الإجهاض حرية أم جريمة؟

بقلم بلخضر عبد الباسط

الإجهاض
يُقال؛ أنه لكي تعرف توجهات الشخص الفكرية، يكفي أن تسأله عن رأيه في الإجهاض! لكون الموضوع جِدُّ حساس ولا تخلوا النقاشات حوله من تبطينات إيديولوجية، اعتبارات سياسية وصراعات دينية. وهو جِدُّ مُستقطِب؛ لأن كلا طرفي النقاش يعتقد جازمًا أنّ الطرف الآخر مخطئ بشكل كامل في تصوره عن الموضوع.

يمكن اعتبار الإجهاض من المواضيع القليلة التي تلتقي فيها الأخلاق النظرية بالأخلاق التطبيقية، بحيث يصبح للفلسفة تأثير واضح على خيارات الدول والأفراد في الواقع.
اسمحوا لي أن أعرض عليكم في هذا المقال تعريفًا للإجهاض، تاريخة و أسبابه، طرقه الطبية والمواقف القانونية في العالم والدول العربية، كما سأحاول عرض جزء من الخلاف الفلسفي والآراء الدينية.

من الواضح أن الإجهاض فعل خاطئ. لا أعتقد أن هناك من يناقش ذلك، لأنك لن تتمنى أن يحدث لشخص تحبه.. لكن هل يجب أن يكون كل شيىء خاطئ غير قانوني؟

1-التعريفات:
يعرف معجم لاروس الإجهاض على أنه الانتهاء السابق لأوانه للحمل. يُقسم عادة إلى نوعين:

التلقائي: هو موت الجنين تلقائيًا بسبب مرض أو صدمات أو بدون سبب واضح، قبل اكتسابه القدرة على العيش خارج الرحم. تضيف منظمة الصحة العالمية أن وزنه يجب أن يكون أقل من 500 غرام أو عمره أقل من 22 أسبوع من انقطاع الطمث، بعد هذه المدة نتكلم عن ولادة مبكرة.

المتعمد: و هو الإنهاء القصدي للحمل ويحدث إما:
-لأسباب طبية كخطر الحمل على صحة الحامل أو وجود تشوهات خلقية كبيرة للجنين.
-أسباب غير طبية في إطار قانوني مثل رغبة الوالدين أو تحديد النسل.
-خارج الإطار القانوني وهو ما يسمى الإجهاض السري وهو ممنوع وجريمة يعاقب عليها القانون.

اسمحوا لي، أن أنوه إلى وجود العديد من الاختلافات الفيزيولوجية والنفسية بين النوعين على صحة المجهضات.

2-تاريخ الإجهاض:
عرف الإجهاض منذ العصور الأولى لنا كبشر، واستعملت عدة وسائل لإتمامه لعل أبرزها؛ الأعشاب المجهضة، الضغط والصدمات على البطن، إدخال أدوات حادة إلى الرحم، الصوم والغوص وحتى الفصد، و المؤكد أن هذه العمليات كانت محفوفة بالمخاطر وتتسبب أحيانًا في وفاة الجنين والحامل.
أول دليل مسجل للعملية هو بردية إيبرس 1550 قبل الميلاد للحضارة المصرية القديمة، حيث حوت وصفات لإتمام الإجهاض -استخدام سدادة مشبعة بالعسل وعجينة التمر-.

بردية إيبرس
حرّم قانون حامورابي الإجهاض مع معاقبة الفاعلين، واشتهر الموضوع عند اليونان والرومان، حيث حرمه قسم أبقراط العملية، لكن أرسطو لم يرَ في الأمر مانعًا في حالة إجرائه في الثلاثي الأول للحمل. اشتهر في هذه الحقبة استخدام نبات السلفيوم الذي اكتسب قيمة اقتصادية وسحرية عظيمة، حيث خُزن مع الذهب واعتُبر دواء لكل الأمراض لدرجة رسمه على العملات، لكن استعماله الجائر تسبب في انقراضه.

عملة فضية قديمة نقش عليها رسم لنبات السلفيوم
حرّم قانون نابليون الإجهاض ومنعته أمريكا لا لاعتبارات أخلاقية لكن بسبب ضغط المنظمات الطبية لاحتكار العملية من طرف الدجالين والقيام بالإجهاض في أسوأ الظروف.
بنهاية القرن الثامن عشر ومع تطور الجراحة والتعقيم والتخدير أصبحت العمليات أكثر أمانًا، خاصة مع تقنية الشفط في الفراغ (vacuum aspiration) التي حسّنها الطبيب الأمريكي كارمان إلى طريقة أكثر كفاءة تحمل اسمه méthode de Karman، بعدها تفننت الحركات النسوية الأمريكية في نشرها. بالتالي ساهم تطور الطب في تحويل الإجهاض من عملية جد خطيرة إلى إجراء روتيني بل وأكثر أمانًا في الكثير من الحالات من الولادة الطبيعية، لدرجة إمكانية القيام به بسلاسة خارج المستشفى.

3-الإجهاض في الطب الحديث:
توجد اليوم طريقتان آمنتان وفعالتان للقيام بالعملية:

الإجهاض الدوائي: يتم عن طريق تناول حبوب مجهضة وهي:

mifépristone: كابت للبروجستيرون الضروري لتعلق ونمو الجنين وبطانة الرحم.
misoprostol: نظير البروستاغلوندين، يتسبب في تقلصات الرحم لطرح الجنين خارجه.

ثلاث طرق دوائية معتمدة:
-تنصح منظمة الصحة العالمية بتناول {200 مغ} من mifépristone عن طريق الفم متبوعًا بعد 24-48 ساعة ب {800ميكروغرام} من misoprostol فموي، تحت لساني أو مهبلي -الأفضل-. يتسبب الدواءان في حدوث أعراض مشابهة لآلام الدورة الشهرية الحادة مع نزيف مهبلي ينبئ بنجاح العملية، هذه الطريقة هي الأكفأ مع نسبة نجاح {98%}.

-في حالة غياب mifépristone -غالبًا لأسباب قانونية- يستعمل misoprostol وحده -والذي يوصف عادة لعلاج تقرحات المعدة- لكن هذه الطريقة أقل كفاءة من الأولى {88%}.

-يمكن استعمال méthotrexate متبوعًا ب mifépristone ، لكن méthotrexate يسبب تشوهات خلقية في حالة إجهاض غير تام، عمومًا إضافته تجعل العملية أكثر كفاءة من الطريقة الثانية.

الإجهاض الجراحي: أكثر كفاءة من الدوائي لكن تتم عادة تحت تخديرعام. تنص على توسيع عنق الرحم إما عن طريق موسعات يدوية أو باستعمال الأدوية، ثم شفط محتوى الرحم عن طريق أنابيب خاصة، بعد الانتهاء يتم التأكد من خروج جميع مكونات الحمل. عادة ما تتم العملية في أقل من ساعة وبدون أي مضاعفات خطيرة.

الإجهاض الجراحي
اختيار الطريقة: (متناسبة مع القانون الفرنسي)
أقل من 7 أسابيع: الحوامل مخيرات بين الطريقتين لكن الأفضلية للطبية.
من 7 إلى 9 أسابيع: التقنيتان متاحتان والقرار يعود إلى تفضيلات الحامل.
من 9 إلى 14 أسبوع: التقنية الجراحية هي الأفضل.

4- قوانين وإحصائيات الإجهاض في العالم:
أنا داعم للحق في الحياة pro-life. أكره مفهوم الإجهاض.

-دونالد ترامب

تختلف القوانين التشريعية للإجهاض بين الدول لاعتبارات سياسية ودينية بالأساس.
سنة 2017 ، 42% من نساء العالم لا يمتلكون الحق في الإجهاض و50% من العمليات تتم بسرية خارج القانون وتترافق مع مضاعفات صحية خطيرة.
غالبية دول إفريقيا، الشرق الأوسط، أمريكا الجنوبية وجنوب آسيا تجرم العملية.
من الدول التي تحرم الإجهاض بشكل مطلق السلفادور حيث تعاقب المجهضين ب 30 سنة سجن على الأقل، مالطا كذلك تمنع الإجهاض حتى في حالة الخطر على حياة الأم.
سنة 2018، 71 دولة تسمح بالإجهاض أغلبها دول غربية مقارنة ب 55 دولة سنة 2000.

الإجهاض خيار صعب ومثير للجدل، لهذا أنا مع الحق في الاختيار لأني أريد أن يقرر الناس بأنفسهم.

-هيلاري كلينتون.

قوانين الإجهاض عالميًا
الموقف القانوني في الدول العربية: تتصدر تونس الصورة بتشريعها الإجهاض منذ 1973 -قبل فرنسا! -حيث يمكن القيام به في المستشفيات والعيادات الخاصة بشرط أن لا يتعدى الحمل 3 أشهر ولا يشترط على المرأة أي تبريرات أو موافقة الأهل، بالتالي أصبحت وجهة لسياحة الإجهاض خاصة من الجزائريات والمغربيات. بالنسبة لمصر فإن القانون جد مقيد ولا يسمح بالعملية حتى في حالات الاغتصاب أو زنا المحارم ويستثني فقط الخطر على صحة الأم. تتصدر المغرب حالات الإجهاض السري ب 1400 حالة يوميًا لكن هذه الأرقام لا تعكس أي حقيقة في ظل نقص الدراسات الإحصائية.
في الجزائر يشرع الأمر في حالتين استثنائيتين فقط: وجود خطورة على صحة الأم الجسمية والنفسية وحدوث تشوهات خلقية كبيرة للجنين، وفي الثلث الأول للحمل حصرًا ويشترط موافقة 3 أطباء مختصين.

المادة 81 من قانون الصحة الجديد سنة 2017 و التي أثارت ضجة في أوساط الجزائرين:

“عندما يكون التوازن الفيزيولوجي والنفسي والعقلي للأم مهددًا بخطر بالغ، يجب على الطبيب أو الأطباء المعنيين، بالاتفاق مع الطبيب المعالج أن يخبروا الأم، ويتخذوا بموافقتها كل الإجراءات العلاجية التي تمليها الظروف” حيث اعتبرها البعض قابلة للتأويل، في حين اعترض آخرون على إضافة العامل النفسي كونه يفتح الباب للتلاعبات، إحصائية قناة الجزائرية تبين حجم الاختلاف.

أخيرًا، بالنسبة لباقي الدول الإسلامية تشرع كل من تركيا والبحرين العملية.

5-أسباب القيام بالإجهاض:
يشكل خطر الحمل على حياة الأم وحدوث التشوهات الخلقية للجنين أهم سببين للقيام بالعملية، توجد أسباب أخرى شائعة كالعجز المادي، العنف الأسري ونقص الدعم، الاغتصاب وزنا المحارم، الطلاق خلال الحمل وزواج المتعة، الشعور بالصغر العمري مع الرغبة في مواصلة الدراسة، الدخول في مشاريع مهمة يمكن لتربية الطفل أن تعيقها، صعوبة الوصول إلى موانع الحمل وسوء استعمالها.

سياسة الطفل الواحد في الصين
توجد بعض الاعتبارات الاجتماعية كتفضيل الذكور ووسم الإناث بالعار، اعتبار المعاقين عقابًا وغضبًا إلهيًا على الوالدين، نقص التعليم والثقافة الجنسية، تحديد النسل قانونيًا كسياسة الطفل الواحد في الصين.

6-النقاش الأخلاقي:
النقاش جد مثير ومعقد لذلك اسمحوا لي أن أعرض جزءًا أرى أنه يستحق أن نتناقش حوله وسأبدأ بعرض مختصر لآراء الطرفين:

غالبًا ما ينطلق معارضو الإجهاض [pro-life]-الحق في الحياة- من قدسية الحياة و يجادلون أن استحقاق الحياة يبدأ مع الإخصاب، والإجهاض انتهاك لحق الانسان في الحياة، إذن يجب تشريع قوانين تمنع هذه الانتهاكات.
في الجهة المقابلة يركز مناصرو الإجهاض [pro-choice]-الحق في الاختيار- على استقلالية قرارات وحرية الحامل في التحكم بجسدها ويعتبرون الإجهاض ممارسة عادلة لهذا الحق، لذلك يجب تشريعه.

عرض حجج المعارضة: سأبدأ بآراء المعارضين كون موقفهم أبسط وموافق للحدس العام، يمكن أن نختزل الحجة الأساسية لمعارضة الإجهاض في:

(1) إذا كان لإنسان -شخص- الحق في العيش، فإن التسبب في قتله حين يمكننا تجنب ذلك فعل غير أخلاقي.

(2) الجنين إنسان -شخص- يمتلك الحق في العيش.

(3) الإجهاض يتسبب في قتل الجنين رغم إمكانية إنقاذه.

(4) إذن الإجهاض فعل غير أخلاقي.

كما تلاحظون فإن الحجة سليمة وقوية ويعتبرها البعض كافية لتجريم العملية.
يضاف إليها عادة أن تشريع الإجهاض ينقص من تقديس المجتمع للحياة، ويفتح الباب للتصفية العرقية وتحسين النسل على الطريقة النازية، كذلك فإن الطفل لم يرتكب أي خطأ ليقتل! لذلك لا يجب استعمال الإسقاط كوسيلة منع حمل.
كذلك فإن الإجهاض تجسيد لقتل أشخاص محتملين وإيذائهم بإنهاء حياتهم المحتملة.
الإجهاض يسبب الألم للجنين والتسبب في الألم غير المبرر لاأخلاقي، زيادة على كون التبني والكفالة متاحان دائمًا بالنسبة للعاجزات عن الرعاية. أخيرًا يدعي البعض أن الإجهاض مؤامرة ذكورية لكي يحظوا بعلاقات خالية من المسؤولية.

الإجهاض قانوني لأن الأطفال لا يمكنهم التصويت.

-بونكوسكي.

الإجهاض = القتل
-رأي المؤيدين في الحجة أعلاه:

غالبية الانتقادات الكلاسيكية توجه إلى المسلمة رقم (2)، حيث يبرز السؤال؛ هل الجنين إنسان؟ و هل يمتلك شخصية و هوية مثل البالغ؟ و هل كل كائن بشري يمتلك بالضرورة شخصية ؟

يجب أن نتوقف عند الاختلاف بين الكائن البشري والشخصية، فالبشرية مصطلح بيولوجي يستلزم وجود حمض نووي بشري والانتماء إلى نوع الهوموسابينس، أما الشخصية فهي مصطلح أخلاقي قانوني لا تكفي البيولوجية فقط لتحقيقه.
لذلك يمكن أن نعتبر المصابين باختلالات عقلية كبيرة أو المرضى في غيبوبة خضرية بدون شخصية رغم كونهم بشر! كما يمكن لجسم بشري واحد أن يحمل شخصيتين كما في حالة التوأم الملتصق.
هذا ما يحيلنا إلى السؤال المهم: ما هي الشخصية وما المعايير الضرورية لاكتسابها؟

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *