“الأزمة المغربية الإسبانية ما بين التواطؤ والخيانة العظمى”

البشير الحداد الكبير (باحث بسلك الدكتوراة بكلية الحقوق بطنجة)

سنبدأ هذا المقال بمقتطف من الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة انعقاد القمة المغربية الخليجية سنة 2016:”…إن الوضع خطير خاصة في ظل الخلط الفاضح في المواقف وإزدواجية الخطاب في التعبير عن الصداقة والتحالف ومحاولات الطعن من الخلف فماذا يريدون منا؟… وهذا ليس بالجديد فخصوم المغرب يستعملون كل الوسائل، المباشرة وغير المباشرة في مناوراتهم المكشوفة. فهم يحاولون حسب الظروف، إما نزع الشرعية عن تواجد المغرب في صحرائه، أو تعزيز خيار الإستقلال وأطروحة الإنفصال، أو إضعاف مبادرة الحكم الذاتي،التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها… فقد بلغ الأمر إلى شن حرب بالوكالة… “،إن المغرب ملتزم بديباجة دستور 2011 (1) التي تؤكد على تعزيز روابط التعاون والتقارب والشراكة مع بلدان الجوار الأورو متوسطي، وسياسته الخارجية مبنية على المصداقية والوفاء بالإلتزامات، إلا أنه اتضح أن إسبانيا هي الطرف الراعي والمستفيد من استمرار النزاع المفتعل في الصحراء المغربية وهذا الأمر لم يقبله المغرب بتاتا، فهو كان يدرك جيدا أن إسبانيا دولة الإحتلال رغم سحب جيشها لكنها تركت جواسيسها وكان يدرك جيدا أن زعيم عصابة البوليساريو هو عميل إسباني ولن يتم محاكمته أمام القضاء الإسباني وهذا ما نستشفه من بلاغ وزارة الخارجية المغربية الذي أكد بأن الأزمة غير مرتبطة بإعتقال شخص أو عدم إعتقاله، لم تبدأ الأزمة مع تهريب المتهم إلى الأراضي الإسبانية ولن تنتهي برحيله عنها، إنه اختبار لمصداقية الشراكة، فالمغرب من خلال هذا البلاغ يريد أن يوضح للعالم بأسره بأن إسبانيا التي تتغنى بحقوق الإنسان وبأنها دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات ودولة القضاء النزيه ليس بصحيح،فهي تدعم الإنفصال رغم أن المغرب لم يعاملها بالمثل في قضية كتالونيا وإقليم الباسك، فالمغرب ملتزم بتعهداته الدولية ويتحلى بالمصداقية والنزاهة وليست لديه إزدواجية المواقف.

إن كل هذه الأفعال التي قامت بها إسبانيا كانت نتيجة سخطها عن الإنتصارات التي حققها المغرب في الديبلوماسية وفي ملف الصحراء المغربية فقد نزع اعتراف أقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء وأنه أكثر من 20 دولة افتتحت قنصليتها في الصحراء المغربية دون أن ننسى جانب الإستثمارات المهمة،وبالتالي بدأت تحس إسبانيا بالقلق بأن الملف التي ساهمت في تعقيده منذ سنوات أنها ستضيعه،فخطاب جلالة الملك حفظه الله بمناسبة المسيرة الخضراء السنة الماضية كان فيه تأكيد على انتصارات الديبلوماسية المغربية وأن أغلبية الدول المنتمية للأمم المتحدة تدعم مبادرة الحكم الذاتي وهذا شيء طبيعي لأن مبادرة الحكم الذاتي مبنية على المصداقية وتشكل فرصة تاريخية وذهبية، لكن إسبانيا ليس من مصلحتها حل هذا النزاع المفتعل، وهذا ما يؤكد أنها لا تريد رؤية دول المغرب العربي متحدة وقوية، فهذا النزاع بالنسبة لها ورقة مربحة يساهم في خلق التوتر.

إن إسبانيا لم تستوعب بعد أن المغرب أصبح قوة إقليمية،فمغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، فالمغرب الذي قطع علاقته مع دولة فرنسا لمدة سنة وقرر قطع علاقته مع ألمانيا قادر على قطع جميع العلاقات مع أي دولة تحاول المس بوحدته الترابية، فالوحدة الترابية خط أحمر، إن إسبانيا لم تستوعب بعد أن المغرب دولة ذات سيادة كاملة وهذا ما أكده جلالة الملك أعزه الله في الخطاب الموجه للقمة المغربية الخليجية سنة 2016:”…فالمغرب حر في قراراته وخياراته وليس محمية تابعة لأي بلد وسيظل وفيا ملتزما تجاه شركاءه…”.

إن الأطروحة الإنفصالية التي يروجها عميل إسبانيا إبراهيم غالي زعيم عصابة البوليساريو لا أساس لها من الصحة، فالقرارات الدولية جد واضحة، وإن كان تمسكهم بقرار 1514 القاضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها الصادر سنة 1960 لكنهم لم يقرأوا هذا القرار كاملا ولاسيما في مادته السادسة ولم يقرأوا جيدا القرار الأممي أيضا 2625 الصادر سنة 1970 عن الجمعية العامة بالأمم المتحدة، إن المغرب من بين أوراق الضغط التي من المحتمل إستعمالها والتي ستسبب أضرارا لإسبانيا،نجد ما يلي:

+”ورقة ضغط إقتصادية” :إن المغرب شريك إقتصادي مهم لإسبانيا وإذا قرر قطع هاته الشراكة ستتضرر إسبانيا مباشرة، فماذا لو قرر المغرب وقف إتفاقية الصيد البحري مع الإتحاد الأوروبي والتي تستفيد منها إسبانيا أكثر، فالعديد من العاملين في الصيد البحري الإسباني سيصبحون بلا عمل وبالتالي ستزداد نسبة البطالة في إسبانيا، ماذا لو قرر المغرب التوقف عن شراء زيوت الوقود ومحركات السيارات وبعض أجزاء السيارات من إسبانيا؟ ماذا لو قرر المغرب منع الشركات الإسبانية من الإستثمار في المغرب؟.

إن عملية “مرحبا” هذه السنة لن تشمل الموانئ الإسبانية بل ستقتصر فقط على الموانئ الإيطالية والفرنسية وبالتالي ستسبب لها خسارة مالية كبيرة، وهذه رسالة قوية من المغرب لها، دون أن ننسى إتفاقية الغاز بين إسبانيا والجزائر وأن أنبوب الغاز يمر من المغرب فماذا لو قرر المغرب وقف هذا الإتفاق؟.

+”ورقة ضغط أمنية” :لعل الجميع شاهد آلاف من البشر هاجروا لسبتة وهذه كانت إشارة واضحة من المغرب بأنه بدونه إسبانيا لا تساوي شيئ وأن المغرب ليس حارسا دركيا لأحد،كما أن إسبانيا تدرك جيدا أنها ستخسر حليفا أمنيا ممتازا فتوشيح السيد عبد اللطيف الحموشي من طرف إسبانيا لم يكن عشوائيا وإنما اعترافا بالدور الذي تقوم به المخابرات المغربية في تفكيك الخلايا الإرهابية والشبكات الإجرامية سواء التي تنشط في المخدرات أو غيرها وأنها أنقذت إسبانيا في العديد من المرات من حمامات من الدماء، إن إسبانيا تعي جيدا أن مصالحها مرتبطة بالمغرب وأن المغرب حليف إستراتيجي لا يمكن الإستغناء عنه، لكن المغرب لا يريد إزدواجية المواقف بل يريد الوضوح والمصداقية، فوجود زعيم عصابة البوليساريو مجرم حرب بالتراب الإسباني هو طعن للمغرب من الخلف بل أكثر من ذلك تستر إسبانيا عن هذا الأمر، إلا أن المخابرات المغربية الخارجية “لادجيد” لا يخفى عليها شيء فهي عين المملكة التي لا تنام والعالم يشهد بكفاءتها بقيادة السيد محمد ياسين المنصوري.

إن الأزمة المغربية الإسبانية تظهر بالملموس مدى عبقرية المؤسسة الملكية في تدبير الأزمات،وفي المستقبل ستظهر لنا جليا هذه العبقرية والحكمة من خلال استرجاع سبتة ومليلية المغربيتان.

رغم أن المغرب أراد أن يطبق حسن الجوار مع الجزائر من خلال الخطاب الملكي بتاريخ 6 نونبر 2018 الذي دعا فيه جلالته نصره الله إلى إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار وفي خطاب العرش 2019 هنأ جلالته المنتخب الجزائري،
لكن يوما بعد يوم يتأكد لنا أن الجزائر اختارت سياسة العداء للمغرب، فتهريب زعيم عصابة بوليساريو إلى الجزائر وتصريحات الرئيس الجزائري العدائية للمغرب وبأنه لن تفتح الحدود كلها تؤكد ذلك، لكن ما تتميز بها السياسة الخارجية المغربية بأنها لا ترد على مثل هذه الإستفزازات فالمغرب كبير على الجزائر فلن يرد على هذه التصريحات مثلما لم يرد على قناة شروق الجزائرية، المغرب أصبح قوة إقليمية،أما الجزائر إزدادت تخلفا أكثر من الماضي ونظامها العسكري الغير الشرعي يختار هذه السياسة العدائية لتصريف الأزمات الداخلية ومحاولة إلهاء الشعب الجزائري الشقيق، فالمغرب يختار سياسة عدم الرد تطبيقا لهذه المقولة:”جواب السفيه السكوت”.
الهوامش :

1- ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011 بتاريخ 29 يوليوز 2011 ،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *