الاتحاد الاشتراكي و حماية السياسة!!

علي الغنبوري

موقع الاتحاد الاشتراكي ، اليوم داخل المعارضة ، يضع على عاتقه مسؤوليات متعددة ذات أبعاد متداخلة ، غير قابلة للفصل ، و فعله السياسي خلال هذه المرحلة لا يمكنه ان يرتكز او يرتكن الى مجرد معارضة مباشرة لسياسات الحكومة الجديدة ، في ظل المتغيرات العديدة التي طرأت على الساحة السياسية بعد استحقاقات 8 شتنبر .

خروج الاتحاد الاشتراكي للمعارضة ، هو رفض في المقام الأول ، لتوجهات جديدة تحاول الالتفاف على النسق السياسي العام للبلاد ، و تدفع نحو اقرار منظومة سياسية معومة و بدون اي نفس سياسي ، و تسير في اتجاه غلق قوس إفراز النخب السياسية انطلاقا من التعابير المجتمعية المختلفة ، و في المقام الثاني ، خروج الاتحاد الاشتراكي للمعارضة هو تمسك تام برؤاه و مواقفه السياسية السابقة ،و توجه صريح للحفاظ على مكتسبات و تراكمات الشعب المغربي الديمقراطية و الحقوقية ، و حرص على الالتزام بالبناء الجاد للمؤسسات الوطنية ، في ظل الثوابت الوطنية .

اهم معطى كشف عنه تشكيل الحكومة الجديدة ، هو تمدد الطرح المبني على جعل العمل السياسي مجرد واجهة ، تحول الأحزاب السياسية لقواقع فارغة ، يمكن استغلالها و ملؤها بأطر خارج العمل السياسي ، و الدورة الطبيعة لانتاج النخب و التدرج الحزبي و التنظيمي ، و ما يرافقه من ارتباط و احتكاك مع المجتمع ، و ادراك و وعي بمشاكله و انتظاراته الحقيقية .

الاتحاد اليوم ، تنضاف الى مسؤولياته السياسية ، مسؤولية جديدة ممثلة في حماية العمل السياسي ، و منع تحريفه و تشويهه ، و الحفاظ على القنوات الموضوعية لافراز النخب المجتمعية ، و تحصين النموذج الديمقراطي المغربي من التوجهات اللاسياسية ، التي تسعى إلى إيقاف عجلة الاختيار الحر للنخب داخل المجتمع .

الاتحاد الاشتراكي كان دائما واضحا فيما يخص النخب التقنوقراطية ، و ضل متمسكا بضرورة سيادة المنطق السياسي على كامل المجال السياسي المغربي ،و الحفاظ على التوازن المجتمعي ، و التمسك بالاختيار الشعبي للنخب ،و ضمان الحق في المحاسبة السياسية ، انطلاقا من المشاريع الحزبية المتعددة التي تنتمي اليها هذه النخب .

حماية السياسة اليوم اصبحت ضرورة ملحة ، في ظل بروز قنوات جديدة ، تحاول الهيمنة على المجال السياسي ، انطلاقا من مقاربات تقنوقراطية ، تتعامل مع الشأن العام بمنطق مقاولاتي تقني ، و تختزل الفعل السياسي في إجراءات تقنية مفصولة عن الإرادة الشعبية .

خطورة النهج التقنوقراطي ، تتجاوز معطى الانجاز و الفعالية ، التي يحاول البعض الترويج له ، فهي تضرب في العمق الاختيار الديمقراطي ، المبني على ربط المسؤولية و المحاسبة ، و تعومه ، و تدخل الاختيارات و التعابير المجتمعية المتعددة ، التي تميز النموذج الديمقراطي المغربي ، الى مرحلة الالتباس و الغموض ، و هو ما سيفقده سنده المجتمعي ، و يعرضه للانهيار في اي لحظة ، في ظل غياب أسسه السياسية النابعة من المجتمع .

وعي الاتحاد الاشتراكي ، بهذه التحديات الجديدة و المخاطر التي تواجه المجال السياسي المغربي ، يفرض عليه اليوم ، اكثر من اي وقت مضى ، التشبت بمواقفه و برؤاه السياسية ، و تدفعه بكل قوة لبناء خط و فعل سياسي يعارض هذا التوجه النكوصي ، و المس الخطير بالحياة السياسية برمتها .

دوافع وجود الاتحاد الاشتراكي في المعارضة ، تزداد زخما يوم بعد يوم ، و تؤكد ضرورة لعب الحزب لادواره الوطنية ، المتجسدة في الدفاع اولا عن اختيارات الشعب المغربي في ظل التوابث الوطنية ، و في الحفاظ على المنطق السياسي كاساس لبناء النموذج المؤسساتي الديمقراطي الوطني ، المجسد لمختلف التمايزات و التعابير الفاعلة داخل المجتمع.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *