اختيار العنف ضد الحراك الشعبي الجزائري سيحفر قبر النظام العسكري

محمد بوبكري

عندما أعلن « عبد المجيد تبون » في خطابه الأخير عن عزمه على القيام بتعديل حكومي، سعيا منه لإخماد غضب الجزائريين من حكومة « عبد العزيز جراد » التي لم تنجز شيئا، خاطبهم قائلا: « لقد وصلت رسالتكم »، ما خلف انطباعا لديهم بأن الأمر يتعلق بتعديل جذري كبير، لكنه عندما أُعلن عن هذا التعديل، الذي كان دون أريحية طموحات الشعب، تأكد للجزائريين أن الجبل تمخض وولد فأرا.

ويؤكد ملاحظون جزائريون أن أداء هذه الحكومة كان من الأسباب الرئيسية التي كانت وراء ارتفاع نسبة مقاطعة الاستفتاء على الدستور، حيث يرون أنه كان على تبون أن يقوم بإقالة هذه الحكومة بعد هذا الاستفتاء. إضافة إلى ذلك، فإن النظام السياسي لم يطرأ عليه أي تغيير.

كما أن « مجلس الأمن الجزائري » يجتمع باستمرار وتصله تقارير استخباراته تؤكد أن الحراك آت لا محالة. وما لا يعيه تبون والجنرالات هو أن المشكل في الجزائر لا يكمن في الحكومة فقط، بل إنه كامن في النظام السياسي ذاته، لأنه ينهض على دستور استبدادي يناهض الدولة الحديثة، حيث يرفض الحريات بشتى أنواعها، ولا يقبل بالتعددية، ولا بالمأسسة، ولا بكل المقتضيات التي تتطلبها الدولة الحديثة. فعند التحضير لهذا التعديل الحكومي، قام بعض المسؤولين العسكريين والمدنيين بالاتصال ببعض الأشخاص وأخبروهم بتحضير أنفسهم ليكونوا وزراء، لكنهم اعتذروا لهم في الأخير، ما ينم عن انعدام أي تصور لدى تبون وجنرالاته، بل هناك من فسر هذا التردد بوجود خلافات بين الجنرالات جعلتهم لا يستطيعون تطوير تصور لحكومة منسجمة مع تطلعات الشعب الجزائري. لذلك، فما دامت حكومة « تبون » لم تنجز شيئا يذكر، فإنه حاول الافتخار بإنجازه لدستور مع أن الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري لم تصوت عليه، لأن الجزائريين قاطعوه شكلا ومضمونا، نظرا لتعارضه جذريا مع تطلعاتهم السياسية وتصورهم للنظام السياسي الذي يريدونه، كما أنه كان من وضع العسكر الذين يعارضون إقامة دولة مدنية ديمقراطية في الجزائر. وهذا ما يفيد أن « تبون » لا يقرر في أي شيء، إذ كل ما يقوله ويفعله هو مملى عليه من قبل الجنرالات، ما يفيد أنه لم يقم بالتعديل الحكومي الأخير، لأن الجنرالات لا يعترفون به شريكا لهم في القرار السياسي، وإذا تمسك بذلك، فإنهم سيبعدونه أو يعتقلونه… إنه مجرد عبد في كنف أسياده الجنرالات، حيث إن حياته بيدهم. ولا أرمي بهذا الكلام إلى تبرئة هذا الرجل، بل إنه يبقى مسؤولا عما يقوله ويفعله، إذ لا يمكن إعفاؤه من هذه المسؤولية، لأنه سعى إليها، كما أنه واع بأنه يسيء إلى الوطن والشعب نتيجة رغبته الجامحة في البقاء في السلطة والاستفادة من غنائمها. زد على ذلك أن حكومته لا حصيلة لها. ويؤكد ملاحظون جزائريون أنه ليس مستبعدا أن تعرف الجزائر تعديلا آخر. لذلك فإن الجزائريين لا يغريهم أي تغيير حكومي شكلي لا ينعكس إيجابيا على حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لأنهم صاروا يعون أن كل التعديلات الحكومية التي عرفتها الجزائر عبر تاريخها ليست سوى تغيير للوجوه بدون أي نتيجة فعلية. كما أنهم يدركون أن غياب التعددية والمأسسة هو ما أفرغ الدولة والمجتمع والفعل السياسي من أي معنى، الأمر الذي خلق فراغا سياسيا مهولا، ومكن الجنرالات من فرض الرؤساء والحكومات والمسؤولين الكبار على الشعب الجزائري. لذلك، فمن العار أن يتحدث تبون عن تعديل وزاري، لأن ذلك لم يتم وفق المبادئ والمعايير المعتمدة كونيا في البلاد الديمقراطية.

وبما أن الدستور لا يرضي الشعب الجزائري، فإنه يبقى فاقدا للشرعية السياسية والأخلاقية، ما لا يمكن أن تنجم عنه إلا حكومة ضعيفة تتضمن في عضويتها وزراء من العهد البائد لـ « بوتفليقة »، ويعني أن الجنرالات قد جعلوا « تبون » يتسبب في احتقان الشارع الجزائري. لذلك نجد أن هذا الشارع يطالب بتغيير النظام السياسي، الأمر الذي لا يريد الجنرالات الاستجابة له لحد الآن.

لذلك، فالرأي العام الجزائري والدولي يدركان أن الجنرالات هم أصل أزمة الجزائر. وعوض أن يعترفوا بذلك، فإنهم يسعون إلى تحميل المسؤولية للمغرب وإسرائيل في انفجار الحراك الشعبي في وجههم. وجدير بالذكر أنه ليس لهذا الافتراء أي صدى وطنيا ولا دوليا، لأنه ينهض على الكذب ولا يقوم على منطق سليم. فهل المغرب هو الذي نهب جبال مليارات الدولارات لعقود من عائدات البترول والغاز الجزائريين؟ أليس الجنرالات هم الذين نهبوا أموال الجزائريين وهربوها إلى الملاذات الضريبية؟ هل المغرب مسؤول عن الفساد المستفحل في الجزائر؟ هل المغرب هو الذي دمر القطاع الفلاحي بالجزائر، ولم يمنحه أولية في السياسة الاقتصادية الجزائرية؟ أليس بومدين ومن جاؤوا بعده هم المسؤولون فعلا عن تدمير القطاع الفلاحي الجزائري؟ هل المغرب مسؤول عن ارتفاع الأسعار في الجزائر؟ أليس الجنرالات الذين يحتكرون استيراد المواد الأساسية هم المسؤولون عن غلاء المعيشة في الجزائر؟ هل المغرب مسؤول عن البطالة في الجزائر؟ هل المغرب هو المسؤول عن ضعف كل من المنظومة الصحية والتعليمية الجزائريتين؟ هل المغرب هو الذي فرض الدستور الحالي على الشعب الجزائري؟ هل المغرب هو المسؤول عن ضرب الحريات في الجزائر؟ هل المغرب هو الذي ضرب التعددية في الجزائر؟ هل المغرب هو الذي عرقل تطور المجتمع الجزائري للحيلولة دون إفرازه لتنظيمات مجتمعية قوية؟ هل المغرب هو الذي أدخل مناضلي الحراك إلى السجن؟ هل المغرب هو الذي يرفض الاعتراف لمختلف مكونات المجتمع الجزائري بحقوقها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية؟ هل المغرب هو المسؤول عن العنصرية التي تمارسها الجنرالات ضد سكان منطقة القبايل والجنوب الجزائري؟ …

إن الجواب عن هذه الأسئلة يؤكد أن النظام العسكري الجزائري هو المسؤول عن الأوضاع المأساوية للجزائريين، وأن المغرب براء من افتراءات الجنرالات عليه؛ فسياسة هؤلاء هي التي خلقت الحراك، وهم مسؤولون وحدهم عن احتقان الشارع الجزائري. لذلك، فعليهم الاعتذار للشعب الجرائر وإعلان انسحابهم من السلطة، لأنهم أفسدوا كل شيء. وما يجهله الجنرالات أو يتجاهلونه هو أنهم يدفعون الجزائر إلى فوضى لا يدركون عواقبها الوخيمة على الوطن والشعب، وعليهم هم أنفسهم، لأنهم هم الذين أوصلوا الشعب إلى التمرد عليهم.

تبعا لذلك، فإن الشعب الجزائري متمسك بتغيير النظام العسكري الاستبدادي وإقامة دولة مدنية ديمقراطية. وإذا تمسك الجنرالات ودماهم بمقاعدهم، فمن الوارد جدا أن يلجؤوا إلى اختيار العنف، وإذا سقطوا في مستنقع العنف، فإنهم سيكونون خاسرين، لأن الجزائريين قرروا الصمود من أجل الحصول على الاستقلال من استعمار الجنرالات، لأنهم يعتقدون أن الشعب الجزائري لم يحصل على استقلاله إلى الآن، وأن فرنسا قد خرجت من الجزائر وسلمت مفاتيحها لضباطها الجزائريين الذين تحولوا إلى عملاء. أضف إلى ذلك أن الصراع بين الجنرالات قد أضعفهم، ففقدوا توازنهم، وقد يفتكون ببعضهم البعض، نظرا لانعدام الثقة بينهم.

وما لا يعلمه « الجنرالات العجزة » هو أن الشعب الجزائري واع بكل المؤامرات التي تدبرها الأنظمة الاستبدادية في مواجهة التمرد ضدها، حيث تسعى إلى تلغيمهم وزرع الفرقة بينهم. كما أن هؤلاء الشيوخ لا يدركون أن العالم قد تغير، وصار يعارض العنف والحروب الأهلية، وما ينتج عنهما من مآس. لذلك، فإن إراقة قطرة دم جزائرية بسب عنفهم، ستتحول إلى وقود قد يحرق نظامهم الاستبدادي…

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *