الاتحاد الاشتراكي و الوفاء للقيم الاشتراكية الديمقراطية على ضوء وثيقة الكاتب الاول

علي الغنبوري

قرأت وثيقة الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فيما يخص استشراف تدبير جائحة كورونا و اثارها على المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية بالمغرب ، و اذا كان لي ان اخلص الى نتيجية او خلاصة عن هذه الوثيقة ،فهي بكل تأكيد الانسجام و التناغم التام لما جاءت به مع القيم و المبادئ الاشتراكية الديمقراطية .

فالوثيقة انطلقت من تحليل موضوعي و رصين لما خلفته هذه الجائحة على المستوى الدولي و الوطني ، من اثار مؤلمة و قاسية على الاقتصاد و السياسة و المجتمعات ، و ما سيترتب عنها من اختلالات قد تؤدي الى تفكيك مجموعة من البنيات التقليدية و الانماط المستهلكة في تدبير و تسير الشان العام ،و اسقاطاتها على نظم الممارسة السياسية و الاقتصادية .

لتقدم الوثيقة منهجها في التعامل مع هذه الجائحة وفق اختيارات الحزب و مناضليه النابعة من عمق المرجعية الاشتراكية الديمقراطية ، التواقة الى تحرير المجتمعات من كافة القيود و المتاريس المعيقة للابداع و التجديد ، و ضمان سبل العيش الكريم و المساواة و المناصفة و الحقوق الكونية في شموليتها .

اختيار هذا النهج الاشتراكي الديمقراطي سيبرز بشكل اكبر ، في المحاور الخمسة التي ركزت عليها الوثيقة في تعاطيها مع هذه الجائحة و تدعياتها على بلادنا ، اذ قدمت هذه الوثيقة من خلال محورها الاول تحت عنوان  » حماية صحة المواطنين و ضمان العيش الكريم  » ربطا فعالا و صحيحا بين الصحة و سبل العيش الكريم باعتبارهما حقين اساسيين للمواطن المغربي ، لطالما دافع الاتحاد الاشتراكي عليهما .

اذ طالبت الوثيقة بشكل واضح وصريح ، بضرورة ايلاء الاهتمام الواجب للمنظومة الصحية الوطنية ، و اعتبار الجائحة نقطة انطلاقا لتقويم هذه المنظومة و الرقي بها لتطلعات المغاربة فيما يخص التطبيب و الولوج الى المستشفيات و العدالة الاستشفائية ، كما شددت الوثيقة على المطلب الدائم للحزب فيما يخص العمل على وضع شبكات الامان الاجتماعي و دورها في محاربة الهشاشة و الفقر داخل البلاد ، مستندة الى الحقائق المالية التي اثبتتها هذه الجائحة في هذا الشان ، اذ تبقى الموارد المالية المرصودة معقولة فيما يتناسب مع مالية الدولة ، و ما يضمن استمرار و تطور هذه الشبكات بشكل اكثر فعالية و نجاعة ، لتختم الوثيقة هذا المحور ، بتقديمها لتصور متكامل لما يجبان تكون عليه منظومتنا التعليمية ،و ادوار الدولة في السهر على ضمان تكافؤ الفرص التعليمية للمواطنين و حمايتهم من المضاربات و الاستغلال البشع للتوجهات الليبرالية في هذا الشان ، من خلال الحفاظ على مكتسب مجانية التعليم باعتباره حق للشعب المغربي .

في محورها الثاني تحت عنوان  » وضع الحجر الاساس لاقتصاد وطني جديد » ، قدمت الوثيقة تصورا متشبعا بفكر اشتراكي ديمقراطي خالص ، اذ اكدت ان السبيل الامثل للخروج من الازمة التي ستخلفها الجائحة على الاقتصاد الوطني ، لن تتأتى انطلاقا من اتباع سياسة تقليدية لانعاش الاقتصاد من خلال ضخ الاموال في المنظومة المالية و توزيع المساعدات على المقاولات المتضررة ، و انما عبر القطع مع الممارسات الاقتصادية السابقة من خلال معالجة كل الاخطار المحدقة بالاقتصاد المغربي و بمساهمة الدولة الواعية و المتبصرة في انقاذ الاستثمارات الوطنية ،و عدم التسرع في اتخاذ القرارات الاقتصادية التي تشكل غبنا للفاعل المغربي ، بالاضافة الى العمل السريع على دنج الاقتصاد غير المهيكل في الدورة الاقتصادية الوطنية و سن سياسة جبائية اكثر انصافا و عدالة،و دعم و تشيج الانتاج الوطني للحد من الواردات و تكلفتها المالية على الاقتصاد الوطني ، كما دفعت الوثيقة بخيار تبني الاقتصاد الاخضر و ما يوفره من امكانيات هائلة و دائمة تمكن المغرب من تجاوز فعال للازمة و تضمن حقوق مختلف الاجيال من الاستفادة من الثروة الطبيعية الوطنية .

و استمرارا في نهجها الاشتراكي الديمقراطي ، خصت الوثيقة المرأة و وضعيتها ، مكانة محورية في منهجيتها ،اذ تحدث المحور الثالث لهذه الوثيقة بكثير من التفصيل و الادراك الواعي لوضعية المراة المغربية و معانتها مع العقلية الذكورية، التي تعرقل اي تقدم فيما يخص حقوقها و مكانتها داخل المجتمع، اذ اكدت الوثيقة بوضوح كبير ، انه لا محال للحديث عن التنمية و التقدم بدون تمكين المراة من حقوقها و مكانتها انطلاقا من قيم المساواة الشاملة و تحقيق شروط الدمج الكلي لها في كل مناحي الحياة المجتمعية و الاقتصادية و السياسية .

اما فيما يخص الجانب المؤسساتي ، فالوثيقة استطاعت ان تلامس بعمق و بكثير من المسؤولية، واقع المؤسسات المشكلة للدولة و الاعطاب التي تحد من فعاليتها و نجاعتها ، مؤكدة على ضرورة بناء نموذج الدولة القوية و العادلة ، القادرة على قيادة التحولات المطلوبة لكسب الرهان المتجسد في بناء المغرب الذي يعتز كل ابنائه بالانتماء إليه ، اذ طالبت الوثيقة بضرورة مراجعة النمط الانتخابي و جعله اكثر جاذبية و قدرة على التعبئة و ايضاح الصورة السياسية الحقيقية بالبلاد و إفراز النخب المؤهلة لقيادتها ، و احقاق العدالة المجالية من خلال تقاسم سلط حقيقي بين مركز الدولة و مختلف المجلات الترابية اللامركزية ،بالاضافة الى التفعيل الامثل لاستقلال السلطة القضائية و تمكينها من الاليات الضرورية للانفتاح على العصر ، ناهيك على اصلاح الدارة المغربية ، و الاسراع بجعل الرقمنة كالية اساسية يقوم عليها هذا الاصلاح ، لما لها من اثر بليغ و فعال على الخدمات المقدمة للمواطنين كما و كيفا .

تصور الوثيقة للمخارج الممكنة من التداعيات المؤلمة لجائحة كورونا لم تستثني حزب الاتحاد الاشتراكي ، كاحد الدعامات الاساسية للحركة السياسية المغربية ،و الحامل الأبز للواء الاشتراكية الديمقراطية بالبلاد ، اذ لم تنكر الوثيقة الازمة التنظيمية للحزب ،و نصت بشكل واعي و مسؤول على ضرورة اصلاح الحزب و جعله فضاء ديمقراطيا بامتياز ،متصالحا مع ابنائه و مكوناته ،متوجها الى المستقبل ،بحيث اكدت الوثيقة بشكل لا يدع مجال للشك عن رغبة الاتحاد في تنظيم مؤتمر جامع، شعاره المصالحة الشاملة ، تبدأ اولى خطواته بلجنة تحضيرية موسعة تضم كل أطره و ابناءه ، مفتوحة النقاش و القرار .

ما قدمته وثيقة الاستاذ لشكر هو عمل متكامل، و تصور بناء و موضوعي، ينهل من مرجعية الحزب التقدمية الحداثية ،و يؤكد وفاء الاتحاد لقيمه و مبادئه الاشتراكية الديمقراطية، و رغبة أكيدة في جعل الحزب اداة قادرة على المساهمة في التغير، من خلال تطوير بنيته و تجميع أبناءه ، للتوجه نحو المستقبل.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *