العدالة والتنمية .. الرهان الخاسر

علي الغنبوري

عديدون هم من راهنوا على حزب العدالة و التنمية، كحصان رابح في معركة الاصلاح و التطور الديمقراطي ببلادنا ، بالغائهم لكل التناقضات و الاختلافات الفكرية و الايديولوجية مع هذا الحزب، و اخفاء الثقوب السوداء و علامات الاستفهام التي تلف فكره و برنامجه المجتمعي ، معتقدين او جازمين بكونه الاداة التنظيمية و الحزبية القادرة على حمل فكرة الديمقراطية، في مغرب اليوم.

لا يهم اؤولائك العديدون الذين دفعوا بالرهان على العدالة و التنمية، بقدر ما يهم ذلك الجزء من هذا الكل الذي من المفروض انه يحمل « قيما » ديمقراطية و فكرا « حداثيا » و اصلاحيا، فهم بخلاف العدميين و الاسلاميين و اليمنيين، كانوا ابناء مدارس اصلاحية و ديمقراطية، خبروا معنى الفكر الديمقراطي، و عرفوا ان حمل هذا الفكر يحتاج الى مؤمنين حقيقيين بالديمقراطية .

هؤلاء « الديمقراطيون »، هم من يطرح عليهم السؤال اليوم، حول الرهان الذي خاضوه، و حول مألاته، و انعكاساته على الفكرة الديمقراطية و تطورها، و عن الخسائر التي الحقوها بالصف الديمقراطي بالبلاد، فرهانهم على العدالة و التنمية لم يكن رهانا سلميا او محايدا، بل كان رهانا هداما و صداميا، الغو فيه كل الطروحات المخالفة و المواجهة لنهجهم و ايمانهم الجديد، حيث لعبوا دور كاسحة الغام لفائدة العدالة و التنمية، يزيلون من طريق هذا الحزب كل الاراء و التوجهات المخالفة له، و خاصة في الصف الديمقراطي .

فهم تحولوا الى رهبان و كهنة، يوزعون صكوك الشرعية و النضال، على كل الفاعلين السياسيين بالبلاد ، بالاعتماد على اختلافهم من عدمه مع حزب العدالة و التنمية، حيث كانوا في الصفوف الامامية لمعركة اضفاء الشرعية الديمقراطية و النضالية على هذا الحزب.

وخرجاتهم و نقاشاتهم، كانت تحمل طابع الجزم و الاطلاق، في جعل حزب العدالة و التنمية جديرا بحمل لواء الفكرة الديمقراطية بالبلاد، حيث تابعنا كيف انبرى هؤلاء للطعن في اخوانهم و تسفييه الاطارات الديمقراطية بالبلاد، و تشويه صورتها، و محاولة قتلها و دفنها، و كيف حولوا المرجعية المتزمتة و اللاديمقراطية لهذا الحزب، الى عنصر جذب و استقطاب و إلتفاف.

ليس المطلوب اليوم، نصب المشانق لهؤلاء، و الطعن فيهم او الشماتة، بل المطلوب هو ان يعترفوا بما قاموا به، و يتحلوا بالشجاعة الفكرية و النضالية و يمارسوا النقد الذاتي بخصوص رهان خاسر خاضوه، كاد يعصف بالفكرة الديمقراطية بحد ذاتها، خاصة و ان الحزب الذي راهنوا عليه يتابعون اليوم كيف تتساقط اوراق التوت تباعا عن زييف ادعائه الديمقراطي.

فممارسة العدالة و التنمية الحكومية و المجتمعية و التنظيمية، كشفت بما لا يدع مجال للشك، انه بعيد كل البعد عن الفكرة الديمقراطية ، و بالاحرى ان يكون مؤهلا لقيادتها ، فهذا التنظيم السياسي الذي اوجدت له كل الظروف السياسية و المجتمعية و المؤسساتية، ليتبث للجميع ان الديمقراطية هي غايته و وسيلته ، فضل سلك طريق الوضوح مع ماهيته و توجهاته اللاديمقراطية.

فهل من يزدري المرأة، و يبخس دورها و يتصدى لحقوقها، ديمقراطي؟ و هل من يسعى الى الهيمنة السياسية، ديمقراطي؟ ، و هل من يكرس و يغطي على التراجعات و المكتسبات الديمقراطية، ديمقراطي، و هل من يسن السياسات التفقيرية و اللاشعبية، ديمقراطي؟ و هل من يجعل حزبه فوق الوطن، ديمقراطي، و هل من يعتبر الحقوق الفردية فسقا، ديمقراطي؟ ، و هل من يوقف الحوار الاجتماعي، ديمقراطي، و هل من يسحل المعلمين و الاطباء، ديمقراطي، وهل من تطوقه الفضائح اللاخلاقية ، ديمقراطي، و هل من يهضم حقوق العمال، ديمقراطي، و هل من يقبل بالمعاشات الاستثنائية، ديمقراطي؟ .

عديدة هي الاسئلة و المواقف و الممارسات، التي اظهرت للجميع، ان من راهنوا على حزب العدالة و التنمية، لحمل الفكرة الديمقراطية بالبلاد، قد خسروا خسارة مدوية ،و ضيعوا على الصف الديمقراطي و حدته، و على البلاد فرص حقيقية لتثبيت الديمقراطية باركانها، و ساروا خلف سراب و وهم، خاصة و ان هذا الحزب رسب في كل الامتحانات الديمقراطية التي عاشتها البلاد في ظل وجوده على رأس الحكومة.

ان قدر الفكرة الديمقراطية بالبلاد، هو ان يخرج دائما من صفوفها من يطعنها من الخلف، و يسلمها الى الايادي التي تعبث بها ، لكن هذا القدر نفسه، سرعان ما يعيد تصحيح الوضع، و يكشف حقيقة من يريد السطو عليها، و يعيدها الى احضان ابنائها الشرعيين و المؤمنين بها.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *