القطبية المصطنعة!!!

علي الغنبوري

لا اخفيكم سرا ان ما دفعني الى الكاتبة في هذا الموضوع الهام ، هو التنبيه المستمر و المتكرر للاستاذ ادريس لشكر، الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي ، من خطر القطبية المصطنعة على المجال السياسي ، و ما قد تقود اليه من تحطيم للبناء الديمقراطي المغربي الفتي .

فالحديث عن القطبية المصطنعة ، ليس مجرد كلام مفصول عن السياق و الواقع السياسي المغربي ، او التماس للاعذار ، او محاولة للبحث عن شماعة للالقاء مسؤولية الاخفاقات و الكبوات عليها ، بل هو نقاش سياسي مصيري و اساسي ، لا يهم فقط حزب الاتحاد الاشتراكي ، بل يهم الممارسة السياسية ككل ، مستقبلها و ادوارها داخل المغرب.

واذا اتفقنا ، ان الجوهر السياسي هو الممر و المعبر الوحيد لاي ممارسة او بناء مؤسساتي و مجتمعي ، فيمكننا القول ان السياسية و ممارستها تعيش حالة انسداد كلي ، تجعل من الصعب اليوم الحديث عنها و عن وجودها و عن اي دور لها .

السياسة لا تعني فقط العمل داخل مقرات الاحزاب ، و دبج البلاغات و اطلاق المواقف ، بل هي كذلك عكس لكل القيم و المبادئ و النضالات و المواقف على تدبير و تسير الشأن العام ، من خلال خوض الانتخابات ، و تحمل المسؤولية في البناء المؤسساتي و المجتمعي .

من هذا المنطلق تظهر خطورة القطبية المصطنعة على المجال السياسي المغربي ، فهي خلقت حالة لا سياسية و كرست لمنطق محطم و مدمر للعمل السياسي السليم ، بات يطغى و يسيطر على مختلف جوانب العملية السياسية بالبلاد .

و يبقى التجسيد الابرز للازمة التي خلقتها القطبية المصطنعة ، هو الشان العام و تدبيره ، الذي اصبح رهينة لدى توجهين اساسيين ، ينطلقان من منطلقات لا سياسية ، يعطلان اي بروز او ظهور للفعل السياسي داخله .

فالنخب السياسية اصبحت محاصرة و عاجزة عن المنافسة السياسية ، و غير قادرة على الولوج الى تدبير الشان العام ، و عكس توجهاتها و رؤاها و افكارها داخل اروقته ، مما غيب التعاقد السياسي مع المجتمع و دفع به الى الاختفاء ، ليعوض بتعاقد مشوه و معطوب .

العجز او الحصار الذي تعاني منه النخب السياسية ، ليس وليد ظروف او مبررات سياسية موضوعية و سليمة ، بل هو نتاج تحكم شرس و سيطرة مطلقة ، لمكونات غير سياسية ، تستعمل الدين و المال كمحرك للتحفيز السياسي و لجمع الاصوات الانتخابية .

هذا الوضع افقد العملية السياسية و الانتخابية، معناها و حولها الى فرص متجددة ، للانقضاض على تسير الشان العام ، ليصبح رهينة لدى هاذين المكونين غير السياسيين ، يتقاذفانه فيما بينهما ، و يسيطران على كل مفاصله .

خوض الانتخابات اليوم ، اصبح مهمة شبه مستحيلة ، بالنسبة للنخب السياسية ، في ظل وجود مكونين يعتمدان على منطق الزبناء الانتخابيين « clientèle électorale » ، خارج منطق السياسة المبني على المشاريع و البرامج و التعاقدات.

فهاذين المكونيين لا يسعيان لا الى التأطير و التكوين السياسي للمواطنين ، و لا الى النضال المجتمعي من اجل الحقوق و الحريات ، و لا الى البناء المجتمعي ، فهما يعتمدان على التوظيف المريب للدين في جمع الاصوات الانتخابية ، و على الاموال الطائلة التي تغرق الساحة الانتخابية .

تكريس هذا الوضع داخل الساحة السياسية ، خلق حالة « بلوكاج » في دورة انتاج النخب السياسية ، حيث سرعان ما تجد هذه الاخيرة نفسها خارج اي منطق مؤسساتي و سياسي ، بسبب انسداد الافق السياسي ، الناجم عن غياب المنافسة السياسية المجردة و الموضوعية .

ازمة النخب السياسية لم تعد ازمة فئوية او حزبية ، بل تحولت اليوم الى ازمة دولة ككل ، باعتبرها الجامعة و الحاضنة للعمل السياسي السليم ، حيث باتت تجد نفسها بدون نفس سياسي ، و بدون وسائط مجتمعية ، و بدون تعاقدات مجتمعية قابلة للمحاسبة و التغييير ، لتتحول هي نفسها و مؤسساتها الى رهينة لدى مكونين مهيمنين و مسيطرين ، و بدون اي افق سياسي مواكب و مساير لتطلعاتها و رهاناتها .

لم يعد من المقبول اليوم ، الاستمرار في هذا المنطق المبهم و الملتبس ، الذي يعرقل البناء المجتمعي ، و يهدد الاختيارات الديمقراطية و التعددية التي يرتكز عليها النموذج المغربي ، فالمطلوب اليوم التحلي بالجرأة و الشجاعة السياسية من طرف الكل لاعادة الروح الى العملية السياسية ، بما يتوافق و التوجهات و الطموحات الاكيدة لبناء المغرب الذي يعتز كل ابنائه بالانتماء اليه .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *