الخطاب الملكي.. خطاب الأمل والعمل نحو سياسة إقتصادية وإجتماعية جديدة للمملكة

البشير الحداد الكبير

يأتي الخطاب الملكي السامي بتاريخ 9 أكتوبر 2020 تفعيلا للفصول 52 و65 و68 من دستور 2011 (1)،حيث أن المشرع الدستوري عمل على تنظيم العلاقة ما بين المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية، فخطاب هذه السنة يمكن وصفه بالتاريخي لأنه أجاب عن كل التساؤلات بخصوص خطاب العرش لهذه السنة ،حيث أن هذا الخطاب الملكي السامي رسم خارطة طريق جديدة نحو نموذج تنموي ناجح.
ابتدأ الملك خطاب افتتاح البرلمان هذه السنة بالتأكيد على أن أزمة كورونا أبانت عن مجموعة من الإختلالات والتأثير السلبي على الإقتصاد والتشغيل وهو نفس المعطى الذي سبق أن تم تأكيده في خطاب العرش لهذه السنة إذ قال جلالته « … وإذا كانت هذه الأزمة قد أكدت صلابة الروابط الاجتماعية وروح التضامن بـين المغاربة، فإنها كشفت أيضا عن مجموعة من النواقص، خاصة في المجال الاجتماعي. ومن بينها حجم القطاع غير المهيكل؛ وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية…  »
إن خطاب افتتاح البرلمان أجاب بكل صدق وموضوعية عن تساؤلات خطاب العرش، فقد شدد جلالة الملك أعزه الله على إعطاء الأولويات لاسيما إنعاش الإقتصاد الوطني وتعميم التغطية الإجتماعية وإصلاح القطاع العام، بخصوص إنعاش الإقتصاد الوطني فقد تم اعتماد خطة وطنية لدعم القطاعات الإنتاجية، خاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة والرفع من قدرتها على الإستثمار وخلق فرص الشغل والحفاظ على مصادر الدخل، وسيتم تنزيل هذه الخطة في إطار الشراكة بين مختلف الفاعلين في الدولة، إن التأكيد على المقاولات الصغرى والمتوسطة نجد أن جلالة الملك دائما يضعها في صلب اهتماماته حيث أكد في خطاب العرش لسنة 2018 على دعمها لكونها تشكل 95٪ من النسيج الإقتصادي المغربي.
وفي نفس الإتجاه، أكد جلالة الملك أعزه الله على مواصلة الجهود من طرف مختلف الفاعلين (القطاع البنكي، صندوق الضمان المركزي، المقاولات) وتأكيد جلالة الملك بالذات على القطاع البنكي نظرا لأهميته في التنمية، ففي خطاب افتتاح البرلمان السنة الماضية قال جلالة الملك حفظه الله : ».. من المعروف أن جهود الدولة وحدها لا تكفي في هذا المجال. و هو ما يقتضي انخراط القطاع الخاص في عملية التنمية.
وأخص بالذكر هنا القطاع البنكي والمالي، الذي نعتبره حجر الزاوية، في كل عمل تنموي… ».
لقد سبق أن تحدث جلالة الملك على إحداث صندوق الإستثمار الإستثمار الإستراتيجي في خطاب العرش لهذه السنة،لكن خطاب افتتاح البرلمان وضح كل شيئ، فقد تم تغيير إسم هذا الصندوق إلى » صندوق محمد السادس للإستثمار »، فهذا الأخير سيلعب دورا مهما في النهوض بالإستثمار والرفع من قدرات الإقتصاد من خلال دعم القطاعات الإنتاجية وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى في إطار الشراكات بين القطاعين العام والخاص،ووضح جلالة الملك في هذا الخطاب أكثر فأكثر عمل هذا الصندوق إذ تقرر تخويله الشخصية المعنوية وتمكينه من هيئات التدبير الملائمة وأن يكون نموذجا من حيث الحكامة والنجاعة والشفافية، وسترصد له 15 مليار درهم من ميزانية الدولة وما يميز هذا الصندوق أنه سيدعم المجالات ذات الأولولية(الصناعة-الإبتكار والقطاعات الواعدة-المقاولات الصغرى والمتوسطة-البنيات التحتية-الفلاحة- السياحة) إذن نلاحظ أن جلالة الملك وضح الأمور، لأنه في خطاب العرش لهذه السنة الجميع بدأ يتساءل كيف سيعمل هذا الصندوق وماهي المجالات التي سيركز عليها، وبالتالي فجلالة الملك عمل على رسم الخطوط العريضة لعمل هذا الصندوق.
ومن بين النقط التي تطرق لها الخطاب الملكي السامي إعطاء الأولية للفلاحة والتنمية القروية لتحفيز الإستثمار والتشغيل وتثمين الإنتاج الفلاحي وتسهيل الإندماج المهني بالعالم القروي وسيتم تخصيص مليون هكتار من الأراضي الفلاحية الجماعية لفائدة المستثمرين وذوي الحقوق،إذ سيتم تحفيز الشباب في العالم القروي عن طريق خلق المقاولات ودعم التكوين لاسيما في المهن والخدمات المرتبطة بالفلاحة، نلاحظ أن تأكيد جلالة الملك على الفلاحة والتكوين المهني للشباب بالعالم القروي ليس وليد اليوم، لأن المتتبع للخطب الملكية سيلاحظ أن المؤسسة الملكية تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك نصره الله حينما أعلنت عن فشل النموذج التنموي في خطاب افتتاح البرلمان لسنة 2017،قامت بتحديد الخطوط العريضة للنموذج التنموي الجديد،ففي خطاب افتتاح البرلمان 2018 أكد جلالة الملك أن القطاع الفلاحي يشكل خزانا أكثر دينامية للتشغيل ولتحسين ظروف العيش والإستقرار بالعالم القروي، ودعا لتعزيز المجهودات لخلق المزيد من فرص الشغل والدخل وخاصة لفائدة الشباب القروي، بل أكثر من ذلك دعا لتعزيز وتسهيل الولوج للعقار وجعله أكثر انفتاحا على المستثمرين سواءا الأشخاص أو المقاولات، وفي خطاب ثورة الملك والشعب للسنة الماضية 2019،أكد جلالة الملك أعزه الله أن الغاية من تجديد النموذج التنموي والمشاريع والبرامج هو تقدم المغرب وتحسين ظروف عيش المواطنين والحد من الفوارق الإجتماعية والمجالية، لكن جلالته أشار لنقطة مهمة وهي أن هناك فئات تعاني من صعوبة العيش تتواجد على وجه الخصوص في المجال القروي وبضواحي المدن، وأكد جلالته أنه يجب استثمار كافة الإمكانات المتوفرة بالعالم القروي وفي مقدمتها الأراضي السلالية وأكد على معطى مهم أيضا إعطاء أهمية للتكوين المهني في تأهيل الشباب وخاصة في القرى وضواحي المدن للإندماج المنتج في سوق الشغل والمساهمة في تنمية البلاد بل أكثر من ذلك أكد أنه لا ينبغي الإقتصار فقط على الفلاحة بل ينبغي الإهتمام أيضا بالسياحة القروية والتجارة والصناعات المحلية لتشجيع التشغيل الذاتي والدفع بعجلة التنمية، إذن نلاحظ أن جلالة الملك مباشرة بعد إعلانه عن فشل النموذج التنموي بدأ يرسم الخطوط العريضة للنموذج التنموي الجديد وفي خطاب افتتاح البرلمان لهذه السنة تم استكمال الرؤيا وأصبحت واضحة.
إضافة إلى إنعاش الإقتصاد الوطني والتنمية القروية، أكد جلالة الملك أعزه الله في خطاب افتتاح البرلمان لهذه السنة على تعميم التغطية الإجتماعية، لأنه في خطاب العرش لهذه السنة أكد جلالته أن أزمة كورونا كشفت عن نواقص في المجال الإجتماعي ومن بينها حجم القطاع الغير المهيكل وضعف شبكات الحماية الإجتماعية خاصة بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة وارتباط عدد من القطاعات بالتقلبات الخارجية، إذن فجلالة الملك في خطاب اليوم أكد أن تعميم التغطية الإجتماعية سيقوم على أربعة مكونات أساسية:
+تعميم التغطية الصحية الإجبارية، نلاحظ أن جلالته في خطاب العرش لسنة 2018 انتقد الوضعية الصحية ودعا لتصحيح نظام رميد؛
+تعميم التعويضات العائلية؛
+توسيع الإنخراط في نظام التقاعد؛
+تعميم الإستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل.
وبالتالي نلاحظ أن جلالة الملك يعطي رسالة واضحة أنه ستتم هيكلة الغير المهيكل.
وفي المقتطفات الأخيرة من الخطاب الملكي السامي أكد جلالته نصره الله وأيده أن نجاح أي خطة أو أي مشروع يبقى رهينا بإعتماد مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة وتغيير العقليات وهو نفس المعطى الذي أكده جلالته في خطاب العرش لهذه السنة إذ قال جلالته: »… ولبلوغ هذا الهدف، يجب اعتماد حكامة جيدة، تقوم على الحوار الاجتماعي البناء، ومبادئ النزاهة والشفافية، والحق والإنصاف، وعلى محاربة أي انحراف أو استغلال سياسوي لهذا المشروع الاجتماعي النبيل… ».
كما دعا جلالة الملك أعزه الله الحكومة لمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين في المناصب العليا لتحفيز الكفاءات الوطنية على الإنخراط في الوظيفة العمومية، وقد سبق أن أكد جلالة الملك حفظه الله على الكفاءة في التوظيف واعتبرها من مقومات نجاح النموذج التنموي الجديد،إذ في خطاب العرش للسنة الماضية دعا جلالته الحكومة لضخ دماء جديدة في العمل الإداري، وبإصلاح القطاع العام.
وفي آخر الخطاب أكد جلالة الملك على معطى مهم بأن المسؤولية مشتركة والنجاح إما أن يكون جماعيا لصالح الوطن والمواطنين أو لا يكون، وهذه المقاربة نهجها جلالة الملك محمد السادس نصره الله منذ إعتلائه عرش أسلافه المنعمين وهي المقاربة التشاركية، ونلاحظ أن جل الخطب الملكية السامية منذ حوالي 3 سنوات تؤكد على معطى الوطنية في نجاح المشاريع والبرامج إذ في خطاب افتتاح البرلمان لسنة 2018 شدد جلالته أن المغرب يحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى وطنيين حقيقيين دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم وإلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات،وفي خطاب ثورة الملك والشعب للسنة الماضية قال جلالة الملك أعزه الله : »… فالمسؤولية مشتركة، وقد بلغنا مرحلة لا تقبل التردد أو الأخطاء، ويجب أن نصل فيها إلى الحلول للمشاكل ، التي تعيق التنمية ببلادنا.
وهنا أقول، بأننا لا ينبغي أن نخجل من نقط الضعف، ومن الأخطاء، التي شابت مسارنا، وإنما يجب أن نستفيد منها، وأن نتخذها دروسا لتقويم الاختلالات، وتصحيح المسار… « .
الهوامش :
1-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011 بتاريخ 29 يوليوز 2011 الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *