الأمين مشبال: ليس دفاعا عن رفيقي .. ولكن لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون؟

من اكثر الأمور تداولا في الجدالات السياسية والسجالات الفكرية لجوء البعض إلى ما يصطلح عليه في الحجاج بحجة آدهو مينيم، والتي تروم دحض أطروحات أو مواقف الخصم عبر الطعن في أخلاقه او علمه أو في التناقض الموجود ما بين اقواله وأفعاله.

وهي حجة يلجأ إليها البعض للتهرب، عن عجز أو تعالي، من مناقشة أفكار الطرف الآخر. ففي العصور الوسطى (1633م) مثل الكاثوليكي المتدين « غاليليو » أمام محاكم التفتيش لأن الكنيسة اعتبرت نشره ودفاعه عن عن نظرية كوبرنيكوس حول كروية الارض ودورانها حول الشمس زندقة.

وتذكر لنا كتب التاريخ أن من ضمن العلماء الذين نفتخر اليوم بانتسابهم للحضارة العربية الاسلامية يوجد الكندي والرازي وابن سينا وابن رشد، وهم علماء مسلمون اضطهدوا وضربوا أو أحرقت كتبهم بتحريض من فقهاء مسلمون متشددون اعتبروهم زنادقة، أما في العصر الحديث فلا زالت ذكرى محاكمات موسكو (1929) التي تم خلالها الحكم بالاعدام على عشرات قادة الحزب الشيوعي السوفياتي المعارضين إلى هذا الحد أو ذاك ل »ستالين » ، والتصفيات الجسدية والمعنوية لخصوم « ماوتسي تونغ » التي عاشتها الصين خلال ما عرف بالثورة الثقافية الصينية.

هاته العقلية التي تتأسس على عقلية الفكر الوحيد الممتلك للحقيقة الثورية، تستهدف الشخص من اجل قتله الرمزي عانت منها الحركة التقدمية المغربية عموما والماركسية تحديدا، فخلال تجربة الاعتقال السياسي بالسجن المركزي بالقنيطرة إبان ثمانينيات من القرن الماضي، عانى العديد من أطر تلك التنظيمات من تهم التراجع والانهزام والانبطاح للنظام، وأحيانا من تهم تمس كرامتهم الشخصية، لكونهم إمتلكوا جرأة الخروج من القوالب الفكرية الجاهزة وكذا جرأة نقذ المنطلقات السياسية والايديلوجية لتجربة نضالية شبابية آلت إلى السجون والمنافي والتشتت رغم التضحيات الجسيمة لمناضليها.

للأسف الشديد ولحد يومنا هذا، لا زالت الساحة الثقافية والسياسية المغربية تشهد استمرار أسلوب استهداف الاشخاص إما من خلال تكفيرهم أو تصفيتهم جسديا، أو محاولة النيل من مكانتهم العلمية أو الاجتماعية، كما هو الشأن مع كل من عصيد أو رفيقي.

فلقد اطلعت مؤخرا على تدوينة كتبها عبد الوهاب رفيقي يدعو فيها إلى إعادة النظر في الخطاب الديني السائد الذي بقدر ما يشتكي من ويندد بالإساءة إلى الإسلام ، لكن أصحاب هذا الخطاب لايترددون في ازدراء قناعات الآخرين لما يصف » المسيحيين بالضالين واليهود بالمغضوب عليهم »، وبأنهم من « أحفادالقردة والخنازير ».

ويضيف رفيقي مشرحا تناقضات الخطاب الأصولي/الإخواني قائلا « بل حتى داخل الإسلام نفسه، حين يصف السني مخالفه الشيعي ب « الرافضي الخبيث »، ويصف الشيعي مخالفه السني ب »الناصبي الضال ». أليس ذلك قمة الإزدراء والتحقير »؟.

ما كتبه عبد الوهاب رفيقي تنطبق عليه قولة الإمام الشافعي الشهيرة: « رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب »، بمعنى أننا في عالم الاجتهاد والمعرفة حيث لا صوت يعلو على صوت العقل، وحيث تكون الحقيقة نسبية، وبالتالي لا يجوز التهرب من مواجهة الإشكالات العميقة التي يطرحها الواقع وتطور المعارف والقيم التي اكتسبتها البشرية وفي مقدمتها « حقوق الإنسان الكونية » و » الحق في الإختلاف »، بالتهجم على شخص رفيقي واتهامه بأنه « قلب الفيستة »، وبأنه « يخدم الأجندة المعلومة، وبكون رصيده المعرفي في مجال الفقه والتفسير هزيلين وبأنه وضع رجلا خارج الإسلام…إلخ.

والحقيقة أن الدعوات لتجديد الخطاب الديني ليست وليدة اليوم، فمنذ صدور كتاب « الإسلام وأصول الحكم » للشيخ علي عبد الرزاق، ومرورا بكتابات واجتهادات جمال البنا ومحمد شحرور ومحمد أركون ومحمد عابد الجابري وحسن حنفي وعبد المجيد الشرفي ونصر حامد أبو زيد، لا زالت القضية موضع جدال يخفت أحيانا، وترجعه الأحداث إلى الواجهة مع تنامي نفوذ تيار الإسلام السياسي بشقه المسلح والدموي وشقه الدعوي والعلني، وإذا كان الواقع لا يرتفع كما يقال، فلا مناص من حوار فكري عميق قد يبدأ من أسئلة سبق إليها مفكرون آخرون من قبيل لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون؟ ولماذا أصبحت صورة المسلمين نمطية مقرونة بأعمال العنف والإرهاب؟

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *