المساوي يكتب : الموت يتهددنا جميعا

عبد السلام المساوي

لقد أصبحت يومياتنا متمركزة حول عد أرقام الضحايا والتأسف على حالهم او الدعاء لهم بالشفاء أو الدعاء للأقل حظا منهم بالرحمة معتبرين ألا شيء لدينا يمكن أن نقوم به لوقف النزيف ….

اسفون على تكرارها ، لكن نستطيع فعلا ايقاف هذا النزيف أو التقليل من حدته اذا فهمنا خطورة الوباء فعلا ، اذا تذكرنا أسماء أهلنا وأصدقائنا وزملائنا الذين استهتروا به وأصيبوا بالداء اللعين ، اذا تذكرنا الاخرين الذين أخذوا كل احتياطاتهم لكن أسقتطهم الصدفة اللعينة في الاخرين الذين لا يهتمون فالتقطوا منهم الوباء ، اذا صدقنا بشكل حقيقي أن هذا الداء لا يمس الآخرين فقط بل انه يصيبنا نحن أولا ويصيب عائلاتنا ، ويصيب أعز الناس وأقربهم الينا .
أيام صعبة قادمة ….

كنا في بداية تطور الوباء درسا يقدمه العالم المتحضر لنفسه دليلا على أن المسألة لا علاقة لها بتقدم او بتأخر ، بل لها العلاقة كل العلاقة بوعي الناس وباستيعابهم لخطورة الذي يجري ، وهو خطير فعلا …

حكومة العثماني لها جانب كبير في المسؤولية ، هذه مسألة لا يتناطح حولها كبشان .

نحن كشعب علينا نصيب أيضا وافر من المسؤولية ، هاته هي الأخرى لا تقبل أي جدال .

وسائل اعلامنا المنشغلة بمشاكلها ، والتي لم تعرف أن عليها دورا كبيرا تجاه هذه الجائحة ، هي الأخرى لها النصيب الأكبر من المسؤولية .

أين أضاع المغرب الطريق ؟ وكيف أخطأ هذا الخطأ الذي جعله بسهولة ينتقل من طور البلدان التي تتحكم في تطور الوباء الى مصاف البلدان التي تنتظر كل مساء الحصيلة الثقيلة ويدها على قلبها …

منذ اللحظة الأولى قمنا بمجهودات جلبت علينا شكر العالم كله ، قبل أن نتحول الى تراخ غير مفهوم هو الذي يكلفنا هاته الخسائر التي يعلم الله مداها ، والتي يعلم الله وحده ما ستسببه من اثار في القادم من اسابيع ومن أشهر .

هذا البلد ضحى لمدة ثلاثة أشهر باقتصاده لأجل حماية صحة الناس ، و الأمر يتعلق بصحة الناس العامة ، وهي مسألة اعلن المغرب قولا وفعلا أنه يقدسها وأنه يضعها في مقدمة اهتماماته ، وبعدها تأتي بقية الأشياء .

للأسف ، أحيانا نكون أشد ضراوة على أنفسنا بسبب هذا الغباء من كثير العداوات التي يسهل القضاء عليها فقط بالتسلح بقليل من الذكاء .

جزء كبير من الذي قمنا به منذ شهر مارس السنة الماضية ذهب أدراج الرياح اليوم ….

لنقلها بكل صراحة : جزء من المعركة التي نخسرها هاته الأيام ضد كورونا سببها حديث أناس لا يفهمون ولا يعلمون عن أمور لا يفهمونها ولا يعلمون عنها شيئا .
بسبب هذه الجرأة الجاهلة والتطاول غير العالم على موضوع طبي وعلمي ها نحن اليوم نعود الى نقطة الصفر لكأننا لم نقم بشيء ، وها نحن نجد أنفسنا أمام تهديد العودة إلى حجر قاس وقوي مثل ذلك الذي عشناه السنة التي خلت …

خطابات التوعية ، التي اشتغلت بشكل متحمس في البدء منذ شهر مارس 2020 ، والتي لاقت هوى واستجابة في صفوف أغلبية الناس تراجعت الى الخلف ، ومعها تراجع انشغال الناس بالوباء ، وازداد وهمهم انه انقضى وانه اصبح مجرد ذكرى سيئة فرضت علينا أشهرا ثلاثة من البقاء في منازلنا وكفى ….

رأينا علامات كثيرة على استهتار الناس بخطورة المرض ، ورأينا تخبطا في التواصل الحكومي كاد يقنع الناس بأن المرض لم يعد له وجود في بلادنا ، دون بقية بلدان العالم التي لا زالت تعبر عن خشيتها من الأسوأ .

لذلك تكاثرت علامات التصرفات الطائشة ، ومع تكاثرها تكاثرت حالات الاصابات ، والأسوأ تكاثرت حالات الوفيات اليومية بشكل خطير ومقلق ومزعج ولا يتقبل صمتا أكثر .

الذين كانوا يقولون لنا ان كورونا لا وجود له يكتشفون مع سقوط هذا العدد الرهيب من الاصابات والوفيات أن جهلهم هو الذي دفعهم إلى ارتكاب أقوال مثل هاته ، ويتأكدون بأن القادم لن يكون الا أصعب …

نتمنى ألا يكون قد فات الأوان فعلا ، ونتمنى أن يتحرك الذكاء المغربي الراغب في البقاء سليما معافى على قيد الحياة لكي يساعد بلدنا على اجتياز هذا المنعرج الخطير بسلام ، او على الأقل بأقل الأضرار الممكنة .احذروا الحماقات !!!!

دخلنا مرحلة الخطر المميت، وكان ممكنا الا يقع ذلك لو التزم بعضنا بالتعليمات الصحية المفروضة على المغاربة ، ويبدو أننا سنتجاوز هذه الأرقام المرعبة بسهولة لأن البعض منا اعتبر انه لا يليق به ان ينصت للكلام ، واعتبر أن الصبر القليل على بعض التضييق هو امر مستحيل ، واعتبر أن الانتحار بغباء امر يليق به ويليق ان يفرضه خطرا على المجتمع ككل .

في الأيام الأخيرة لمسنا نبرة تأفف من المسؤولين الذين استسلموا امام بعض العادات السيئة ، وبعض التصرفات الأسوأ التي فرضها على المجتمع بعض المتمردين على حالة الوعي الجماعي التي سجلها المغرب كله ، هذا التأفف ليس علامة خير وليس بشارة اطمئنان .

معناه أن هناك نوعا من التسليم بعدم قدراتنا على ضبط هؤلاء المتمردين واقتناعا نهائيا بأن ما سيقع سيقع والسلام ، ولا بد من تغييره .

هذا الشعور خطير للغاية لأننا اذا عجزنا عن فرض قواعد تصرف صحي بسيطة في مجتمعنا ، بسبب جائحة صحية تهدد الجميع ، كيف سنفرض في يوم اخر او في مناسبة اخرى قاعدة تصرف مواطن اذا ما فرضت الضرورة ذلك ؟

التسليم في جزء من مجتمعنا ، والاقتناع بأننا لن نغير مهما فعلنا ، لأنه جبل على تصرفات معينة وانه لن يتغير هو تسليم متشائم في مستقبلنا ، واعلان هزيمة امام لاوعي يريد ان يكرس نفسه البديل الوحيد في البلد ، ويريد الحفاظ على كل علامات تخلفه وجهله ولامواطنته ، وعدم رغبته في تغيير أي شيء سيء فينا .

هذا التسليم لا يليق بالمغرب ، وقد رأينا أن الأغلبية الغالبة من المواطنين المغاربة كانت في مستوى اللحظة ، هذه الأغلبية الغالبة لا يجب أن تترك للأقلية غير الواعية ، الفرصة لكي تحتل واجهة الصورة عن غير وجه حق بعد كل هاته التضحيات التي قام بها المغاربة اجمعهم.

لا يليق بنا أن نترك الغلبة بعد كل هذا الصراع لصوت اللاوعي لكي يخرج لسانه في وجهنا جميعا …

نحن في حاجة الى الانتباه الى مخاطر ترك الحبل على الغارب ، وعلى الجميع ان يعي خطورة الوضع ويفهم صعوبة المرحلة وما تتطلبه من انضباط صارم يقي البلد من السقوط في ما لا تحمد عقباه…

نحن في حاجة الى الاقتناع الجماعي بالحاجة الى اعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع ، باعتبارها اضمن وأقوى تأثيرا على النفوس من أية قوة عارية قد تتصور أو يتصور أصحابها انهم قادرون على الحسم في كل الظروف…

المشكل لم ينته بعد ، والوباء ما يزال يتربص بالبلد والناس . بل ازدادت خطورته ، يجب أن نلزم الحذر في أقصى درجاته …

ستكون أياما حاسمة في مواجهتنا لوباء كورونا …أيام صعبة قادمة …
هل نؤدي الان ثمن التهور؟ هذا أكيد …

لم يعد هناك من حل سوى الالتزام بقانون الطوارئ الصحية بالصرامة المطلوبة لأن بلادنا لا يمكن أن تتحمل وضعا اخر أكبر مما وصلنا اليه اليوم في مواجهة كورونا . الوضع لا يقبل أية مغامرة . قد يكون الوقت لم يفت بعد ، لكن المشكلة في الزمن أنه لا ينتظر أحدا فهو يسير بسرعته المعهودة ولا ينتظر المتخلفين .

حقيقة لا نفهم من يحاولون تمثيل دور من لا يروا الخطر المحدق بنا جميعا ، ويواصلون الاستهزاء …فهذا الاستهتار المسجل في الشارع المغربي لا معنى له الا الجهل المركب . نعم هناك قلة قليلة من الناس تريد ان تفسد على المغاربة حياتهم ، وتصر على أن تتذاكى في موضوع لا تذاكي فيه ، لان ما تقوم به هو عين الغباء : أن تعرض صحتك وصحة أهلك للخطر بداعي أنك لا تصدق أن كورونا أصلا موجود ، او بداعي أنك مؤمن بأنه لن يصيبك الا ما كتب الله لك .

نحن في حاجة إلى الوعي بخطورة هؤلاء ومخاطر ما يدفعون اليه …
هؤلاء لن يضروا أنفسهم فقط ، هؤلاء يهددون ابناءهم واخوانهم وأخواتهم ووالديهم . هؤلاء يهددون المجتمع ككل، فلنحذر من خطرهم ، أكثر من أي وقت مضى .

نداؤنا إليهم ، بل استعطافنا لهم ، أن انتحروا اذا أردتم ذلك ولم ترغبوا في سماع كل ما يقال لكم ، انتحروا لوحدكم ، ضحوا بأنفسكم اذا راق لكم ذلك لكن بعيدا عن الأبرياء الاخرين الذين لا يريدون الالقاء بأنفسهم الى التهلكة .

هذا النداء وهذا الاستعطاف صادر عن أغلبية شعبنا التي فهمت واستوعبت أهمية ما تقوم به الدولة حماية للناس وصحتهم وأرواحهم . وهاته الأغلبية ترفض أن تجرها حماقات أقلية قليلة لا تريد الصبر أياما معدودات وتفضل أن تجرنا جميعا معها الى الخراب .

لا بد من الاقرار بأن هناك أشياء مقلقة في مواجهة الوباء اللعين على المستوى العلمي ، وعلى مستوى التكفل بالمصابين ، وفي اكتشاف الحالات ، وفي عدد التحليلات ، التي يمكن اجراؤها يوميا ، وما الى ذلك من طاقة استيعابية ومن مستلزمات وامكانيات مادية ولوجستيكية وبشرية . انها جملة من المشاكل المرتبطة بالمنظومة الصحية ببلادنا والتي يعرفها الجميع .

يبقى الخلاص الوحيد والأوحد هو التقيد بشروط الوقاية والنظافة وارتداء الكمامات …يمكن للقاح أن يخفف الأعراض لكن في النهاية فان انتشار الفيروس قد يخلف خسائر جديدة في الارواح شبيهة بالموجات السابقة للوباء .

اليوم يلزمنا الكثير من اليقظة ، وفي الوقت الذي تحاول فيه الكثير من القطاعات العودة إلى الحياة ، فإن هذه الممارسات قد تعيدها الى نقطة الصفر .

لم يعد الوقت يقبل الأخطاء والهفوات . يمكن أن نتغلب على كورونا ، هذا أكيد ، لكن الأمر يتطلب حذرا كبيرا جدا واحتياطات في مستوى وحجم المشكلة ، واليوم اكثر من أي وقت مضى ….نتمنى حقا ألا يكون الأوان قد فات ….

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *