محمد بوبكري
يكاد يجمع المهتمون بالشأن الجزائري على أن جنرالات الجزائر يستمرون في افتعال مشكلة الصحراء تلبية لرغباتهم في التوسع على حساب المغرب عبر إضعافه بفصل صحرائه عنه ليكون لهم منفذ على المحيط الأطلسي وليتمكنوا من تطويقه جنوبا برا وبحرا، حتى يفصلوه عن إفريقيا، ويتمكنوا من فعل ما شاؤوا في موريطانيا ودول الساحل التي يطمعون في الاستيلاء على خيراتها…
وما يزال هؤلاء الجنرالات لا يدخرون أي جهد من أجل تحقيق أوهامهم التوسعية هذه، وخصوصا بعد انخفاض عائدات البترول والغاز لبلادهم، التي نهبوها طيلة 45 سنة، وحولوها إلى أرصدة بنكية في الخارج، أو إلى استثمارات في الخارج بعيدا عن أعين الشعب الجزائري التي عرضوه للتجويع والتفقير والتجهيل، باسم الدفاع عما يسمى بـدعم قضية « البوليساريو » الذي اتخذوها ذريعة لنهب خيرات الجزائر.
ونتيجة تعقيد المشاكل المالية والاقتصادية والاجتماعية للشعب الجزائري، يحاول اليوم جنرالات الجزائر إلهاء الشعب بأنهم يساندون « البوليساريو » لتعليل صرف أموال الشعب الجزائري التي سرقوها منه.
وبعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بشرعية سيادة المغرب على صحرائه، اشتد سعار الجنرالات الذين يحكمون الجزائر، لأنهم كانوا لا يرغبون في أي حل لهذا المشكل، حتى يستمروا في نهب خيرات الشعب الجزائري وتفقيره. وكلما زادت الأوضاع الاجتماعية استفحالا في الجزائر، لجأ جنرالات الجزائر إلى خلق شروط لزعزعة الاستقرار حتى يقوموا بقمع كل الاحتجاجات الشعبية ضد نظامهم الدكتاتوري، وإسكات المحتجين بحجة أن هناك تهديدا للجزائر. وقد حدث هذا مرارا، وخصوصا في نهاية الثمانينيات عندما كتبوا خطابا للرئيس الشاذلي بنجديد ينتقد فيه حكومته، وقد ألزموه بقراءته ضد إرادته، فنتجت عن ذلك تظاهرات حاشدة في مختلف المدن الجزائرية، بل إنهم قاموا باختراق المجتمع المدني والتنظيمات الإسلاموية واستعملوها لخلق الفتن زعزعة الاستقرار، وفي كل مرة كانوا يتدخلون بعنف بهدف الاستيلاء على السلطة، والاستحواذ على خيرات البلاد. وقد كان كل ذلك من تدبير الجنرال نزار والجنرال التوفيق وزمرتهما القديمة التي ما يزال جزء منها يقبع داخل السجون. ويحاول هؤلاء الجنرالات القدامى اليوم العودة إلى السلطة وتصفية الحساب مع تركة القائد صالح وأبنائه وأصهاره. ولا يحركهم في ذلك أي وازع وطني أو أخلاقي، بل إن هدفهم هو استعادة السلطة والاستيلاء على أموال الجزائر…
إضافة إلى ذلك، عندما نقارن نهاية مرحلة حكم بوتفليقة مع الوضعية الحالية لـ » عبد المجيد تبون »، نجد أن هناك تشابها بين الوضعيتين، حيث كلما سأل الشعب الجزائري: « أين الرئيس بوتفليقة؟ »، أظهروه على كرسي متحرك، مع أنه كان باستمرار في غيبوبة لا يتحرك ولا يتكلم. كما أن الجنرالات كانوا يتخذون قرارت باسمه لكي يوهموا الناس بأنه يمارس مهامه، حيث كانوا يقيلون الجنرالات المغضوب عليهم من قبلهم من مهامهم السامية وقتئذ، ويعينون مكانهم جنرالات آخرين مقربين منهم. وهذا ما يمارسه اليوم الجنرالات المتحكمون في الجزائر، حيث يقيلون من مهامهم، باسم » الرئيس عبد المجيد تبون »، من شاؤوا من خصومهم، وقد يعينون مسؤولين جددا. ومن المحتمل جدا أن يعتقلوا خصومهم، إن لم يغتالوهم. لهذ فإن عبد المجيد تبون الذي عينه الجنرال قايد صالح « رئيسا » قد يتم إبعاده قريبا عن الرئاسة تحت أي ذريعة… إنهم يفعلون ذلك تجنبا لحدوث انتفاضات شعبية كما حدث في الأيام الأخيرة من حكم بوتفليقة. وتؤكد جهات داخلية جزائرية أن الجنرالات المتحكمين قد قاموا بإرغام تبون على توقيع إقالات قد يستعملونها لاحقا. كما أنهم سجلوا معه خطابات فرضوها عليه قراءتها، قد يحتاجون إليها مستقبلا. هكذا، فإن جنرالات الجزائر لا يتوقفون عن الفتك ببعضهم البعض، حيث يتقاتلون فيما بينهم من أجل السلطة والمال. لذا، أدعو للشعب الجزائري الشقيق بالسلامة والاستقرار والنماء…
لقد طالب المغرب دائما بإشراك الجزائر في المفاوضات، لأنه كان يعي أن جنرالات الجزائر هم الذين خلقوا « البوليساريو »، وما يزالون يمولونه ويسلحونه، ويؤطررونه وفق مصالحهم… وكان رد فعل حكام الجزائر: « نحن » لسنا طرفا في هذا النزاع، نحن فقط نساند « البوليساريو »، وذلك لدرء التهمة عنهم. ولما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بشرعية سيادة المغرب على صحرائه، اشتد الخناق على جنرالات الجزائر وغيروا موقفهم السابق، حيث أصبحوا يجهرون بكونهم طرفا في هذا النزاع، لكون الصحراء المغربية تشكل، في اعتقادهم، امتدادا لأمنهم الداخلي. لذلك صاروا يرغبون في أن يكونوا طرفا في الحوار لأنهم يتوهمون أن الصحراء غنية بالخيرات التي قد توجد في باطنها. هكذا، فهم قد انقلبوا على موقفهم السابق طمعا في أن يجنوا من وراء ذلك أي شيء مهما كان قليلا، لكنهم ما يزالون غارقين في أوهامهم التوسعية. إنهم لا يفهمون أن المغرب لا يمكن أن يستجيب لموقفهم الجديد، بل إنه قد يطالب غدا باسترجاع صحرائه الشرقية التي ورثها جنرالات الجزائر عن الاستعمار الفرنسي الذي اقتطعها من المغرب. كما أن هؤلاء الجنرالات ما يزالون يحتلون جزءا من كل من الصحراء الغربية التونسية والليبية، وذلك طمعا في الخيرات التي قد توجد في باطنهما. وبذلك، فإن جنرالات الجزائر يحلمون بأن يصيروا قوة إقليمية كبيرة تحتل مناطق عديدة من أفريقيا وشمالها.
وإذا كان جنرالات الجزائر قد انقلبوا على ذواتهم، وصاروا يعتبرون أنفسهم طرفا في الصراع على الصحراء المغربية، التي أصبح العالم يعترف بشرعية سيادة المغرب عليها، فذلك يدل على أنهم لم يستفيقوا بعد من سكرة صدمة هزيمتهم أمام حكمة المغرب وبعد نظره وطول نفسه وتضحياته الجسام وعمله الدؤوب من أجل استرجاع صحرائه… ومن الواضح أن إقالتهم لمدير الاستخبارات الخارجية الجزائرية تشكل اعترافا واضحا بهزيمتهم.
ويبدو لبعض المتتبعين للشأن الجزائري من داخل الجزائر وخارجها أن جنرالات الجزائر قد انقلبوا على موقفهم السابق، لأنهم كالغريق الذي جرفته أمواج عاتية، ويحاول أن يتمسك بأي قشة يصادفها توهما منه أنها قد تشكل طوق نجاة له، لكن غرقه حتمي… لذلك، على حكام الجزائر أن يعوا أن الأمر قد قضي، وأن الصحراءكانت دائما مغربية، وستبقى، إن شاء الله، مغربية إلى الأبد. وهذا ما يقتضي منهم التخلي عن أوهامهم التوسعية ومبادلة المغرب حبا بحب، وفتح الحدود ليتعانق الشعبان الشقيقان المغربي والجزائري وتتعمق أخوتهما. كما يلزمهم التكفير عن سيئاتهم تجاه الشعب الجزائري الذي نهبوا أمواله، وهو اليوم على حافة المجاعة والفقر المدقع، الأمر الذي لا يبشرهم بالخير، حيث إنهم في الطريق إلى الانهيار التام….