احمد الحريري يكتب: لائحة إنتخابية للبيع

في سباقات العدو الريفي، و سباقات المسافات الطويلة و المتوسطة هناك ما يسمى بأرانب السباق، و هم عداؤون أثبتوا بالتجربة و توالي السباقات انهم جيدون و لكن ليس لديهم لا قوة الاحتمال و لا الموهبة الكافية لربح سباقات مهمة.. هاته الارانب، و هي واعية لقيمتها و دورها، تقوم بدور المحفز للمشارك الذي لديه حظوظ اوفر في الفوز، برفع إيقاع السباق باكرا الإرهاق المنافسين أو بعرقلة خصوم من يشتري خدماتهم، و في تاريخ اللعبة طرائف و غرائب في هذا المجال، و ما على المتابع سوى العودة إلى شرائط هذه السباقات ليستمتع و يأخذ العبرة كيف أن ارنبا جيدا قد يقلب موازين المسابقة و يساهم في فوز من استأجره بالسباق..

لا يختلف الامر كثيرا في السياسة في وطننا، كثير ممن يدخلون غمارها مبكرا، و خاصة عند اقتراب الاستحقاقات الانتخاببة، و في مختلف ربوع المملكة، لا يعدون أن يكونوا أرانب أوحي لهم أن يفتحوا المزاد، ليخرج المنافسون الحقيقيون و يعلموا عن أنفسهم و نواياهم.. منذ بضعة شهور، بدأت حملات و مجموعات تنادي بالتغيير و الإنقاذ و تغيير اللاصقين بالكراسي و رميهم الى « مزابل التاريخ » حسب زعمهم، لأنهم جميعا لم يفعلوا شيئا سوى تأزيم وضع البلد مدنه و قراه.. و أن الحل هو فتح المجال للشباب و الوجوه الجديدة، بل و حتى إخواننا في المهجر، و ذلك حقهم بل واجبهم، فمن تشبع بقيم الحداثة و الديمقراطية و حسن التدبير بأوربا و أمريكا لا يمكن إلا أن يكون إضافة نوعية للمشهد السياسي بالمغرب، هاته الوجوه الجديدة التي، من أجل عيون مدنها و قراها قرروا أن يتركوا حالهم و اهلهم و أشغالهم و يتطوعوا لإنقاذ بلداتهم و إخراجها من البؤس و التخلف و التفاهة التي تعيش فيها بمشاركة او تواطؤ النخب المثقفة و المسيسة المحلية التي لم تعط شيئا و لم تستطع أن تقف في وجه الانهيار الاجتماعي و الاقتصادى و السياسي الذي تعيشه مدننا.. اللهم من بعض الكتابات و البيانات و الوقفات و المراسلات و المشاريع الترافعية و الاشتغال الميداني مع المجتمع الميداني و تطوير آليات الدفاع و المرافعة عبر مجموع مدن و قرى المملكة، و التي تجعل مجتمعنا من أكثر بلدان العالم دينامية على مستوى اشتغال المجتمع المدني.. كل هذا لا يشفع لأبناء هذا الوطن العزيز، الذي حقق طفرات مهمة على أصعدة كثيرة بشهادة القاصي قبل الداني، قلت كل هذا لا يشفع لدى أرانب سباق الانتخابات الذين يعتبرون أن كل حديث عن السياسة أو تأطير إيديولوجي أو مرجعي لكل عمل منظم يروم الرقي بالواقع الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي بمحيطه هو كلام فارغ و سفسطة و ضحك على الذقون.. مدننا، حسب أرانب السباق الجديدة تحتاج الى الميدان و الى العمل في الواقع، ربما عبر توزيع بعض الأغطية او بعض المأكولات و ربما بعض علب السجائر لمريدين لا ولاء لهم الا لمن يدفع أكثر، و ربما بالبحث و التقصي في حياة الناس و الطعن في أعراضهم و تاريخهم و أهدافهم و نياتهم، و اعتبار كل من يساءل الشأن المحلي أو يتحدث فيه هو عدوهم الأول الذي يجب قتله رمزيا و ربما تحييده واقعيا من أجل التفرغ للمهمة التبشيرية أي إنقاذ المدينة من محترفي الانتخابات الفاسدين جميعا و الذين نهبوا خيرات البلد و اغتنوا و تغولوا على الساكنة..

لا يختلف الكثير عن ان تدبير الشأن المحلي ببلادنا أنتج كوارث على مختلف الأصعدة و جعل غالبية مدننا و قرانا أشبه بتجمعات سكنية عشوائية لا تمت للحضارة و لا المدنية إلا بالقليل من الصلات.. و المتتبع للشأن السياسي لا يمكنه سوى أن ينتفض في وجه تدبير الاحزاب لتزكيات المرشحين للانتخابات و تفضيل الاعيان و اصحاب المال على ذوي الكفاءة و الخبرة و الغيرة على الوطن، و لكن ذلك لا يمكن ان يشفع لاي كان أن يطعن في وطنية من شاء و غيرته على بلده و مدينته او قريته، فقط لانه يختلف معه، في المنطلق و الغاية.. لا يمكن إنقاذ مدننا سوى بمرجعية سياسية و حقوقية واضحة حاملة لمشروع مجتمعي أصيل ينطلق من تحليل ملموس للواقع ليصل إلى حلول تشاركية منبعثة من هموم المواطنين و مستشرفة لطموحاتهم و تصوراتهم حول بلادهم و محيطهم…

ان القول بأن السياسة و الاحزاب عبر المنتخبين هي من أتت على الأخضر و اليابس في مدننا على مستوى تدبير الشأن المحلي، هو قول يلعب على نفس اوتار الشعبوية المقيتة التي جعلت الناس ينفرون و يشمئزون من كل ما هو سياسي رغم ان من لم يمارس السياسة تمارس عليه، و هذا الموقف هو الذي أعطى هاته الارقام المهولة من مقاطعة الانتخابات دون أي موقف او تحليل سياسي منطقي، و هو ما يساهم في ظهور بؤر توتر غير منظمة و لا مؤطرة قد تؤدي غالبا الى ما لا تحمد عقباه، و لنا في ما سمي بالربيع العربي و كثير من الحراكات و الاحتجاجات العفوية المطالبة ببعض الحقوق الفئوية و غير المؤطرة و التي كانت لقمة سائغة للشعبوية و انتهت غالبا باعتقالات و تشريد أسر و ضرب مصداقية العملية السياسية كاملة..

لا ديمقراطية بدون احزاب، و الفيصل في الانتخابات هو صوت المواطن، كل الاحزاب و التنظيمات و المجموعات تدعو الى تسجيل المواطن و ضرورة الادلاء بصوته الذي هو تعبير حر عن إرادته و مشاركته في بناء مستقبل بلده و نفسه و أبناءه، و لكن السلوك السياسي و نوعية الخطاب السائد لا تشجع كثيرا على الانخراط و المساهمة في التغيير..

من يريد التغيير عليه ان يغير اولا من خطابه و رؤيته للمواطن الذي لم يعد ،كما يظن أرانب السباق، أنه لازال قاصرا لا يفهم و عليه ان يسمع و يطيع و يثق في وهم النيات الحسنة و الفرسان الآتين من المجهول ليأخذوه الى مجهول أعمق.. الوطن و المواطن، و نحن على أبواب استحقاقات مصيرية و استثنائية، بظروفها و شروطها و توقيتها، فبعد كورونا و أزماتها التي لن تنجلي بانتهاء الجائحة، يلزمها رجال و نساء و أحزاب تحمل مشاريع حقيقية لإنقاذ ما يمكن و لإعادة الثقة في مصير هذا الوطن..

رغم الجائحة استطاع المغرب أن يحقق مكتسبات تاريخية، فيما يخص وحدته الترابية و تعبئة الموارد رغم محدوديتها لمواجهة تبعات كورونا و الحجر الشامل، و استطاع كذلك ن يحافظ على استقراره السياسي و الاجتماعي و ثقة الفاعلين الدوليين في اقتصاده و أداءه.. آن الأوان أن نأخذ مصائرنا بأيدينا، و نساهم كل من موقعه لبناء البديل المجتمعي الذي نرقى جميعا اليه، حيث كل مسؤول كيفما كان موقعه موظف لدى الوطن و المواطن و يؤدي مهامه حسب ما اتفق عليه و حسب برنامج و مشروع متفق حوله و مبني بشراكة مع مختلف الفاعلين و على رأسهم المواطن..

إن الانتخابات المحلية و تدبير الشأن المحلي لا يمكن ان يبقى حصرا على فئة محترفي الانتخابات و السلطات، بل يجب أن يكون مبتدأها و خبرها المواطن و كرامته..
و من يضع لوائح إنتخابية للبيع اليوم و على شهور من الاستحقاقات، ليقتنع بأنه أرنب سباق، و مهما كذب أو حاول إخفاء الأمر او تغليفه بالنيات الطيبة أو افتعال مواجهات و حروب صغيرة مع مختلف الفاعلين و المهتمين بالشأن المحلي ببلدنا، سيظل أرنب سباق معروض للبيع او الكراء في مضمار لن يكون سوى صوت المواطن سيده الاول و الاخير، خاصة بعد ما عاناه من كورونا و أزماتها و ما تعلمه من دروسها..

لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين، و كما قال غاندي:
« كل ما تقوم به من أجلي ، بدوني ، فهو ضدي »..
و كثير من الناس و المجتمعات لا يهزمهم أعداؤهم، و لكن اختياراتهم تتكفل بذلك.. لذا آن الأوان لنحدد من نحن و ماذا نريد و أين سنتوجه، و الجواب لا يمكن ان يكون سوى جماعيا، سياسيا و علميا من داخل ثوابت الأمة و أخذا بالاعتبار كل متغيرات العصر و تحدياته الراهنة…
من الغباء فعل نفس الشيء مرتين بنفس الاسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة..

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *