الشعب الجزائري من المطالبة بالغداء إلى البحث عن الماء الشروب

محمد بوبكري

لقد عانى الشعب الجزائري طويلا من غياب الحرية والديمقراطية والحرمان من الحقوق الاجتماعية، بما في ذلك الحق في التعليم والتطبيب والتشغيل والسكن …

ولقد أصبح يعاني اليوم من العطش الذي ضرب مدن الجزائر وقراها، بما في ذلك الجزائر العاصمة والقرى المحيطة بها، والحال أن الجزائر قد دخلت في فترة الصيف التي يمكن أن تمتد إلى غاية 21 شتنبر، وفترة موسم الصيف تمتد أربعة أشهر في أغلب مناطق البلاد، ويدوم ستة أشهر في ولايات الجنوب ابتداء من « غرداية » إلى جنوب البلاد، حيث يبتدئ في منتصف أبريل، وينتهي في منتصف نونبر.

هكذا، فإضافة إلى المشاكل السياسية والاقتصادية التي تعيشها الجزائر، أصبحت الجارة تعاني من مشكلة العطش التي مست مدن الجزائر وقراها، فبدأت ندرة المياه تشكل مشكلة عويصة، إذ ليست هناك حياة بدون ماء.. كما أن ندرة المياه تشجع على انتشار الأمراض والقذارة والأوبئة في المدن، حيث ستصعب الحياة، وتتحول إلى جحيم نتيجة العطش، وعدم توفر الماء لتنظيف الفضاءات والأبدان. ولا يعود ذلك إلى افتقار الجزائر إلى المياه الجوفية، ولا إلى انعدام سقوط الأمطار، أو الغياب المطلق للسدود… وإنما يعود إلى سوء التسيير السياسي والإداري للجنرالات واستبدادهم، واحتقارهم للشعب الجزائري وتسلطهم عليه…

ونتيجة كارثة العطش التي يعاني منها الشعب الجزائري اليوم، فقد شاهد الجزائريون صورا وفيديوهات لسكان ولاية « بلعباس »، دائرة « البرد »، ينتظرون في طوابير لمدة طويلة وصول شاحنات تنقل إليهم شيئا من الماء الذي صارت ندرته تهدد حياتهم هناك. أضف إلى ذلك أنه قد تمضي أيام، وربما أسابيع، بدون أن تزود شاحنات نقل الماء سكان هذه الدائرة بلتر واحد منه.

ونتيجة للعطش، فقد عرفت الجزائر – العاصمة احتجاجات وتظاهرات في منطقة « قهوة شرقي » الفاصلة بين « برج الكيفان » و »برج البحري »، حيث أدت حدة الغضب والمظاهرات والمسيرات إلى تعطل حركة السير، كما رفع المحتجون شعارات مناهضة لنظام العسكر. وكان ذلك بسبب المشاكل المشار إليها أعلاه، حيث يتم تزويد هذه المنطقة بالماء لمدة نصف ساعة أو ساعة واحدة على الأكثر، وبعد ذلك يُقطعُ الماء عن سكانها البسطاء لعدة أيام، وأحيانا يستغرق الانقطاع أسابيع. وليس بعيدا عن هذه القرية، توجد قرية « بني مسوس »، التي توجد بها مراكز عسكرية كثيرة ومراكز عديدة للمخابرات، كما توجد بها إقامات ضخمة لحكام الجزائر. وغير بعيد عنهما يوجد « نادي الصنوبر » في المنطقة الخضراء، التي يوجد فيها كذلك  » بن عكنون ».

وما دامت هذه المناطق كلها يقطن بها حكام الجزائر، الذين يمتلكون فيها إقامات ضخمة تحتوي على حدائق فسيحة ومسابح، كما أن بعض الجنرالات يمتلكون ضيعات شيدوا عليها إقاماتهم الكبيرة. وما دام الأمر كذلك، فإن هؤلاء الحكام يستأثرون بكل المياه لسقي حدائقهم وضعياتهم وملء مسابحهم، التي لا ينقطع إمدادها بالمياه، ما يستوجب قطع الماء على بسطاء الجزائريين المقيمين في تلك المناطق، حيث يلتهم الحكام حق الجزائريين البسطاء في الماء من أجل سقي ضيعاتهم وحدائقهم، على حساب تلبية حاجة الجزائريين من الماء، ما جعل المواطنين يتظاهرون غضبا احتجاجا ضد العطش وما ينجم عن النقص في الماء من مشاكل ومخاطر، كما أنهم يطالبون بالحق في الماء.

ونظرا لتراكم المشاكل الناتجة عن سياسة الإقصاء والتهميش والعنف التي ينهجها الجنرالات الذين ما يزالون مستمرين في غيهم الناجم عن احتقارهم للشعب الجزائري عبر رفض الانصات إلى مطالبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن الجزائريين قد أجمعوا على مقاطعة الانتخابات الأخيرة التي نظمها الجنرالات، ما اعتبره الرأي العام الدولي هزيمة لحكام الجزائر، حيث خلقت هذه المقاطعة مشاكل لحكام الجزائر، الذين لا يشتغلون بكونهم مؤسسة، وإنما يشتغلون بأسلوب العصابة، ما جعل الشعب الجزائري ورموز الحراك يرفعون شعار: « لا انتخابات مع عصابة الجنرالات »، حيث استطاع الحراك الشعبي السلمي أن يدرك باكرا أن الحكام سيزورون هذه الانتخابات، الأمر الذي حدث فعلا، ونتجت عنه صراعات بين مختلف أجنحة الجنرالات حول الإعلان عن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، فتأخر ذلك لمدة أربعة أيام بعد إغلاق مكاتب التصويت. وبعد ذلك أعلنوا فقط عن عدد المقاعد المحصل عليها من قبل الأحزاب الموالية للعسكر، التي شاركت في الانتخابات، ورفضوا الإعلان عن نسبة الأصوات المحصل عليها من قبل كل حزب، خوفا من أن يعرف الرأي العام نسبة المشاركة التي كانت هزيلة جدا، لأن الإعلان عن هذه النتائج، سيقدم حجة دامغة على عدم شرعية « برلمان الجنرالات ».
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الخبراء الجزائريين قد قاموا باحتساب نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، واستنتجوا أنها بلغت فقط المليونين، ما فضح كذب الجنرالات، وجعلهم في ورطة أمام الشعب الجزائري، الذي انتصر عليهم، وصار أكثر تمسكا باستمرار الحراك الشعبي السلمي الحضاري…

ويرى بعض الخبراء الجزائريين الذين يعرفون جيدا عقلية العسكر أن هؤلاء لما شعروا بهزيمتهم أمام الحراك السلمي، قرروا نهج أساليب الاستفزاز للدفع بالحراك إلى القيام بردود فعل عنيفة… لذلك يدعو هؤلاء الخبراء الحراك الشعبي إلى التمسك بالحراك السلمي، لأن ممارسة العنف هي اللعبة المفضلة من قبل جنرالات الاستبداد والتسلط، لأن العنف لا يجدي نفعا مع شراسة الجنرالات ووحشيتهم، بل إن الأساليب السلمية نهج حضاري يهزمهم ، لأنهم لا يستطيعون القيام بممارسة العنف باستمرار ضد الحراك السلمي، لأن الرأي العام الدولي أشاد بسلمية الحراك، والجنرالات يخافون من ردود فعل هذا الرأي، التي تدفع القوى الدولية للتدخل لوضع حد لأساليب العنف التي ينهجها الجنرالات ضد الشعب الجزائري الذي اختار النهج السلمي لبناء دولة مدنية ديمقراطية.

هكذا، فقد حقق الحراك الشعبي السلمي مكتسبات عديدة، حيث حصل على اعتراف وسند دوليين، كما أن هناك صحف دولية كبيرة عديدة قد قامت بتعرية عنف الجنرالات وإدانته.. وهذا ما يشكل دعما نفسيا لاستمرار الحراك السلمي الحضاري.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *