“الشركي”.. تمرين عسكري مغربي فرنسي يعصف بالثوابت الهشة للنظام الجزائري

بقلم: بكار السباعي

ليس من عادة من يملك يقينا تاريخيا في شرعية حدوده أن ينزعج من المصطلحات العابرة أو التلميحات غير المباشرة، غير أن النظام الجزائري أظهر حساسية مفرطة تجاه تمرين عسكري مشترك بين المغرب وفرنسا، تحت إسم “الشركي”. هذا التوجس، الذي بدا غير مبرر، كشف عن قلق دفين يعتري الجزائر تجاه ملف الحدود والصحراء الشرقية، وهو قلق لا يثيره سوى من يدرك أن في ماضيه ما يخشى إيقاظه.

“الشركي” في المغرب ليس سوى مصطلح جغرافي ومناخي بحت، يحيل إلى الرياح الشرقية الجافة التي تهب من الصحراء نحو الداخل المغربي، وهي ظاهرة طبيعية مألوفة في المنطقة. ومع ذلك ، لم يتردد الإعلام الجزائري في تأويل التسمية على نحو سياسي ، معتبرا أنها تحمل دلالات خفية تتصل بموقع الصحراء الشرقية، تلك الأراضي المغربية التي إقتطعتها فرنسا وألحقتها بالجزائر زمن الاستعمار . هذه الحساسية المفرطة ليست سوى إنعكاس لمخاوف متجذرة لدى النظام الجزائري، نظام يدرك أن هذا الملف لم يطو نهائيا، وأن المغرب، وإن انشغل بقضاياه الاستراتيجية، لا يزال يحمل في وجدانه وذاكرته حقوقا تاريخية لا تقبل النسيان ولا التقادم.

مناورات “الشركي” ، لم تكن سوى جزء من التعاون العسكري المغربي الفرنسي، والذي يهدف إلى تعزيز القدرات العملياتية الميدانية للقوات المسلحة الملكية، وتحقيق تكامل بين الأنظمة الدفاعية للبلدين. غير أن النظام الجزائري، الذي يرى في كل تحرك مغربي تهديدا ضمنيا، لم يستطع إخفاء ارتباكه أمام هذه التسمية. فحيثما وجدت إشارة، ولو رمزية، إلى الشرق، تنبعث هواجس عسكر الجزائر ، والذي لم ولن يتخلص من عقدة حرب الرمال ، تجاه الحدود التي رسمها الإستعمار، والتي لم تستند إلى أي منطق تاريخي أو شرعي.
ختاما ، الخوف وحده ، من إعادة فتح ملف الصحراء الشرقية ، هو ما يفسر ردود الفعل المتوترة للنظام الجزائري.

فالجزائر، وإن إدعت أن حدودها “مقدسة”، تدرك في قرارة نفسها أن هذه القداسة مصطنعة، وأن ما بني على باطل لا يتحصن بالصمت أو الإنكار. وإذا كان المغرب لم يجعل من هذا الملف أولوية، فإنه لم يتخل عنه، لأنه جزء من تاريخه ومن حقوقه التي لا تسقط بالتقادم. ومن هنا، فإن استفزاز الجزائر من مجرد اسم تمرين عسكري ، ليس سوى إنعكاس لهاجس دفين من أن يأتي يوم يفتح فيه ما ظنته قد طوي إلى الأبد.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في قضية الصحراء المغربية
نائب رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية