المساوي يكتب : المجتمع المدني والتكنوقراط ليسا بديلا للمجتمع السياسي

عبد السلام المساوي

ان المرحلة التي تمر بها بلادنا مرحلة خاصة ودقيقة ، مرحلة انتقالية ، مرحلة يطبعها الغموض والالتباس ، الخلط وتبادل الأدوار والوظائف …مثلما يحدث في الجمعيات او بعضها التي تبشر بنهاية السياسة وموت الاحزاب وعقم الفاعلين السياسيين التقليديين .ونؤكد أن السياسة لم تنته وان دور الاحزاب ضروري لإنجاح المشروع الديموقراطي الحداثي الذي تنشده بلادنا ، باعتبار الاحزاب ركيزة أساسية للنظام الديموقراطي ، ولا يمكن أن نتصور اي تحول ديموقراطي ، أو ديموقراطية بدون أحزاب ، فالديموقراطية كما تحققت في العالم هي ديموقراطية الاحزاب السياسية ، من هنا لا يمكن أن نؤسس ونبني مشروعا ديموقراطيا بالتشكيك في دور الاحزاب وتبخيس فعاليتها ، أو بمحاولة تجاوزها او إلغائها …

ان الحزب يختص ، من بين كل المؤسسات المجتمعية ( الجمعيات ، النقابات ، مؤسسات الإعلام …) بالممارسة السياسية وتاطير المواطنين وتأهيلهم لممارسة الشأن العام ، كما يعمل على تكوين النخبة السياسية ، خدمة للمواطنين وتلبية لحاجاتهم المتنوعة والمختلفة وتحت مراقبتهم ومحاسبتهم …وهذا أوج ما وصلت الديموقراطيات المعاصرة بعدما استكملت نضجها المجتمعي واستقرارها السياسي…

الحزب اذن وسيلة من وسائل ممارسة الشأن العام السياسي ، يتقاطع مع كثير من المؤسسات المجتمعية الحديثة ، من غير أن تتمكن اي منها من ان تنوب عنه في تربية المواطنين على ممارسة حق المشاركة السياسية ، وأن ذهب بعضهم عن جهل او خلط مع سبق الإصرار الى الى التبشير ببديل عن الاحزاب السياسية ، يحصرونه في جمعيات محسوبة على المجتمع المدني او ما شابهها …

نعم هناك انسحاب من السياسة وعزوف عن الاحزاب ، مقاطعة للانتخابات وتبخيس للمؤسسات التمثيلية …وكل هذا وليد عوامل متعددة ؛ تاريخية ، اجتماعية وثقافية …من هنا وجب التفكير جديا في الأمر ووضع استراتيجية من شأنها أن تؤدي إلى تصالح المواطنين مع السياسة وممارسيها ، مع الانتخابات والمؤسسات التي تكون نتيجة لها …

البديل التكنوقراطي بديل لا ديموقراطي

يعتقد البعض واهما ومخطئا ، ان الاصلاح لا يحتاج إلى نخبة سياسية / فاعلين سياسيين ، بدعوى أن للاصلاح طابعا تقنوقراطيا محضا ، وانجاحه يحتاج إلى تقنوقراط ، وإذا كان البديل التقنوقراطي قد جرب لازيد من أربعة عقود ، وراكم خلال هذه الحقبة الطويلة إخفاقات متتالية ، فإن البعض الان يروم تمديده تحت غطاء المجتمع المدني .هذه الوضعية تنعكس سلبا على العمل الحزبي ؛ عزوف عن الاحزاب وعداء للفاعلين السياسيين فبحث عن بدائل ( أجدى ) و ( انفع ) خارج البديل الحزبي ؛ بدائل غير ديموقراطية ، طبعا؛ الإدارة ، الجمعيات ، الصحافة …أطر اشتغلت في الإدارة ، أحرزت مكاسب وامتيازات ، سميت تكنوقراط فحصلت على حقائب وزارية ، اخرى ركبت الجمعيات وأخرى لجأت إلى الصحافة ( المستقلة ) …هؤلاء الذين قدحوا العمل الحزبي ، فانخرطوا في هذا الحقل او ذاك ، لأنهم اعتبروا ان الاحزاب عاجزة عن تحقيق طموحاتهم ، بل إنها مؤسسات بدون جدوى ، وقد ترسخ هذا الموقف من الاحزاب لما تم الابتعاد عن المنهجية الديموقراطية بعد استحقاقات شتنبر 2002 حيث تم تعيين وزير اول خارج الاحزاب…

لا مجتمع مدني بدون مجتمع سياسي

مباشرة بعد تشكيل حكومة التناوب تكونت معارضة من طرف جهات دعت إلى ضرورة إخلاء المكان للمجتمع المدني والخبرة التقنوقراطية ، واعتبرت أن الفريق الحكومي دون خبرة وتجربة . ان دعوة مثل هذه هي في العمق دعوة إلى استمرار حالات الاستثناء التي عشناها في الماضي ، والتراجع عن تقدمات وفتوحات حصلت في الممارسة السياسية المغربية ، وهي تقدمات لم تحصل عبثا ، بل جاءت كحصيلة لصراعات وتوافقات عرفها الواقع السياسي المغربي فكرا وممارسة ، وأن هذه الدعوة ايضا دعما لذلك التحالف التقنوقراطي الذي أسندت إليه الأمور في السابق ، والذي يسعى إلى العودة من النافذة زاعما انه مدني …

ويجب أن نحذر مما يقال عن المجتمع المدني ، وبالخصوص يجب الا يتحول نشطاء المجتمع المدني الى صيغة جديدة ل ( الصاب ) اي اللامنتمين الذين كانوا أداة للتمييع ، وهناك الان تحامل على الاحزاب وبالذات الاحزاب الديموقراطية وفي طليعتها الاتحاد الاشتراكي …ولا يستبعد أن يكون الهدف هو خلق الفراغ ، والفراغ اقتل من القمع ، والقمع يمكن أن يكون مجرد فترة وتمر ، ويمكن أن يصيب الوهن مرتكبه ، أما الفراغ فهو يقتل القريحة ويستمر مفعوله عدة احقاب ، فلنحذر من من خلق الفراغ بتمييع الاحزاب السياسية والاستمرار في بلقنة الحياة السياسية ..

وفي مقابل هذا الطرح نؤكد أن العمل الجمعوي الجاد والهادف ركيزة من الركائز الأساسية لتحقيق الديموقراطية والتنمية . فالديموقراطية لا تقوم على اختيار المنتخبين فقط بل على مساهمة المجتمع كله . ان الاحزاب والنقابات والجمعيات والاعلام …ركائز محورية للديموقراطية ، فإذا كانت الاحزاب تقرر فالجمعيات تقترح ، تراقب وتنتقد ، وتطالب بالتغيير والتصحيح ، والنقابة تدافع عن مصالح العمال…..

ان ما يجمع الحقل الجمعوي / المجتمع المدني والحقل الحزبي / المجتمع السياسي هو التكامل والتفاعل ، فلا مجتمع مدني بدون مجتمع سياسي ، ولا يمكن للاول تجاوز الثاني او الاستغناء عنه .ان المجتمع المدني لا يمثل مشروعا سياسيا ، اقتصاديا واجتماعيا ، ولا يشكل سياسة عمومية . واعتمادا على هذا نقول ؛ ان المجتمع المدني لا يمكنه أن يلغي دور الاحزاب السياسية او مساءلة أسس العمل الحزبي ، ولا يمكن اعتباره ، كما يعتبره البعض لأسباب وخلفيات مختلفة ، بديلا للعمل السياسي المنظم حزبيا…

ان الاحزاب السياسية والجمعيات المدنية يميز بينهما الاختصاص، فالحزب مختص في النشاط السياسي وكافة الأنشطة المؤطرة والمؤدية اليه ، بينما تختص الجمعيات المدنية بالفعل الدني وكل تبعاته ، وإذا كانت حدود التمييز بين السياسي والمدني صعبة جدا ، فإن الحزب السياسي والجمعية المدنية يتكاملان ، وأن استعمل أحدهما الآخر للوصول إلى أهدافه ، وهو شيء إيجابي في حد ذاته ، لأن كليهما يحسب على التأطير المجتمعي دونما تنافر كما يحاول ان يوهمنا بذلك أعداء الممارسة الديموقراطية الحديثة

مطروح اذن على الجمعيات المدنية ان تسند الاحزاب التي تحترم قواعد الممارسة الديموقراطية ، مطروح عليها ان تلعب دورا أساسيا في إصلاح الامور

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *