الدولة القوية العادلة الان

علي الغنبوري

المتتبع الجيد للتدبير الحكومي لجائحة كورونا و ما تخلفه من انعكاسات سلبية على جميع مناحي الحياة المجتمعية ،سيلحظ بسرعة ، ان التخبط و العشوائية، هي السمة الغالبة و الطاغية على مختلف قرارت الحكومة المغربية ،التي تفتقر للسند و الانخراط الشعبي ،كما تعوزها الفعالية و النجاعة .

فغالبية الشعب المغربي تعبر عن عدم رضاها عن الاداء الحكومي و عدم شعورها باي جدوى من التدابير و الاجراءات التي تسنها الحكومة ، بل ان معظم قراراتها تظل حبرا على ورق ، غير قابلة للتنفيذ في ظل عدم انخراط المواطن المغربي في تنفيذها او الالتزام بها .

للاسف هذا الوضع و هذه الحالة ، التي دخلتها الحكومة المغربية ، لم تعد مسألة تقتصر عليها و على مكوناتها ، بل ان انعكاساتها باتت تطال الدولة في جوهرها و دورها كجامع و حاضن لكل مكونات الشعب المغربي .

المواطن المغربي لم يعد يشعر اليوم بالاطمئنان ، ولم يعد قادر على تمييز المسؤوليات ، فهو يرى انه ترك لحاله ، يواجه كل المصاعب و المشاكل و التحديات التي فرضتها جائحة كورونا على واقعه المجتمعي ، الذي بات يتأزم يوما عن يوم .

للاسف الحكومة و بعض مكوناتها غارقة في هواجس انتخابية محضة ،اصبحت الشعارات و الوعود و التنافس الانتخابي هو السمة التي تطبع عملها و تدخلاتها و قراراتها التدبيرية و التأطيرية للمجتمع.

و اذا كانت الحكومة هي تعبير عن الارادة الشعبية ، فانها تظل بشكل اساسي مؤسسة من مؤسسات الدولة ،و تخبطها و ارتباكها ، هو تخبط و ارتباك للدولة برمتها ، ينعكس عليها اولا و اخيرا ،و يقلص من هامش قدرتها على تأطير و قيادة المجتمع .

فوجود حكومة هشة و ضعيفة و غير قادرة على الفعل ،و على تصريف قراراتها ، و ضمان تطبيقها و انخراط المواطنين و التزامهم بها ، هو تهديد مباشر للدولة و لوجودها و لاستمرارها ، فقوة الدولة من قوة مؤسساتها .

و من هنا تبرز حاجة الشعب المغربي اليوم ، الى دولة قوية قادرة على تاطير المجتمع و قيادته ، في ظل انخراط الكل فيما يصدر عنها و ما تقوم به ، انطلاقا من مقومات النجاعة و الفعالية التي من المفروض ان تحدد مجمل ما يصدر عنها .

و قوة الدولة لن تكتسبها من قوتها الامنية او الزجيرية ، لكن ستكتسبها من عدالتها ،و قدرتها ،على نشر الاحساس لدى كل مكونات المجتمع ، بالاطمئنان و الرضى و القبول بقراراتها و اجراءاتها ، التي يرون و يلمسون فيها العدل و المنفعة العامة ، و ان الكل سواسية امام قوانينها و تشريعاتها ، و ان الكل قادر على العيش الكريم في كنفها .

قوة الدولة كذلك تبرز من خلال قدرتها على التدخل لمنع العبث و الاختلال الذي تتسبب فيه مكوناتها و مؤسساتها ، و حماية المواطنين و الحفاظ على اختياراتهم و امالهم و تطلعاتهم ، و محاصرة المخاطر المحدقة بالوطن ، الصادرة عن اي جهة كانت .

و هنا استحضر ما جاءت به مذكرة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بخصوص النموذج التنموي الجديد ، التي اكد فيها الحزب بكل وضوح مطالبته بضرورة ارساء نموذج للدولة يقوم على القوة و العدل ،حيث لا تكون فيه هذه الاخيرة مجرد « جهاز حارس  » يسمح للصراع المجتمعي و اقتصاد السوق بالتحكم بمصير البلاد ، فالدولة مطالبة بالفعل الناجع لحماية المجتمع و الدفاع عن مصالحه و خصوصا فئاته الهشة و الاكثر تضررا .

فالدولة لا يمكنها ان تظل حبيسة حسابات و هواجس بعض الفاعلين الذين ، اما لهم مصالح اقتصادية متوحشة ، او مصالح سياسية شوفينية تعلي مصالح المجموعات على الوطن ، فهي مطالبة اليوم وليس غدا بالاسراع بقطع الطريق عن هذه الطروحات و اعادة ترتيب الاوراق ،بما يضمن بناء النموذج الذي يعتز كل المغاربة بالانتماء اليه .

تدخل الدولة اليوم ، لا يعني باي حال من الاحوال اعتمادها على المقاربات الشمولية و القطعية ، و تعطيل مؤسساتها، و النقلاب على اختياراتها الديمقراطية ، بل بالعكس فتدخلها يجب ان يكون بهدف البناء السليم ، الذي يعزز الديمقراطية الحقة، المبنية على الشروط الموضوعية لقيامها و نموها ، و النابعة من الاختيارات الواضحة و غير المسوشة للمغاربة ، و بما يضمن الفعالية و النجاعة في تدبير شؤون المجتمع و انعكاسها على حياتهم ،و بما يضمن كذلك و يعزز قوة و مناعة الوطن .

فما خلفته و تخلفه جائحة كورونا من اسقاطات و انعكاسات سلبية و كارثية على الوضع المجتمعي المغربي ،لم تعد تسمح لاي هامش للتردد و التأخير ، فالمغاربة محتاجون الان الى بروز الدولة القوية العادلة ، القادرة على طمأنتهم ،و قيادتهم لتجاوز هذه المحنة المؤلمة .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *