الجدل القديم ..حق المرأة في الإجهاض

في نص فرعوني كتب حوالي العام 1550 قبل الميلاد، أظهرت بردية “إبيرس” التي تُعنى بالأعشاب الطبية -أقدم بردية كُتبت في تاريخ البشرية- أنه يمكن تحفيز الإجهاض عبر سدادة من الألياف النباتية، تغلف بمركب من العسل ومسحوق التمر. لاحقًا، اقترح النص استخدام مجهضات عشبية مثل نبتة السلفيوم المنقرضة، إلى جانب نباتات طبية أعتُبرت ذات قيمة عالية في العالم القديم، إلا أنها شديدة السمية. وإلى جانب المصريين القدماء، مارس الفرس والرومان عملية إسقاط الأجنة خلال حقبهم الزمنية.

وفي بعض المناطق في اليونان القديمة حُظر الإجهاض، وكان أبو الطب “أبقراط” يمنعه باعتباره غير مبرر أخلاقيًا، فيما اعتبره أرسطو قانونيًا بحال حدث خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. أما أول حظر قانوني له فقد كان في القرن الحادي عشر ضمن القانون الآشوري، إذ نص القانون على فرض عقوبة الإعدام بحق النساء المتزوجات اللواتي يجهضن دون أخذ الإذن من أزواجهن.

حاليًا، يلاقي حق المرأة في الإجهاض تباينًا في المواقف دوليًا، بين تلك الدول التي تسمح به بلا مبررات وتلك التي تجرمه وتعتبره جنحة تحاسب عليها المرأة المجهضة. وبين معارض ومؤيد، تنتشر تحركات حول العالم تنتمي لكلا المعسكرين، إذ تؤكد مؤسسات نسوية وحقوقية على ضرورة تشريع وتقنين حق المرأة في الإجهاض ليكون في الإطار الصحي والآمن، ولتبقى المرأة في منأى عن العقوبات القانونية، فيما ترفض تيارات محافظة ذلك مستندة إلى آراء دينية.

دوافع الإجهاض

يعتبر الإجهاض “Abortion” إنهاءً للحمل عبر إخراج الجنين من الرحم قبل أن ينمو بالقدر الذي يؤهله للخروج إلى الحياة، لأسباب ودوافع مختلفة؛ فمنها ما له علاقة بمضاعفات الحمل التي تؤدي إلى “التطريح التلقائي”، أو لأسباب لها علاقة بصحة المرأة الحامل كأن يشكل الحمل خطرًا على سلامتها، وهنا يكون علاجيًا، أو لدوافع خاصة بالمرأة المجهضة فيكون اختياريًا.

وتتنوع دوافع الإجهاض الاختياري، لكن أبرزها الجانب النفسي؛ إذ تعاني بعض النساء الحوامل من القلق والكآبة نتيجة للحمل، أو يشعرن بالحزن واليأس، وتتبادر إلى أذهانهن أفكار سلبية تتعلق بهن، إلى جانب فقدان الشعور بالمتعة والاهتمام بممارسة الأشياء والاختلاط مع الناس، كما تعاني بعضهن من قلة النوم وفقدان الشهية، وكلها أمور قد تلجئهن إلى إسقاط الجنين.

كما تساهم الحالة الاجتماعية للأمهات بدفعهن إلى التخلص من الجنين، كأن تكون الحامل عزباء أو تعاني من مشاكل مع زوجها، أو أن مرحلتها العمرية لا تؤهلها للاهتمام بالأطفال. وترغب بعض النساء في إكمال دراستهن أو تشعر بعدم النضج، أو حتى بعدم القدرة على تربية طفل جديد.

أما اقتصاديًا، فالكثير من النساء يجهضن نتيجة لانخفاض الأجور أو فقدانهن العمل أو تراكم الديون أو عدم توفر مكان سكن صحي، فتأخذ المرأة بالحسبان قدرتها الاقتصادية هي وزوجها، ومدى إمكانية توفيرها لاحتياجات الطفل على المدى القريب والبعيد.

دول في جدال

في تطور كبير حول قانون الإجهاض في ألمانيا، منحت الحكومة الصلاحية للأطباء والمستشفيات والعيادات بإعطاء معلومات علنية عن الإجهاض دون التعرض لعقوبة قانونية، مما أثار حالة جدل ومظاهرات مناهضة ومؤيدة للقانون، بين من يؤمن بحق المرأة في التصرف بالجنين، ومن يلغي هذا الحق. ويعتبر هذا القانون تسهيلًا من الحكومة بعد أن كان الإجهاض مجرّمًا للمرأة إلّا من خلال مؤسسات معينة. وبات يسمح للطبيب بتعريف نفسه على مواقع الإنترنت بأنه يجري علنًا هذا النوع من العمليات.

وفي الشأن ذاته، كانت إيرلندا -التي تعتبر دولة ذات طابع مسيحي محافظ- قد طرحت، منتصف العام الماضي، استفتاءً حول حق المرأة في الإجهاض، فكان على المصوتين الإجابة على سؤال إذا كانوا يوافقون على إلغاء الحظر الدستوري الذي يساوي بين الأم والجنين عندما يتعلق الأمر في الحق بالحياة. وأيد ثلثا المصوتين (66%) إلغاء القيود المفروضة على هذا الحق.

أما في الصين التي تسعى إلى فرض قوانين مشددة من أجل الحد من الزيادة السكانية وتحديد النسل، مثل قانون الطفل الواحد، فتعتبر الإجهاض إحدى تلك الطرق، إذ كشفت المعطيات عن إجراء 300 مليون عملية إجهاض في الصين بين عامي 1971 و2010.

ماذا عن العرب؟

على الصعيد العربي، شهدت مصر في وقت سابق تحركات جدية في ظل رفض القانون المصري للإجهاض إلا في حالة تعريض حياة الأم للخطر، إذ كانت 14 منظمة نسائية وحزبًا سياسيًا إلى جانب العشرات من الشخصيات العامة، قد أطلقوا حملة بعنوان “أوقفوا القهر.. أيادينا ملطخة بدماء النساء”، مؤيدين “الحق الكامل للنساء في الإجهاض الآمن؛ باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الحق في الصحة الجنسية والإنجابية”، حسب تعريف منظمة الصحة العالمية. إلا أن القانون المصري لا يزال يعتبر الإجهاض جنحة تعاقب عليها المرأة بالحبس لمدة تتراوح من يوم حتى السجن المشدد.

في المغرب -أكثر الدول العربية إجراءً لعمليات التخلص من الأجنة- صادقت الحكومة سابقًا على مشروع قانون يسمح بالإجهاض ضمن شروط محددة، إلا أن المشروع جرى تعليقه، وبالتالي منع العمل به.

وفي تونس، يأخذ الإجهاض شكلًا مختلفًا عن باقي الدول العربية، فالقانون الذي أقر عام 1973 يسمح لأي امرأة راشدة بلغت العشرين بإجراء عملية إسقاط الجنين بحال كان الحمل غير مرغوب به، بدون مقابل مادي ولا موافقة أي شخص، وبغض النظر عن حالتها الاجتماعية، بشرط أن يقل عمر الجنين عن 3 أشهر، وأن تجري العملية في مؤسسة حكومية أو مرخصة، لأن الهدف من ذلك هو إتمام العملية في إطار آمن وصحي حرصًا على سلامة المرأة.

بين الدين والعلمانية

على الرغم من عدم وجود نص صريح حول الإجهاض في الكتب السماوية (التوراة، الإنجيل، القرآن)، إلا أن رجال الدين يصرحون بآراء متشددة ضد الإجهاض باعتباره عملية قتل أو اعتراض على مشيئة الله، وهذا ما عبر عنه عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية صالح العصيمي، حينما أكد في أحد البرامج التلفزيونية على حرمته وخطورته شرعيًا وطبيًا، مشيرًا إلى أنه جريمة قانونية تتم خارج الأطر الرسمية.

واعتبر العصيمي فتح الباب للنقاش بتشريع التخلص من الجنين بحال عانى من تشوهات وكان قد أتم 120 يومًا شرًا كبيرًا، موكلًا أمره إلى الله، منوهًا إلى الفوائد الظاهرة وغير الظاهرة للإبقاء على الأجنة المشوهة، “فربما بحال وُلد وتوفى صار شفيعًا لوالديه في الجنة”.

كما تحرمه بعض الديانات، حتى إذا تبين أن الجنين يعاني من عيوب خلقية، ويتضح ذلك بوصفه من قبل البابا فرنسيس على أنه “مماثل لمحاولات النازية في التنقية العرقية من خلال القضاء على الأضعف”.

كما تسعى الأحزاب المحافظة في بعض الدول إلى حظر الإجهاض الآمن على أراضيها، مثلما فعل المحافظون في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عندما رفضوا، في يونيو/حزيران 2017، قرارًا للأمم المتحدة؛ لأنه دعا إلى توفير الإجهاض الآمن لجميع النساء التي تسمح قوانينها بالإجهاض، إذ صرّح مسؤولون أمريكيون بأن “الولايات المتحدة لا تعترف بالإجهاض كوسيلة آمنة لتنظيم الأسرة”.

على الضفة الأخرى، تشرع دول علمانية الإجهاض بدون مبررات أو لأسباب تأخذ بالحسبان الحالة النفسية للأم ورغبتها، ضمن إطار آمن تحت شروط صحية؛ إذ تتكفل بعض الدول بنفقات العملية، إلى جانب شروط زمنية تختلف من دولة لأخرى، ومن هذه الدول النمسا والسويد وسويسرا وإسبانيا وألمانيا وهولندا وبريطانيا.

المصدر : كيو بوست

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *