الاتحاد الاشتراكي في مواجهة الابتذال السياسي

عندما نبه الاتحاد الاشتراكي لخطورة وباء كورونا ، و انعكاساته القاسية على مجمل مناحي الحياة المجتمعية و الاقتصادية و السياسية ، من خلال مذكرته السباقة لتحليل الوضع الناتج عن هذه الجائحة، و اقتراحاته الجريئة في هذا الاتجاه ، هناك من اخد الامر على محمل التشكيك و الطعن في نوايا الحزب السياسية .

بل هناك من ذهب الى حد وصف الحزب بالانقلابي ، الذي يريد الانقلاب على الديمقراطية بالبلاد وصناديق الاقتراع ،معتبرين دعوة كاتبه الاول بضرورة التفكير في السبل الكفيلة بضمان الوحدة الوطنية لمواجهة هذه الجائحة ، نوعا من الالتفاف على الشرعية الديمقراطية ،و الردة السياسية .

اليوم و بعد اخذ المسافة الزمنية الكافية للتفكير الجدي و الموضوعي ، و بعد تفاقم الوضع الصحي و الاجتماعي و الاقتصادي الذي خلفته و لا زالت تخلفه جائحة كورونا ، بدء الكل يتحسس رأسه ، و يتمعن جيدا فيما قاله الاتحاد الاشتراكي منذ بدء هذه الازمة غير المسبوقة.

الاتحاد الاشتراكي و منذ بدء الازمة بنى توجهاته على ثلاثة افكار اساسية ، اولها ان لا احد يستطيع التكهن بوقت زوال هذا الفيروس و لا يمكنه تقديم وصفات جاهزة للخروج من ازمة مستمرة و غير متوقفة ، ثانيا مواجهة هذه الجائحة و تداعياتها تقتضي من جميع الفاعلين بدون استثناء تغير مقارباتهم السياسية المتنافرة و التوحد حول فكرة وحيدة هي مواجهة الفيروس و تدعياته، و اسقاطها سياسيا في اطار الوخدة الوطنية ، ثالثا لا يمكن للمغرب ان يواجه هذه الجائحة دون ارساء قواعد متينة لبروز دولة قوية و عادلة و متضامنة ، تكون قادرة على تاطير المجتمع و كافة فئاته ، بما يضمن المساواة بين الجميع ، و ما يوفر الشروط الامنة للخروج من هذه الازمة

للاسف الكل كان يعتقد ان الجائحة زائلة ، و ان تداعياتها ستكون محصورة في الزمان و المكان ، و ان هذه الازمة هي مناسبة و فرصة لتصفية الحسابات و لمحاولة البروز السياسي، و انخرط الجميع في منطق تبخيسي و اناني ، كان عنوانه البارز تقديم المصالح الفئوية و الحزبية على الوطن .

و شاهدنا كيف كان عدد من زعماء الاحزاب السياسية في طليعة المنخرطين في السجالات العقيمة و المزايدات السياسوية الضيقة ، التي لم تستحضر مصلحة الوطن و المواطنين ، و كيف سعوا الى كسب بعض النقاط الوهمية ، في منطق انتخابوي مقيت ، غابت عنه ادنى شروط المسؤولية و الالتزام .

وشاهدنا كذلك، كيف اختفت كل صيغ التضامن التي ميزت بداية الازمة، و كيف عمد البعض الى الاسثمار في هذه الحائچة ، في محاولات بئيسة ، لتحقيق الربح و لو على حساب الوطن و استقراره، و كيف حاول البعض استغلال و توجيه المساعدات التي تقدمها الدولة و مرافقها و مؤسساتها الترابية الى رصيده الانتخابي .

كما تابعنا مسلسل الارتباك و التخبط الحكومي ، في عدد من القرارات الارتجالية ، التي تعكس التنافر و الصراع الذي يطبع العلاقة بين مكوناتها ، و التي لا هم لبعضها سوى الاستحقاقات الانتخابية ، في تناسي و تجاهل تام لاستفحال الازمة ، و ما تقتضيه من تكاثف و تكامل فيما بينها.

للاسف هذا الاستخفاف و هذه اللامبالاة ، و هذه المزايدات ، و هذه الانتهازية ، خلقت وضعا سياسيا و اجتماعيا ملتبسا ، تجلى اساسا في التذمر الواسع الذي باتت تعبر عنه عدد من فئات الشعب المغربي ، التي لم تعد قادرة على تحمل انعكاسات و تداعيات هذه الجائحة على حياتها اليومية .

هذا التذمر اصبح يأخد منحى كرة الثلج في اتجاه فقدان الثقة في المؤسسات الوطنية و الفاعلين السياسيين ، و قدرتهم على اخراج البلاد من هذه الازمة ، في ضل الصراع المفتوح الذي تقوده عدد من الجهات السياسية فيما بينها .

و لعل الخطاب الملكي الاخير ، لخير دليل على الوضعية الصعبة التي بات يعيشها المغرب ، فالملك ، كان واضحا في تحليله للوضع و كان صريحا بخصوص حجم الازمة التي نعيشها ، و نبه بشكل جلي الى الحلول الحازمة التي يمكن اعتمادها لمحاصرة تداعياتها القاسية .

خطاب الملك هو ناقوس خطر لكل الفاعلين بدون استثناء ، بضرورة ايقاف العبث ، و السعي نحو التوحد الوطني لمواجهة هذه الازمة ، و الابتعاد عن كل ما من شأنه ان يشوش على المجهود الوطني لتدبير هذه الازمة غير المسبوقة .

ما نحتاجه اليوم في المغرب ، هو الاقتناع بضرورة ايقاف شكل النقاش السياسي الحالي ، القائم بين مختلف مكونات الحقل السياسي المغربي ، و جعله اكثر توجها نحو الوحدة و التكامل ، لمواجهة الازمة ، و ضمان الخروج منها ، في اطار الوحدة و الاستقرار .

مواجهة تداعيات جائحة كورونا ، لن تكون بالسهولة التي يعتقدها البعض ، فأثارها باتت تلامس مختلف المجالات، و تسارع وثيرتها اصبح يهدد كل البنيات القائمة ،مما يزيد من هشاشة الوضع ، و ينذر بتحديات و رهانات صعبة ، تفرض على الجميع اليوم التحلي بروح الوطنية الصادقة و الالتزام الجاد و الصارم بالحفاظ على الوطن و استقراره .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *