الأزمة الصحية الناجمة عن كوفيد-19 تذكر بأهمية تصميم مدن شاملة ومستدامة ومرنة

أكد الخبير في مجال التعمير بجامعة مونتريال، مصطفى خير الدين، أن الأزمة الصحية الناجمة عن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، “جاءت لتذكر، مرة أخرى، بأهمية تصميم مدن شاملة ومستدامة ومرنة”.

وأوضح خير الدين، في مقال نشره مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد ضمن زاوية “رأي” بعنوان “المدن، في الصفوف الأمامية للأزمة الصحية الناجمة عن كوفيد-19″، أن “المدن، سواء كانت كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، هي فضاءات للتجمع البشري معرضة لخطر الأوبئة”.

وأضاف أن المدن تشكل كذلك مصادر للذكاء الحضري، مشيرا في هذا الصدد إلى نظام التطهير العصري، كما تم تطويره من طرف المهندس البريطاني جوزيف بازالجيت، “الذي ربما لم يكن ليرى النور لو لا جائحة الكوليرا التي ضربت لندن سنة 1853”.

وقال إنه “في عالم تسوده العولمة، وضع فيروس كورونا المستجد أنظمة الدول الصحية والتربوية والإنتاجية والتموينية على المحك، سواء في الشمال أو الجنوب”، مبرزا أنه “مع أكثر من ثلاثة ملايير شخص تحت الحجر الصحي ومئات الآلاف من الموتى جراء الفيروس، توجد المدن في الصفوف الأمامية لمواجهة هذه الأزمة الصحية”.

وكتب خير الدين، وهو كذلك باحث في علوم المدينة، أنه إذا كانت التأثيرات على المدن متعددة (هشاشة اجتماعية وصحية، انهيار اقتصادي ونقص في جودة الحياة)، فردود فعل الدول والمدن أمام هذه الأزمة كانت متعددة الأبعاد في انتظار مخطط للانتعاش بعد الخروج من الأزمة الصحية.

وأشار إلى أن تأثير فيروس كورونا على المدن هو تأثير صحي واقتصادي واجتماعي ومالي، مسجلا أن النظام الصحي عرف ضغطا كبيرا لدرجة تعريض قدراته للخطر. ولمواجهة هذا الأمر، يصيف الخبير، لجأت الدول إلى بدائل أخرى لرفع هذا التحدي الكبير.

واعتبر كاتب المقال أنه “بسبب عدم اليقين والتعقيدات التي أحدثتها، زعزعت هذه الجائحة أقوى ممثلي ومسيري المدن”، مضيفا أن استجابات الحكومات لمواجهة هذه الأزمة كانت صحية واقتصادية واجتماعية.

وأوضح في هذه الصدد أن تعزيز العرض الصحي ودعم الاقتصاد وتقديم مساعدات مباشرة للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم وللفئات التي توجد وضعية هشة، تشكل القرارات الرئيسية التي اتخذتها الحكومات من أجل تقليص الآثار المدمرة لهذه الأزمة متعددة الجوانب.

من جهة أخرى، أشار الخبير إلى أن المدن في مختلف أنحاء العالم توجد في الصفوف الأمامية للتخفيف من آثار هذه الأزمة الصحية، سواء من حيث استمرارية الخدمات الحضرية، ودعم النظام الصحي، وتحسيس الساكنة بأهمية احترام التدابير الوقائية (النظافة والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي) وتقديم المساعدات للفئات المعوزة.

ودعا السيد خير الدين المدن إلى “بلورة مخطط للانتعاش بصفة عاجلة بتنسيق مع الفاعلين المحليين”، موضحا أن هذا المخطط يجب عليه أن يضع تدابير متكاملة وإعطاء الأولية للاستثمارات الإنتاجية والموفرة لفرص الشغل.

وتابع بالقول “من الواضح أنه ينبغي التركيز على الاقتصاد المحلي، لضخ دينامية في المقاولات الصغرى، بموازاة مع مبادرات الدولة”، مسجلا أن “الاستئناف يتطلب كذلك إعطاء الأولية للجماعات والأحياء ذات كثافة سكانية عالية وهشة”.

واعتبر الباحث أنه بالنظر إلى تأثير كوفيد-19 على الإيرادات والرسوم الضريبية للمدن، فإن دعم القطاع الخاص سيكون حاسما، مضيفا أنه “عند الخروج من هذه الجائحة، يجب إعادة وضع العديد من الأوراش السياسية والسوسيو اقتصادية والقانونية على أجندة صناع القرار السياسي، سواء على مستوى الحكومات أو المدن”.

وأكد السيد خير الدين على أن هذه الأزمة الصحية قد تكون عاملا مؤسسا لمراجعات عميقة في بلورة وتنفيذ السياسات العمومية وأنماط حكامة المدن، معتبرا أن “هذه السياسات العمومية في المجال الحضري، المدروسة والمُنفذة بشكل جيد، والمقرونة بحلول تكنولوجية وريادة سياسية، تشكل ممتص الصدمات الأول للآثار البشرية والاجتماعية والاقتصادية للأزمات، سواء كانت هذه الأخيرة سوسيو اقتصادية أو طبيعية أو صحية”.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *