العدالة و التنمية والعودة الى غياب المشروعية السياسية

علي الغنبوري

وجود حزب العدالة و التنمية داخل المشهد السياسي المغربي ، لم يكن وجودا طبيعيا ، مرتبط بسيرورة سياسية عادية ، افرزت حزب وفق قناعات و توجهات سياسية تعكس تطلعات المجتمع و حاجاته في هذا الصدد، بل وجوده ارتبط بتطورات مبهمة و غير واضحة لحركة دينية، بدأت مسارها بفكر متطرف و منغلق ، لتتحول فيما بعد الى مشروع حزب يسعى الى ممارسة السياسة .

ولوج العدالة و التنمية للمعترك السياسي، جاء بعد مراجعات و توافقات و تفاهمات معقدة بين انويته الحركية و السلطة ، جعلته يدشن مساره السياسي داخل احد الاحزاب السياسية الجاهزة قانونيا، تحت مراقبة مباشرة للسلطة ، على كافة تحركاته و مواقفه و اصطفافاته داخل المنظومة السياسية ، بل امتدت هذه المراقبة الى تحديد السقف الذي يمكن للحزب ان يمارس من خلاله السياسة.

الدخول المعتل و المشوه للعدالة و التنمية داخل المجال السياسي ، سيجعله رهينا لسؤال المشروعية داخل هذا المجال ، فهو يعلم جيدا ، ان مختلف التشكيلات السياسية الموجودة انذاك و خاصة الاحزاب الوطنية ، تنظر اليه بعين الريبة و الشك ، و ترفض اي تعامل معه ، و تتوجس من ماضيه الحركي و من مواقفه المتطرفة ، و من تورط بعض اعضائه في عمليات التصفية التي مست عدد من مناضلي هذه الاحزاب .

هذه الوضعية الملتبسة سياسيا ، ستدفع العدالة و التنمية الى تكريس كل جهوده نحو تطبيع تواجده داخل المعترك السياسي ، و اعطاء الاشارات السياسية المطمئنة حول عمله و فعله السياسي ، باعتباره حزب يمارس السياسة انطلاقا من مقاربات و توجهات جديدة لا علاقة لها بماضي حركته الدعوية و افكار مؤسسيه التي طبعها التطرف خلال بداياتها الاولى في النشاط الديني.

سعي العدالة و التنمية الى تطبيع تواجده داخل الفضاء السياسي ، و بحثه المضني على فك العزلة السياسية المفروضة عليه، ستدفعه الى تبني توجه قائم على المهادنة السياسية و التقرب الشديد من الاحزاب الوطنية ، عبر تجنب الصدام معها و تمجيد الماضي النضالي لبعضها ، بل وصل الامر الى حد مساندة تجاربها الحكومية (المساندة النقدية لحكومة اليوسفي ) ، و جعل الحزب قاعدة عددية مكملة لتشكيل المجالس المنتخبة في عدد من مناطق البلاد .

تبني العدالة و التنمية لخطاب المهادنة السياسية ، سيخفي وراءه عمل حثيث على البحث عن الشرعية الانتخابية و تتبيث اقدام الحزب ، كقوة فاعلة داخل المجال السياسي ، عبر الابقاء على الحركة الدعوية كقلب نابض له ، مع العمل على تشكيل قاعدة زبناء انتخابيين انطلاقا من توظيف الخطاب الديني و العمل الاحساني المنظم .

هذه التوليفة المبنية. على البحث عن الشرعية و المشروعية السياسية ، ستجعل الحزب ، قادرا على قيادة تدبير الشان العام ، اثناء الربيع العربي و ما حمله من متغيرات سياسية كبيرة ، مكنت العدالة و التنمية من فرض نفسه كورقة سياسية رابحة تستطيع مسايرة هذه المتغيرات.

دخول العدالة و التنمية في تجربة قيادة الحكومة ، و تدبير الشان العام ، لم تعطل سؤال المشروعية السياسية التي يبحث عنها الحزب ، فهو يعلم جيدا ان الشرعية الانتخابية التي اكتسبها ستظل ناقصة و غير مجدية في ظل استمرار التنافر و التوجس و الريبة التي تطبع علاقته مع باقي الاحزاب ، و في مقدمتها الاحزاب الوطنية .

وعي العدالة و التنمية بضرورة تطبيع علاقته مع الاحزاب السياسية و الوطنية ،و ما تحمله من شرعية و مشروعية نضالية و سياسية ، هي ما جعلته يبذل الجهد الكبير في محاولة تشكيل تحالف سياسي معها ، عبر تقديم التنازلات لبعضها ، و منحها المقاعد الحكومية التي لا تتناسب مع حجمها الانتخابي ، و القاء الورود لبعضها لمحاولة استمالتها الى تجربته ( تسخان الكتاف الذي تحدث به عبد الاله بنكيران اتجاه الاتحاد الاشتراكي ) ، و تضمين مقترحاتها و رؤاها الى برنامجه الحكومي ، في تناسي تام للاختلافات الفكرية و الايدولوجية التي تفرقه معها .

صحيح ان حزب العدالة و التنمية نجح الى حد كبير في الاجابة على سؤال المشروعية السياسية ، عبر تمكنه من نسج تحالف سياسي مع عدد من الاحزاب السياسية ، و طبع علاقته السياسية معها ، وصلت الى حد الاشادة به و اعتباره حزب سياسي قادر على حمل لواء الديمقراطية بالبلاد ، من طرف بعض الاحزاب الوطنية ، بالاضافة الى جزء مهم من الفعاليات اليسارية ، لكن هذا النجاح سرعان ما سيتبدد و يتلاشى ، مع الممارسة التدبيرية للحزب داخل الشان العام ، و ظهور نزعة الهيمنة و التفرد السياسي لديه ، و اتجاهه الى تكريس نفسه كقوة سياسية وحيدة داخل البلاد ، عبر استنزاف الاحزاب الوطنية و حشرها في الزاوية الضيقة ، و تعطيل حركيتها السياسية ، و الاستيلاء على مشروعيتها السياسية .

حزب العدالة و التنمية ، بنى خطابه اثناء تدبيره للشان العام ، على التناقض و الالتباس السياسي ، و جعل همه الوحيد ، هو الحفاظ على وجوده الانتخابي ، ولو على حساب تطلعات و امال المغاربة ، كما حول موقعه الحكومي الى منصة و ارضية ، لضرب العمل السياسي و تبخيس الاحزاب السياسية ، و توفير كل الشروط لتحوله لفاعل سياسي وحيد و حصري داخل البلاد.

انحراف العدالة و التنمية، و الظهور السريع لواقعه و حقيقته السياسية ، ستعيده الى المربع الاول ، الذي تشكل العزلة و غياب المشروعية السياسية احد اهم عناوينه البارزة ، فالحزب اليوم شبه معزول سياسيا ، و غير قادر على نسج اي تحالف او توافق سياسي حول اي تصور يطرحه .

و لعل ابرز صورة اليوم ، تكشف هذه العزلة و هذه العودة الى غياب المشروعية السياسية ، هو الموقف من القوانين الانتخابية ، حيث بات الحزب خارج المنظومة الحزبية المغربية برمتها ، يقف على طرف النقيض و الصراع معها ، و يضع نفسه في موقف الاتهام بالتفرد و الهيمنة و الاقصاء السياسي .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *