عبد السلام المساوي
على الرغم من الخسائر الجسيمة التي ألحقتها جائحة كورونا بالنظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، الا ان أعلى سلطة في الدولة عزمت على احترام الأجندة الدستورية مهما كانت الظروف وهذا في حد ذاته يستحق التنويه ، لكن الانتخابات لم تكن في يوم من الأيام هدفا بحد ذاتها ، وانما آلية لتقرير مصير الوطن لولاية كاملة بما يتطلبه ذلك من حسن الاختيار .
بدون شك فإن فيروس كورونا سيكون له تأثير بالغ الأثر على سير العملية الانتخابية برمتها ، وسيرسم ملامح ” مستجدة ” للحملات الانتخابية ، والتجمعات الخطابية في الساحات العمومية والفضاءات الخاصة ، التي لطالما كانت بمثابة القاعدة الرئيسية التي يرتكز عليها المرشحون في التواصل مع ناخبيهم وحشد تعاطفهم ، قبيل يوم التصويت ، لكنها ستتحول اليوم إلى فضاءات ثانوية ، خوفا من أن تصبح بؤرا لنقل العدوى بفيروس كورونا بين الناخبين .
أهم نقطة يتفق عليها الجميع ، مختصين وغير مختصين ، ويراقبها الجميع أيضا هي قدرة الأحزاب على أن تخلق أشكالا جديدة للتواصل مع المواطنين ، تمكن من من تفادي اللقاءات المباشرة والتجمعات الجماهيرية ( الولائم والزرود ….) وتجنب الاختلاط وعقد الندوات التي ستكون دون شك بؤرا انتخابية يجد فيها الوباء اللعين ، الذي يملأ الدنيا ويشغل بال الناس ، التربة الخصبة لمزيد من الانتشار خصوصا مع استحالة فرض التدابير الوقائية في مثيل هاته اللقاءات استحالة كاملة .
المتخصصون يتحدثون عن ضرورة اللجوء الى البديل الوحيد المتوفر اليوم الانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي ، وتجنب التجمعات الانتخابية التي قد تخلق مشاكل صحية اضافية نحن في غنى عنها ومشاكل اجتماعية بسبب مقارنة المواطنين بين منعهم من إقامة أقراحهم وأفراحهم ( الجنائز والأعراس ) بشكل عادي وبين السماح للأحزاب بأن تفعل ما تشاء …
على حسب علمنا ، كورونا لا تفرق بين قادمين للعزاء أو للعرس وبين ذاهبين للاستماع الى وعود السياسيين ….
هناك معضلة أخرى سوف تلقي بظلالها على هذه الانتخابات ، وهي معضلة نسبة المشاركة . فبالتأكيد سوف يتردد بعض الناخبين في التوجه الى صناديق التصويت ، بسبب التخوفات الصحية ، سواء كانت مبررة او غير مبررة .
ولذلك فإن التحدي الصعب الذي يواجه هذه الاستحقاقات ، يكمن أساسا في اقناع أكبر عدد من الناخبين بالمشاركة المكثفة بالانتخابات في سياق وباء صحي ، وكذلك في ظل هيمنة ثقافة العزوف المرتبطة بأسباب كثيرة ….ولعل العزوف هذا أيضا سيخدم حزب العدالة والتنمية الذي يتوفر على زبناء قارين ، لا يمنعهم وباء في التوجه الى صناديق الاقتراع للتصويت لحزبهم ، ولا تهمهم حصيلة حزبهم خلال التجربة الحكومية ، بل سيحضرون للمشاركة من منطلق شبه عقدي ، ووفق خطاطة الشيخ والمريد ، التي لا تترك مجالا للتصويت العقلاني القائم على المقارنة بين الانجاز والفشل .
من هنا وجب الوعي بمخاطر عدم المشاركة المكثفة للناخبين والناخبات ، خصوصا المنتمين للطبقة الوسطى …مطلوب من الجميع ممارسة حقه في التصويت ، وكل امتناع ستكون عواقبه وخيمة على مستقبل بلادنا ….
ان ما يعزز أهمية هذه الانتخابات ويجعلها مفصلية في تاريخنا ، هو ما يتعرض له بلدنا من من مخاطر وتحديات من كل حدب وصوب وتفرض ان تكون الأولوية الجماعية لاحباطها ، وتكون الانتخابات في هذه الحالة نقطة ضمن خطة شاملة لرص الجبهة الداخلية وتقوية الخيار الديموقراطي الذي يعد أحد الثوابت الجامعة للأمة المغربية .
لا تزال الفرصة سانحة لتكون هذه الانتخابات فرصة مفصلية لتجاوز حالة الانتظار السياسي الذي دخله المغرب منذ عقد ، لكن من أراد الانتخابات فعلا ان تتحول الى فرصة عليه أن يعمل كل ما يلزم لانهاء لغة المزايدات والابتزاز ولعب دور الضحية واللعب على كل الحبال ، بحيث يكون التنافس والخلاف في إطار البرامج الواضحة وباعتبارها المدخل الوحيد للانتقاء بين المنافسين ، وليس الاتجار في الأصوات وبيع الوهم .
ان الرهان اليوم ، ليس بسيطا ولا هينا هو مرتبط بإعادة الثقة في المؤسسات واغراء المواطن بالذهاب الى صناديق الاقتراع لأنها هي الطريقة الوحيدة للتقرير في مصيره السياسي ، وهو ما يتطلب توجيه جهود الأحزاب السياسية نحو زرع الأمل وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية ، وليس دفع المواطنين باتجاه تصعيد حالة الغضب والابتعاد لسنوات ضوئية عن المشاركة ، لأنه لا يجد أجوبة واقعية عن همومه من فقر وبطالة وأمية وهذا لن يتحقق اذا لم توقف الأحزاب اياها اطلاق الاعيرة الباردة بينها وتنهج خطابا وممارسة ايجابيتين من اجل مصلحة البلد .
باختصار نحتاج الى خطاب نوعي وتوعية للأحزاب الوطنية وتحفيز للمواطن لتجاوز حالة اللاهتمام ، فما أكدته حالة كوفيد 19 يوضح بالملموس أنه من غير العودة إلى جوهر القضايا الشائكة اجتماعيا واقتصاديا ودباوماسيا سيبقى المغرب أسير حروب سياسوية لا بد أن تدخله يوما لنفق مظلم لن يستطيع الخروج منه بسهولة .
نريد أن تكون الانتخابات فرصة للخروج من المأزق الحالي الذي يعيشه المواطن المغربي بفعل جائحة كورونا وبفعل حصاد عشر سنوات عجاف من أداء حكومة العدالة والتنمية .
ان اللغة الشعبوية المتعالية لم تعد صالحة لشيء ، وان المطلوب اليوم هو ممارسة خطاب واقعي ياخذ بعين الاعتبار الاكراهات الاقتصادية والاجتماعية للبلد والتحديات والمخاطر المحدقة بالوطن ، دون أحلام وردية سرعان ما تتحول الى كوابيس تنغص على المواطن معيشته وتدفعه للاحتجاج وركوب قوارب الموت بحثا عن حياة أفضل .