اشرف اولاد الفقيه يكتب: تدبير أزمة التعمير ورهانات التنمية (1)

اشرف اولاد الفقيه يكتب: تدبير أزمة التعمير ورهانات التنمية (1)
ان مسألة التعمير والتمدن ظاهرة اجتماعية حديثة، احتلت الصدارة على المستوى العالمي مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، وقد عرفت المجتمعات الحديثة بروزا ملحوظا لقضايا السكنى والتعمير، التي أصبحت من أهم المشاكل التي تعرقل عملية إدماج الفئات الاجتماعية في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى الرغم من المجهودات والمحاولات التي بدلتها مختلف الدول لحل مثل هذه المشاكل، فإنها ظلت تلقى صعوبات متعددة لتطويق هذه الظاهرة التي غدت مثار اهتمام رجال السياسة والقانون والاقتصاد والاجتماع وغيرهم.

كما أن التعمير الحديث هو قبل كل شيء، تخطيط لتنمية المدن وتنظيم الحياة فيها، يقوم على توفير التجهيزات الضرورية بالموازاة مع التحكم في استعمال الأرض، باعتبارها الركيزة الأساسية لكل تعمير.

فهو تخطيط يقوم على إعداد مخططات وتصاميم وبرامج مترابطة وعقلانية، وهي التي نسميها وثائق التعمير، وغايته تنظيم المدن وتنميتها من خلال توفير التجهيزات الفوقية والتحتية الضرورية لحياة طبيعية، مستقرة، ومنسجمة. ووسائله التجهيز والتحكم في الأرض من خلال عملية مادية منظمة: تجزئة، تقسيم، وبناء، تخضع لمجموعة إجراءات المراقبة القبلية والبعدية.

ولذلك يكمن تلخيص التعمير الحديث في بعض الكلمات، أنه تخطيط يتم وفق إجراءات تشريعية وتنظيمية وتقنية، غرضه تنظيم التجمعات العمرانية وتحقيق تنميتها.

في هذا الإطار حدد المهتمون في ميدان التعمير مجموعة من الأهداف التعميرية، التي ينبغي استحضارها عند عملية بناء أو إعادة بناء المدن، باعتبارها المجال المستهدف للتعمير.
وهي تتعلق بالمحافظة على البيئة وجمالية المدينة، وتزويدها بالتجهيزات الأساسية والمرافق الضرورية،وتحقيق هذه الأهداف يتم وفق إجراءات وأسس قانونية وتنظيمية. وفي حالة غياب التخطيط تحل محله التلقائية والعشوائية في توسع العمران ونتائج ذلك تكون بالتأكيد، منافية لما يطمح إليه التخطيط خاصة، وقانون التعمير عامة.

غير أن وجود التخطيط وحده غير كاف لإبعاد شبح العشوائية والتلقائية إذ لابد من تنفيذ ما تم التخطيط له، فضلا عن ضرورة أن يكون التخطيط جيدا، أو على الأقل بالشكل الذي ترسمه قوانين التعمير، لأن هذا الأخير يندرج ضمن لكل عملية الآليات الإستراتجية تنموية.

كما تعتبر المدينة مجالا للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها المجتمع، وإطارا جغرافيا لتجسيد علاقة الدولة بمحيطها، ومختبرا لفلسفتها في تدبير إقليمها الترابي.

في هذا السياق يكتسي قطاع التعمير أهمية قصوى في مسلسل التنمية المحلية، بالنظر إلى الدور الذي يلعبه في تأهيل المجالات الترابية والرفع من قدرتها على استقطاب الاستثماري وخلق الثروة وتحسين إطار عيش المواطنين.
فبواسطة أدوات التعمير، يمكن للإدارة المحلية أن تضع تخطيط ملائما وتدبيرا سليما لقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية، غير أن تحقيق هذا المبتغى غالبا ما تعترضه الكثير من الإكراهات التي تحد من فعالية سياسة التعمير وتعيق نهوضها بدورها التنموي في الاستجابة للحاجيات الملحة، ورفع التحديات المتزايدة.

تدبير أزمة التعمير ورهانات التنمية

هناك قناعة اليوم تكمن في كون المجال المحلي أضحى الإطار الأنجع لطرح القضايا الأساسية للتنمية، كما أنه أصبح يعتبر المجال المتميز للتعبير عن الإشكاليات والسمات البارزة للسياسات الاقتصادية في علاقتها مع خصوصية الجهات المكونة للاقتصاد الوطني.

لذلك نلاحظ أن المجال اليوم، قفز إلى دائرة الاهتمام باعتباره الإطار الأمثل لتدبير مختلف جوانب السياسة العمومية، هذا الاهتمام المتزايد يتمحور أساسا حول نقطتين أساسيتين:
– اللامركزية على مستوى اتخاذ القرار،
– ثم سن استراتيجيات ملائمة لتدبير المجال المغربي من أجل استقطاب الاستثمارات ضمن المجالات المحلية المعنية.

إن مثل هذا التصور يركز على توجيه الأنشطة التنموية، وهو يتوقف على وجود منهجية ولوحة فحص دقيقة للمدن المغربية، هذه المنهجية وهذا الفحص اللذان من شأنهما أن يعيدا الاعتبار للمجال المحلي، ويمكننا من تطوير فعالية وتدبيره.

فإذا كان المد الحضري في الفترات الأخيرة عرف تصاعدا ملفتا للنظر إلى درجة أن العديد من الباحثين يتحدثون بكل ثبات عن « ثورة حضرية »، ذات انعكاسات حتمية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للمجتمعات الحديثة، ومن جملتها المغرب، بحيث أن كل الأرقام والإحصاءات المستقبلية تؤكد هذا المعطى.

وهو الأمر الذي ترافق على الصعيد النظري مع اقتحام الشأن الحضري لعالم الأفكار، بحيث أصبح من المواضيع ذات الأولوية في النقاش العلمي، مما سمح بنشأة مدارس حديثة ترتكز على منظمان نظرية متباينة حول ظاهرة التحضر عموما، وهذا التجديد الفكري يعود بالأساس إلى الدور الريادي للمدن، – لاسيما منها الحواضر الكبرى – في تطور تمظهرات التراب الوطني، وفي تكريس قطبية النمو الاقتصادي، مما يعني أن قدرة الدول التنافسية مستقبلا تتوقف على مدى إشباع تمركزاتها الحضرية
« Concentrations urbaines »، وعلى قدرتها على تجاوز ومعالجة إشكالات النمو غير المعقلن لمدنها والذي يفرز أزمات على كافة المستويات، وبالتالي فإن المدن الكبرى وفق هذا التصور، أضحى المجال الخصب لتجريب مختلف التجديدات المؤسساتية والإدارية التي من شأنها الإسهام في عقلنة تدبير الشؤون العامة.
يتبع…

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *