الاسلاميون و رهاب المرأة

علاقة الرهاب بالاسلاميين:

قد يبدو هذا العنوان غريبا، فوضع مرض الرُهاب Phobie كعلاقة بين الإسلاميين والمرأة أمر يثير عند البعض الكثير من التشويش نظرا لالتباس علاقة الإسلاميين بالمرأة، حيث إنّهم أشدّ الناس حرصا على طلبها للمتعة، وأغلبهم لا يرضى بزيجة واحدة إلا إذ لم يجد عن ذلك سبيلا، بل إنّ كثيرا منهم يتألّم حسرة على تولّي زمن الجواري وما ملكت الأيمان، فيعوّض عن ذلك باستيهامات الظفر بحور العين في العالم الآخر. على هذا الأساس قد يتساءل البعض كيف يصحّ القول إنّ المرأة تشكّل رهابا للإسلاميين وهم فيها راغبون ؟ بل قد يسارع البعض إلى رمينا بتهمة التحامل على الإسلاميين ونعتنا بتغليب الهوى والنوازع الإيديولوجية على طلب الحقّ وتوخّي الموضوعية، فنكون بذلك، في نظرهم، مجرّد وجه آخر للإسلاميين كلّ زادنا دعاوى لا حجج تسندها ولا أدلّة تثبتها. وإبطالا منّا لهذه التهمة سنبدأ أوّلا بالوقوف عند مفهوم الرهاب بوضع تعريف له، كي ننظر بعد ذلك في علاقته بنظرة الإسلاميين للمرأة.

يُعرّف الرهاب عادة بأنّه خوف مرضيّ يكون تجاه أشياء أو كائنات أو أماكن أو وضعيات لا يفترض أن تثير الخوف عند الإنسان الراشد العادي. وغالبا ما يصاب المريض من هؤلاء بذعر شديد عندما يلتقي بموضوع رهابه، وهو لذلك يتجنّب ذلك اللقاء من خلال طقوس عديدة واحتياطات كثيرة. كما أنّ موضوع الرهاب يثير عند المريض نوبة قلق شديدة بكلّ مظاهرها النفسية والفسيولوجية. ويكون لموضوع الرهاب، في كثير من الأحيان دلالة رمزية عامة أو خاصة عند المريض، كما أنه يشير إلى مشاكل ذات أبعاد جنسية أو عدوانية أو الاثنتين معا.

الخوف من المرأة

انطلاقا من هذا التقديم ندّعي أنّ تعامل الإسلاميين مع المرأة يظهر بشكل واضح خوفهم وذعرهم منها، رغم ولعهم الشديد بها، ولإثبات هذه الدعوى يكفي أن نستحضر ترسانة الفتاوى المعدّة لهذا الكائن المغري والمخيف في نفس الآن، إنّ المرأة في نظر الإسلاميين مصدر متعة وفي نفس الوقت أصل البليّة، فالتعامل معها يجب أن يكون بحذر شديد، ولأجل هذا وضعوا حدودا فاصلة بين عالم الرجال وعالم النساء، وأحاطوا هذا الأخير برقابة صارمة، بحجّة أنّه مصدر الغواية، فلننظر فيما قاله حسن البنّا في رسالته إلى المرأة المسلمة: « يرى الإسلام في الاختلاط بين المرأة والرجل خطرا محقّقا، فهو يباعد بينهما إلا بالزواج، ولهذا فإنّ المجتمع الإسلامي مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك ».

من واجبنا أن نتساءل كيف يكون الخطر المحقق في اختلاط المرأة بالرجل؟ اللهم أن يكونا مجرد بهيمتين إذا وقع الاختلاط بينهما انقضّ كلّ منهما على الآخر وقضى وطره منه، فتقع الواقعة وتحصل الرذيلة، طبعا المرأة هي المسئولة، فهي صنو الشيطان الذي يغوي دائما، أما الرجل فبريء لأنه منفعل وليس فاعلا؛ فأحد المشايخ قد صرّح قائلا: « فالفتن كثيرة، والبلاء متنوّع، وأضرّ الفتن على معاشر الرجال النساء…. وإن أول خطوات طريق الافتتان بالنساء الإذن لهن بالسفور والتبرج ».

اخفاء المرأة هو الحل

إن أول الأساليب الوقائية من المرأة، التي هي أكبر الفتن، تتمثل في الإخفاء، وعلى هذا الأساس أعدّ الإسلاميون للمرأة الحجاب وتفنّنوا في وصف أشكاله وتفاوتوا في قوّة ستر المرأة وحجبها، فمِن مطالبٍ بستر كلّ شيء فيها إلا الوجه والكفّين إلى من يطالب بسترها كلها، بل يوجب ستر حتى الخفّ الذي تنتعل لأنه قد يثير شهوة الرجال المساكين الذين لا شيء في أذهانهم سوى الجنس، فلنتأمّل قول بعضهم: « ظفر المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها فلا تبن منها شيئا ولا خفّها، فإنّ الخفّ يصف القدم، وأحبّ إليّ أن تجعل لكمّها زرّا عند يدها حتى لا يبين منها شيء ».

هناك سؤال جوهري يفرض نفسه على كل ذي عقل، وهو لماذا كل هذا الجزع من المرأة ولماذا استمرار فرض الحصار عليها، خصوصا ونحن نلج القرن الواحد والعشرين، ولماذا نجد الإسلاميين اليوم أكثر هلعا من تحرّر المرأة وجعلهم لمسألة الحجاب أو النقاب من الأولويات في تفكيرهم؟

نعتقد أنّ سرّ هذا الاهتمام اليوم راجع لكون المرأة باتت تحتلّ دورا أساسيا في المجتمعات المعاصرة، وتشكّل حجر الزاوية في مسلسل التحديث الذي يدلّ في أذهان الإسلاميين على معنى التغريب وفقدان الهوية الإسلامية، فواضح اليوم أن المرأة في كثير من البلدان العربية قد بدأت تسجّل حضورها وتفرض نفسها في المجتمع عن طريق اختراقها لميدان التعليم وولوج سوق العمل، فظهرت لها كفاءات تضارع كفاءة الرجل، بل أحيانا تتفوق عليه في كثير من المجالات، وبكل هذا سارت المرأة العربية في الاتجاه الذي رسمته المرأة الغربية لنفسها معلنة تحررها وطموحها في تحقيق استقلاليتها بعيدا عن ثقافة الحجر والوصاية المرسخة عبر قرون، كوصاية الأب والأخ والزوج والابن.
ويعدّ هذا النزوع إلى التحرر من أكبر الأسباب التي تزعج الإسلاميين اليوم وتقضّ مضاجعهم لأنهم، وبكل بساطة، دأبوا على امتلاك المرأة ووضعها في القفص والنظر إليها ككائن ناقص من جهة العقل والدين وجبت رعايته، والراعي طبعا هو الرجل. إنها تحتاج، في نظرهم، إلى الوصاية في تدبير جميع شؤون حياتها، حتى شأن التصرف في جسدها، فلا يحقّ لها أن تزوّج نفسها ولا أن ترفع صوتها أمام الرجل ولا أن تظهر زينتها، وفوق هذا تعتبر صنو الشيطان الذي يجب على الرجل أن يحذر حبائله لكي لا تنطلي عليه فيصبح بذلك من الهالكين.

لا حياة للمرأة، في نظر الإسلاميين، إلا داخل بيتها ولا حامي لها إلا الرجل، وهذا هو وضعها الطبيعي، حجتهم في ذلك، أنّ الإسلام هو الذي قرّر ذلك وهو وحده الذي رفع من قيمتها وجعلها تعيش كإنسان كريم له معنى في هذه الحياة ومنحها الحق في أن تكون لها الوسائل ويكون لها الوقت في أن تعبد ربها ، ولعل الربّ هنا بالمعنيين: الربّ الإله والربّ الرجل.

من هنا لزوم الحجاب الذي يعرف حسب معظم قواميس اللغة العربية باعتباره « ستارة أو نسيجا موضوعا أمام كائن أو سيّئ حتى نحجبه عن الأنظار »، فالمرأة محكوم عليها بالتحجّب عن أنظار الرجل لكي لا تغوي أو بعبارة أدقّ لكي لا تربك وتفزع الرجل المسكون فعلا بالمرأة المتحجبة في الواقع والعارية في ذهنه، إنه مسكون بها إلى حدّ الهوس.

وفي كثير من الأحيان تتعامل المرأة في المجتمعات الإسلامية على هذا الأساس، فهي في واقع الأمر تدرك اللعبة جيدا، فتتحجب لتنكشف، أو لنقل إن تحجبها تبرج، لأن الحجاب في كثير من مظاهره مجرد أيقونة وعلامة، إنه نوع من التبرير العقلي Rationalisation، حيث التصالح بين الرقيب والغريزة، تصالح بين صورة العشيق المتهتك والأب المتزمت.

الجنس و الخمار

نعم فالخمار المفروض على المرأة، يغدو في كثير من الأحيان كأنه عنصر جنسي قائم بذاته لأن اللباس وكما لاحظ مالك شبل « غالبا ما لا يقوم بالوظيفة الموكولة إليه، بل عكس ذلك، قد يكون أداة إثارة بين ما يخفيه الجسد والناظر إليه. إن المحتشم، أو ما يُعطى للنظر في اللباس على أنه كذلك، يخلق جمهوره، ويتغذى من التجاوز الذي يتولى-ربما دون قصد- القيام به هو نفسه، ونعني به: الإثارة الجنسية ».

وإذ تأملنا الحجاب المفروض على المرأة وجدنا الفرض ذا مستويين؛ الأوّل يفرضه الرجل على المرأة بشكل قسريّ ضدا على إرادتها، والثاني يفرضه النسق العقائديّ من خلال نصوصه الترهيبية، ففي المستوى الأوّل يكون الأمر أقلّ خطرا، فغالبا ما نجد المرأة تنفلت منه ببراعة لأنها لا ترتديه إلا تقيّة وتتفنّن في استعراض مفاتنها من خلاله، أما المستوى الثاني فإنّ المرأة تتماهى فيه مع الرجل في قمع ذاتها وتبخيسها، تخشى على نفسها من نفسها فتهب ذاتها قربانا للرجل راضية بخدمته، إنها، وكما سجل مصطفى حجازي، تعيش استلابا عقائديا، يتجلّى في الاعتقاد « بأنّ جسدها عورة، وبأنّ هذه العورة يجب أن تستر، من خلال الأب والأخ، والزوج والابن بعدهما، وبأنّ الشرف بالنسبة إليها هو في الحفاظ على هذه السترة …وتبني أسطورة حواء بضعفها واحتيالها، ومكرها، وغيها، حواء مجسدة الآثام والشرور، ومصدر كل غواية… هو أن تشعر المرأة أنها تحقق ذاتها، وتصل غاية وجودها من خلال القيام بالأدوار التي تناط بها، وأنها عبء، طالما لم تصبح أمّا، وإذا كان لكيانها من معنى فهو في هذه الصفة تحديدا.

من أكبر المآسي أن يتم التماهي مع الجلاد وتنتفي استقلالية الذات، فتصير المرأة أمة بمحض إرادتها، ويصبح سجّانها في ذهنها وبين جوانحها، لا ترى من حياة سوى حياة الاستعباد، بل تعتقد أنّ كلّ تحرّر بدعة وكلّ استقلال ضلالة يوجبان السخط واللعنة. هنا يكون العقل الإسلاموي قد نجح في أسر المرأة من الداخل وهذا لعمري أقوى سجن وأكثره رهبة، نعم إن الفكر التقليدي يحاول بكلّ الوسائل، كتشجيع بعض الدعاة الذين أصبحوا نجوما على كثير من القنوات الفضائية، أن يعاكس مسار التاريخ وأن يدخل المرأة داخل القمقم بتعاويذهم التراثية، وهي بالمناسبة غير قليلة. كل ذلك خوفا على أنفسهم من أن يكتشفوا حقيقتهم وما أقبحها حين تنكشف!!!!

المصدر: محمد نعيم
موقع الاوان

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *