“الديستي” ومواجهة جائحة كورونا.. مقاربة مبنية على اليقظة المستمرة والدقة والنظرة الإستباقية

البشير الحداد الكبير: المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني “الديستي” ومواجهة جائحة كورونا: مقاربة مبنية على اليقظة المستمرة والدقة والنظرة الإستباقية”

خلال فترة أزمة كورونا، برز الدور المحوري الذي تلعبه وزارة الداخلية في الحياة الوطنية،عبر مختلف مكوناتها وأجهزتها، فوزارة الداخلية ألقي على عاتقها مسؤوليتين، أولا الحفاظ على النظام العام، وثانيا تنظيم المواطنات والمواطنين،ولفهم الدور الذي لعبته المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني التي تعتبر جهاز مهم ضمن وزارة الداخلية، ارتأينا تقسيم هذا الموضوع لمبحثين:
المبحث الأول:التأطير القانوني والدستوري للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.

تعتبر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، جهاز إستخباراتي مدني تابع لوزارة الداخلية، تم إحداثه سنة 1973، إذ تعتبر من نتاج عبقرية جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، سنحاول جرد الإطار القانوني المنظم لهذه المديرية:
+الظهير الشريف 1.73.10(1)،المتعلق بإحداث المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، قد حدد في فصله الأول أن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني تلحق بوزارة الداخلية، وحدد مهمامها المتمثلة في السهر على صيانة وحماية أمن الدولة ومؤسساتها وتخضع لسلطة المدير العام، أما الفصل الثاني منه فقد حدد تركيبة هذه المديرية والمتمثلة في المدير العام وديوانه، والمصالح المركزية، والفرق المحلية.
+الظهير الشريف 1.73.652(2) المتعلق بإحداث المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، هذا الظهير عمل على نسخ الظهير الشريف 1.73.10 السالف الذكر، بحيث غير بعض المقتضيات كالإسم، بحيث لم تعد المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وإنما مديرية مراقبة التراب الوطني، وغير عبارة تلحق بوزارة الداخلية بعبارة تلحق بالمديرية العامة للأمن الوطني وذلك بموجب الفصل الأول منه، وقد حدد مهمتها في السهر على صيانة وحماية أمن الدولة ومؤسساتها، وتضم مصالحا مركزية وفرقا محلية حسب الفصل الثاني، وبقراءة للفصل الثالث منه، نجد أن هذه المديرية خاضعة لسلطة المدير العام الذي يعين بظهير، ومن مهامه تدبير شؤون الموظفين ويعتبر هو الآمر بدفع النفقات المقتطعة من الإعتمادات المرصودة لهذه المديرية،ويحدد بمقرر التنظيم الداخلي للمصالح المركزية والفرق المحلية وقواعد تسييرها وإختصاصاتها.

ونجد أن موظفين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، يخضعون بدورهم لظهير الوظيفة العمومية(3)، كما يمنع عليهم الإنتماء لأي حزب سياسي أو منظمة نقابية،ومن واجبهم الإلتزام بالسر المهني وبأخلاقيات الوظيفة.
+الظهير الشريف 1.09.213(4) المتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفيها،بالرجوع لهذا الظهير وبالضبط في الفصل 27 منه، نجد أن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني تسري عليها أحكام الظهير الشريف 1.73.652 السالف الذكر ولا تخضع للمديرية العامة للأمن الوطني، وبالتالي يستشف من هذا الفصل أن إدارة مراقبة التراب الوطني، مستقلة تماما عن إدارة الأمن الوطني وغير خاضعة لها، لأنه لا يمكن أن نجد المدير العام لمراقبة التراب الوطني خاضعا للمدير العام للأمن الوطني، فكلاهما مسؤولين عن مؤسستين أمنيتين إستراتيجيتين، ومعينين بظهير.

+القانون 35.11(5) المغير والمتمم لقانون المسطرة الجنائية،إذ بواسطة هذا القانون، تم الخروج بالمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني من السر إلى العلن، وتم إضفاء الصفة الضبطية القضائية على المدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني وولاة الأمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباطها بهذه الإدارة، فيما يخص الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية.
+مرسوم 2.19.1086(6)،حدد في مادته الثالثة التنظيم الهيكلي لوزارة الداخلية، ومن خلال هذا المرسوم، تم التوسيع من صلاحيات المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، إذ بالرجوع لهذا المرسوم نجد أنه أسندت إلى المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني مهام، تتمثل في جمع المعطيات والمعلومات المتعلقة بالظواهر السوسيو-اقتصادية، التي من شأنها المساس بالسيادة الوطنية وبالنظام العام وبمؤسسات الدولة وبكافة المصالح الوطنية وإخضاعها للتحليل.

وبحسب ذات المرسوم، فإنه أصبح من مهام هذه المديرية أيضا تدبير مجال التقنين المتعلق بشرطة الحدود وإقامة الأجانب، فضلا عن تدبير المعطيات البيومترية والإشراف على تسيير مراكز التوثيق والوثائق التعريفية.

بالرجوع للوثيقة الدستورية الصادرة سنة 2011 (7)،نجد أن المسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي،يتم تعيينهم في المجلس الوزاري بإقتراح من رئيس الحكومة وبمبادرة من الوزير المعني حسب مقتضيات الفصل 49 من دستور 2011،وعليه فالمدير العام لمراقبة التراب الوطني يتم تعيينه بظهير في المجلس الوزاري، كما أن دستور 2011 جاء بمؤسسة جديدة لم تكن في الدساتير السابقة، وهي المجلس الأعلى للأمن، الذي من بين مهامهم السهر على مسأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة.

المبحث الثاني :دور المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في تدبير جائحة كورونا

لفهم النجاعة التي تتسم بها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، لابد من دراسة عن الأسباب التي جعلتها تصل لهذه النجاعة والدقة والحكمة،فمنذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه الميامين، عمل على تبني نمط جديد في الحكم، وحاول تغيير طريقة اشتغال المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، إذ قام بتغيير مديرها، وتعيين مدير جديد، كما أن أحداث 16 ماي 2003 بمدينة الدار البيضاء، سرعت في إحداث تغييرات جوهرية في هذا الجهاز الأمني،فجلالة الملك أعزه الله قام بإضفاء صبغة جديدة على عمل هذه المؤسسة الأمنية.

ووبالرجوع لدستور 2011،نجد أن المشرع الدستوري كان دقيقا في تبويبه للدستور، فقد دستر مؤسسة “المجلس الأعلى للأمن” في الباب الثالث المعنون ب”الملكية” ولم ينص عليه في باب “السلطة التنفيذية” ،وكأن المشرع الدستوري،يحاول إيصال فكرة مفادها، أن المؤسسة الملكية هي من تسهر على إعطاء التوجهات في السياسات الأمنية، بل أكثر من ذلك أنه يعطينا فكرة أخرى مفادها أن المؤسسة الأمنية بمختلف أنواعها خاضعة للمؤسسة الملكية وغير خاضعة لأية مؤسسة دستورية، وهذا شيئ طبيعي خصوصا أن الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية بموجب الفصل 53 من دستور 2011 ورئيس أركان الحرب العامة، ثم كذلك أن الملك هو رئيس الدولة حسب الفصل 42 من الدستور، كما أن منصب المدير العام لمراقبة التراب الوطني، يتطلب أن يتوفر في الشخص قبل سؤال الكفاءة، أن يكون ملكيا بمعنى مخلصا لشعار المملكة المتمثل في الفصل الرابع من الدستور :الله، الوطن، الملك.

وعليه،فقد عملت المؤسسة الملكية على تطوير مؤسسة المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وتكريس قيم الحكامة الجيدة في هياكلها وفروعها، وضمان تنفيذ المفهوم الجديد للسلطة، كما أنها طورت من أساليب إشتغال هذه المؤسسة الأمنية.

إن تعيين جلالة الملك حفظه الله للسيد عبد اللطيف الحموشي على رأس المديرية العامة للأمن الوطني سنة 2015،يحمل دلالة مهمة، مفادها ضمان التنسيق الأمني بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للأمن الوطني،وهذا التعيين أعطى أكله وَثماره، وإنعكس بشكل إيجابي على مردودية المؤسستين، كما تم تعزيز هذا التنسيق والتعاون بتأسيس مؤسسة جديدة تابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وهي “المكتب المركزي للأبحاث القضائية.
وفي سنة 2018، قام جلالة الملك حفظه الله بتدشين معهد للتكوين التخصصي بمقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وتأتي هذه الزيارة الملكية في إطار العناية السامية وسابغ العطف الذي ما فتئ يوليهما جلالته لأطر وموظفي المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وذلك من أجل تحديث وعصرنة هذه المؤسسة الأمنية.

يلاحظ أنه في فترة كورونا، أن وزارة الداخلية لم يقتصر عملها على تنظيم المواطنات والمواطنين، بل ظلت أيضا يقظة عبر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والتنسيق الأمني مع مختلف الجهات الأمنية الأخرى، وسياسة التنسيق الأمني أعطت أكلها، خصوصا في فترة كورونا، فقد تم تفكيك العديد من الشبكات الإجرامية في مجال المخدرات، ويلاحظ أنه في إطار المقاربة التشاركية والشفافية التي تنهجها المديرية العامة للأمن الوطني، في كل عملية تقوم بها، تشير إلى المجهود الأمني الذي تقوم به المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وذلك من خلال ذكر في البلاغات عبارة “على أساس معلومات إستخباراتية وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني”،فالتنسيق الأمني في فترة كورونا، أظهر جودته وفعالية الخدمات الأمنية، وبفضل يقظة هذه المؤسسة الأمنية وتبنيها لأسلوب “النظرة الإستباقية” إستطاعت أن تواجه الشبكات الإجرامية في مجال المخدرات، وكذا النصب على المواطنات والمواطنين، وشبكات التزوير، بالإضافة إلى مواجهة محترفي النقل السري بين المدن حتى لا يتم تفشي الفيروس، ورغم أن الظرف صعب خصوصا حالة الطوارئ الصحية،وإنشغال المصالح الأمنية بتنزيل المقتضيات القانونية لمواجهة فيروس كورونا،إلا أن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ظلت على يقظة تامة ومستمرة لتواجه كل ما من شأنه أن يخل بالنظام العام وكذا للتطبيق السليم لحالة الطوارئ الصحية.

وفي إطار تفكيك الشبكات الإجرامية المتعلقة بالمخدرات والتهريب الدولي، تم تفكيك شبكة أحد عناصرها ضابط بالمديرية الجهوية لمراقبة التراب الوطني بطنجة،المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني من خلال إعتقاله ووضعه تحت الحراسة النظرية، تريد إيصال فكرة مفادها أن القانون فوق الجميع، والجميع ملزم بإحترامه حسب مقتضيات الفصل السادس من الدستور، بل أكثر من ذلك أرادت إيصال فكرة مهمة أنه لا فرق بين موظفيها وعموم المواطنات والمواطنين في تطبيق القانون، لا مجال الإستثناء، وقامت بالتطبيق الصارم لمقتضيات الفصل الأول من الدستور الجديد، والمتمثلة في ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وفي الختام،إن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بتبنيها لمبادئ الحكامة الجيدة ومنطق التعاون والتنسيق الأمني، أفرزت لنا نتائج إيجابية في فترة كورونا من خلال الحفاظ على النظام العام وضمان سلامة المواطنات والمواطنين، وكما قال جلالة الملك حفظه الله في خطاب العرش لسنة 2016:”…كما أؤكد على ضرورة التنسيق بين المصالح الأمنية، الداخلية والخارجية، ومع القوات المسلحة الملكية، بكل مكوناتها، ومع المواطنين. فالكل مسؤول عندما يتعلق الأمر بقضايا الوطن…”،وفي خطاب العرش 2018 قال جلالته:”…فالمغرب هو وطننا، وهو بيتنا المشترك،ويجب علينا جميعا،أن نحافظ عليه، ونساهم في تنميته وتقدمه…”.

الهوامش:
1-ظهير شريف 1.73.10 الصادر في 12 يناير 1973،المتعلق بإحداث المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
2-ظهير شريف 1.73.652 الصادر في 2 يناير 1974 والمتعلق بالمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 3194،بتاريخ 16 يناير 1974،الصفحة: 101.
3-ظهير شريف 1.58.008 الصادر في 24 فبراير 1958 المتعلق بالقانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 2372،بتاريخ 11 أبريل 1958،الصفحة: 914.
4-ظهير شريف 1.09.213 الصادر في 23 فبراير 2010،المتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5817،بتاريخ 1 مارس 2010،الصفحة: 611.
5-ظهير شريف 1.11.169 الصادر في 17 أكتوبر 2011 بتنفيذ القانون 35.11 القاضي بتغيير وتتميم القانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5990،بتاريخ 27 أكتوبر 2011،الصفحة: 5235.
6-مرسوم 2.19.1086،الصادر في 30 يناير 2020،المتعلق بإختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6854،بتاريخ 6 فبراير 2020،الصفحة: 621.
7-ظهير شريف 1.11.91 الصادر في 29 يوليوز 2011 بتنفيذ دستور 2011،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر ،بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *