يُحدث الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية منافسة جديدة في مسرح الأحداث الجيوسياسية، حيث ترفع الصين حصص النشر السريع لشبكة الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية، والولايات المتحدة تضغط للحفاظ على السيطرة على شبكتها وتطبيقاتها، حيث جعلت الصين الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية كأولوية، واصفةً إياها بأنها “التكنولوجيا الرئيسية” في إطار الخطة الخمسية الثالثة عشر.
لماذا الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية مهم؟
ينبغي النظر في أهمية الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية لفهم استثمارات الصين في هذا المجال، حيث ستجلب العديد من الميزات الجديدة، على غرار الأجيال السابقة من تكنولوجيا الهاتف المحمول التي تضمنت تطورًا رئيسيًا واحدًا، سيؤدي ذلك إلى زيادة سرعة الاتصال على نطاق واسع للشبكات اللاسلكية بما يصل إلى 100 مرة أسرع من الجيل الرابع من التقنيات اللاسلكية، بالإضافة إلى ذلك سيسمح أيضًا باتصال سريع جدًا بالجهاز، مما يوفر اتصال فوري دون انقطاع، ومدة الاتصال سريعة للغاية.
يدور الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية حول قدرته المعززة وتطبيقاته الثورية على المدى القصير والمتوسط، حيث أنها سيعمل على تعزيز العديد من التقنيات الرئيسية للثورة الصناعية الرابعة، مثل انترنت الأشياء والمدن الذكية والزراعة الذكية والجراحة عن بُعد -الواقع الافتراضي- الذي سيكون له آثار أبعد من البعد التكنولوجي.
على الصعيد الاقتصادي يمكن لشركة الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية أن تطلق مزايا تنافسية كبيرة على المدى القصير والمتوسط، وعلى الصعيد العالمي ستنتج 12.3 تريليون دولار من المخرجات الاقتصادية وتدعم 22 مليون وظيفة بحلول عام 2035.
ومع ذلك سيُحدث الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية مخاوفًا تتعلق بالأمان والخصوصية؛ نظرًا لأن الصناعات الحساسة مثل السيارات ذاتية التحكم والصناعات في مجال الصحة والعمليات الصناعية أصبحت أكثر اعتمادًا على الاتصال اللاسلكي، فإنها ستصبح أيضًا أكثر عرضة للتهديدات السيبرانية. قد تتحول هذه المخاطر إلى حقيقة واقعية مثل التخريب عن بُعد للأجهزة الطبية أو محاولة بعض المتسللين إتلاف أو تدمير شبكة الكمبيوتر أو نظام السيارات الإلكترونية.
هذا يخلق حاجة أكثر من أي وقتٍ مضى لاتخاذ تدابير أمنية قوية، بالإضافة إلى ذلك وجد الباحثون أن بروتوكول الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية المعروف باسم المصادقة والاتفاق الأساسي لا يزال يمثل أوجه قصور في الأمان، وهذا يعني أن هناك تحديات تواجه الأمن القومي في سرقة أو تخريب البيانات الحساسة.
الصين والجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية
تحاول الصين المضي قدمًا في سعيها إلى حوزة ملكية تقنية الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية، بهدف إطلاقها تجاريًا في عام 2020، وفي عام 2018 قامت ببناء شبكة تجريبية تضم 350،000 موقع خلوي، ستستمر في التوسع في عام 2019، وبحلول عام 2025 بعد استثمار قدره 400 مليار دولار ستمتلك البلاد أكبر متجر إلكتروني من الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية و430 مليون شخص سيكون قادرًا على استخدامه.
كانت شركة هواوي الصينية هي رائدة في هذا الصدد؛ الشركة بالفعل رائدة وتعتبر رمزًا للتقدم الصيني في مجال الابتكار وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، في عام 2018 تفوقت على أبل باعتبارها ثاني أكبر بائع للهواتف الذكية، ومن المتوقع أن تتفوق على متجر سامسنج في السوق بحلول عام 2020.
تتطلع هواوي إلى لعب دور مركزي وأساسي لجعل الصين هي التي تحديد مستقبل الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية، وقيام الشركة بتزويد جميع أنحاء العالم بالبنية التحتية اللاسلكية للجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية، كما نشير إلى أن هواوي ليست منقادة لدولة، ومع ذلك -مثل أي شركة صينية أخرى- من المتوقع أن تتعاون مع المخابرات العامة في العمل وفقًا للمادة 7 من قانون الاستخبارات الوطني.
في السنوات الأخيرة استثمرت هواوي بكثافة تقنيات الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية الحاصلة على براءة اختراع، حيث أنها وظّفت خبراء دوليين، ومارست الضغط في المجموعات الصناعية لتحديد معايير جديدة للأداء وقابلية التشغيل البيني، هذه المعايير سوف تحدد مقدار تدفق الأموال القادمة من مدفوعات الإتاوات (الملكية).
مخاوف بشأن التكنولوجيا
أثارت هيمنة وسلطة الصين بامتلاكها تقنية الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية مخاوف نظرائها الغربيين؛ لقد جلبوا هذه المسألة إلى الساحة السياسية والقضائية في ظل مخاوف من عمليات النقل الفكرية والتكنولوجية، وفقدان التأثير على تعريف المعايير، وفي يناير الماضي كشفت الولايات المتحدة عن عريضة اتهام وجهت إليها 23 تهمة جنائية بتهمة التآمر ضد شركة هواوي ومديرها المالي منغ وانزهو، الذي اعتقل في كندا في ديسمبر، ادّعت لوائح الاتهام أن هواوي انتهكت وسرقت الملكية الفكرية.
في أغسطس منعت استراليا شركة هواوي وشركة تشونغشينغ من توفير تقنية الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية، مشيرةً إلى المخاوف الأمنية.
حذت نيوزيلندا حذوها في نوفمبر الماضي في أوروبا، كما أعرب كلٌ من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وبولندا وجمهورية التشيك أيضًا عن مخاوفهم وقالوا إنهم يفكرون في حظر شركة هواوي.
لقد تحدثوا جميعهم عن مخاطر تدخلات الدولة خارج نطاق القضاء، ومع ذلك تُصر هواوي على أن الحكومة الصينية أو مسؤولي المخابرات لم يعطوا تعليمات أو معطيات للبيانات.
مشاكل قبل عصر رقمي جديد
ترى الصين أن هذا الحظر يمثل هجومًا على مصلحتها الاستراتيجية الوطنية، لأن استبعاد موردي الشبكات الصينيين من الأسواق المتقدمة الرئيسية سيؤثر على مصلحتها التجارية.
كما أعرب سفير الصين لكندا قائلاً في سياق النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين: من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى اتخاذ إجراءات انتقامية من الصين ضد الدول التي تحظر التكنولوجيا على المدى القصير والمتوسط.
على سبيل المثال يمكن للصين إلغاء التعاون العلمي الحالي بين الاتحاد الأوروبي والصين أو إيقاف المبادرات المستقبلية في هذا المجال، حيث يمكن أن تضع حواجز تجارية جديدة، مثل القيود الأخيرة على الفحم الاسترالي الذي من المحتمل أيضًا أن تبطئ بكين طرحها الحالي لتدابير تسهيل الاستثمار الأجنبي، أو تضع عقبات جديدة أمام شركات التكنولوجيا الأجنبية العاملة في الصين، كما فعلت مع حظر طِراز أيفون القديم كجزء من دعوى براءات الاختراع بين أبل وكالكولم.
كما يمكن أن يؤدي الحظر المفروض على التكنولوجيا الصينية إلى ارتفاع التكاليف على البائعين البديلين أو انخفاض أداء الشبكات، وعلاوةً على ذلك إذا أدت المنافسة السياسية إلى نظام مقسم للبنية التحتية للجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية، فقد يواجه المستخدمون والمشغلون مشاكل في التشغيل البيني والتكاليف المرتفعة الناتجة عن المعاملات ونقص الجداول الاقتصادية.
الخاتمة
في الختام؛ على الرغم من أن هواوي حققت تطورات مهمة في تقنية الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية، فهي لم تحتكره، حيث لا تزال الشركة تتنافس مع شركات عالمية مثل انتل ونوكيا وإركسن وسك تيلكم، كما أنها تساهم في تحديد المشهد الحالي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلى جانب ذلك ستتخذ الحكومات الغربية المزيد من الخطوات لتجنب انتهاك المعلومات.
من ناحية أخرى؛ ستسعى الصين بالتأكيد إلى مزيد من النفوذ في هذا المجال، ومع ذلك، وبسبب السيناريو التنافسي للغاية والعقبات التي تعترض التكنولوجيا الصينية، من غير المرجح أن تستطيع الصين هيمنة وامتلاك التكنولوجيا المدعومة من قبل الجيل الخامس من التقنيات اللاسلكية.