المهدي الزوات
بعيدا عن الانتماءات الكروية “ودادي، رجاوي، …”، فإن ما نعيشه اليوم هو كارثي بكل المقاييس.
تخيل، جمهور فريق يراسل الفيفا يطلب منها التدخل لإسقاط خصمه الذي ينتمي لمدينته ووطنه من بطولة قارية يمثل فيها المغرب.
لن أعطي مثالا بالدول الغربية التي تفرقنا بها مسافة سنوات ضوئية على جميع الأصعدة، لكن سأكتفي بدولة تونس التي نتقاسم معها ومع شعبها الكثير من الخصائص والخصوصيات، وكيف أن مباراة فريق تونسي تعرف مساندة جماهير كل الفرق الأخرى خلال المنافسات القارية.
للأسف بلغنا من انعدام الوطنية وانعدام حب الآخر ما يكفي لنحكم على أمتنا أنها تفككت وانحلت أخلاقها وانحط ذوقها العام.
استطعنا ولله الحمد أن نصنع جيلا دون مشاعر ودون انتماء، جيل لا يهمه سوى مصلحته حتى وان كانت صغيرة لإشباع رغبة تافهة على حساب شيء كبير يتعلق بمصلحة الوطن.
المثال الذي تطرقت له يمكن أن يظهر، من خلال نظرة سطحية، على أنه تافه ودون قيمة، لكن التعمق فيه وفي الأسباب والعوامل التي أدت إلى حدوثه يحيلنا على الوضعية الكارثية لهذا الجيل فيما له علاقة بالهوية والإنتماء.
الارتباط بالهوية، بالوطن وبالمحيط الذي نعيش فيه أصبح منعدما، بل صار التفكير فيه أو التمسك به يعتبر عند البعض، ممن يعتبون نفسهم حماة الحداثة، تخلفا ورجعية وخروج عن قطار “التطور” و”النماء” فتفاقم الوضع وازداد الحاضر كارثية أكثر من الماضي، والأكيد أن المستقبل سيكون أبشع إذا ما استمر الحال على ما هو عليه.
فحتى الجيل الجديد من الآباء تبنى توجها منفتحا دون ضوابط، وانشغل بالغطس في بحر مواقع التواصل الاجتماعي وترك ابنائه لتربية اليوتوب.
وللطبقة السياسة أيضا دور في ذلك، فانعدام القادة الحقيقيين الذين بإمكانهم إعطاء دروس تطبيقية في الوطنية والإنتماء له تأثير مباشرة في إنتاج جيل من المتنكرين لوطنهم، فإنتهازية السياسي وتعامله مع المواطن والوطن حسب منطق المصلحة و”الگميلة”، يقتل في الطفل واليافع الرغبة في الإنضمام للوطن والمجتمع، ومع توفر مواقع التواصل الإجتماعي وما تتيحه من سهولة التواصل مع باقي المجتمعات، فإن الشاب يجد متنفسا افتراضيا يعوض به وسطه الحقيقي فلا تربط به إلا التواجد الجسدي الخالي من الروح ومن العواطف.
نحتاج اليوم إلى نهضة وطنية حتى شوفينية اذا اقتضى الأمر لنعيد روح الانتماء للشباب الحالي ولنتفادى تكرار الكارثة مع القادم من الأجيال. وإلى ثورة فكرية حقيقية تجعل الرفع من الوعي هدفا لها وسلاحا تسلح به ما سيأتي من أجيال ليكونوا نفسهم حماة للوطن وضامنين لاستقراره.
ولأجل ذلك وجب على الكل أن يضع حساباته الشخصية والفئوية جانبا، ولنفكر جميعا في شيئ اسمه الوطن.