالعمل على مصالحة فلسطينية حقيقية تجعل من استقلالية و وحدة القرار هدفا أساسيا و مصيريا لمواجهة التهديدات الجدية لطمس القضية و الهوية الفلسطينيتين…

كل الشعوب التواقة للحرية و الكرامة ستدعم الشعب الفلسطيني حين تراه استعاد قراره و وحدته، و أصبحت أجندته الوحيدة هي إنشاء الدولة لفلسطينية الموحدة على أراضيها، بعيدا عن حسابات و أجندات القوى الاقليمية و الدولية التي لا يهمها سوى مصالحها و تستغل أطرافا من تنظيمات الشعب الفلسطيني لتمريرها على أرض الواقع..

إن الدور المشبوه الذي اصبحت تلعبه بعض الانظمة الخليجية في دعم التفرقة و إثارة المشاكل و النعرات بل و تمويل حروب بالوكالة في مجموع المنطقة العربية يدعو للتساؤل حول الهدف من هذه السياسات و المستفيد منها، و لعل في قرارات إسرائيل فيما يخص القضية لفلسطينية، التي كان يعتبرها كل العرب و المسلمين قضيتهم الاولى، جزء من الجواب..

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *