المصير المجهول لـ “إبراهيم غالي” على يد جنرالات الجزائر

محمد بوبكري

لقد كثر الحديث مؤخرا في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي عن اختفاء “إبراهيم غالي”، وكثرت تفسيرات هذا الاحتفاء، التي يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع:

فهنكاك من فسر هذا الاختفاء بكونه ناجما عن ذهابه إلى الجزائر العاصمة بهدف إجراء مشاورات. ويبدو لي أن هذا التفسير مستبعد، إذ لو كان موجودا في الجزائر لظهر على شاشة القنوات الجزائرية لإسكات كل المواقع التي تتساءل عن اختفائه.

وهناك من قال إن هذا الشخص مصاب بفيروس ” كورونا”، أو بمرض آخر أكثر خطورة من هذا الوباء، ويبدو لي أن هذا التفسير محتمل. أما التفسير الثالث، فيقول إن الشخص قد تعرض لمؤامرة، بدليل أن هناك صراع بين أجنحة “البوليساريو”، يعكس بدوره الخلاف القائم بين مختلف أجنحة جنرالات الجزائر. وقد تأكد رسميا أنه مريض، وهو في رحلة علاج بمستشفى يقع بمدينة ” لوكرونيو” الواقعة قرب مدينة “سرقسطة”.

ويؤكد بعض المتابعين للشأن الجزائري من الداخل أن الجنرال “سعيد شنقريحة” يفضل “ولد البوهالي” على ” إبراهيم غالي” صديقه وفتاه المدلل وعينه التي لا تنام على جماعة “البوليساريو”، ما يدل على أنه مجرد مخبر لهذا الجنرال. وبحكم الصداقة المتينة بين هذا الجنرال و”ولد البوهالي”، فإن الأول يريد أن يضع الثاني بديلا لـ ” إبراهيم غالي”، لكنه كان في حاجة إلى خطة، ما يعني أن مرض “غالي” منحه فرصة للتخلص منه.

وجدير بالذكر أن جنرالات الجزائر يعرفون أن لـ “إبراهيم غالي” ملفات كثيرة معروضة أمام القضاء الإسباني تتضمن تهما تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وبجرائم الاغتصاب التي ارتكبها في مخيمات “تندوف”، رفعها ضده أعضاء سابقون في جماعة “البوليساريو”. وقد نشرت مجلة “جون أفريك” أن إبراهيم غالي” قد دخل إلى إسبانيا بجواز جزائري يحمل اسما مستعارا.

ولحد الآن يبدو أن الأمر طبيعي، حيث هناك دول تمنح جوازات لغير مواطنيها لاعتبارات إنسانية من أجل تمكينهم من التنقل، وتُصدر جوازات بأسماء مستعارة لبعض مواطني بلدها للقيام بمهام استخباراتية صعبة في الخارج، تقتضي ألا تُعرف هوياتهم، لأنهم إذا نجحوا في مهامهم، يكون الأمر عاديا، وإذا فشلوا فيها، فمن الممكن أن تتنكر لهم الأجهزة الاستخباراتية التابعين لها، التي لا تقبل أن ُينسب إليها ما قاموا به.

وإذا كان “إبراهيم غالي ” قد دخل إلى إسبانيا بجواز سفر مزور، فإن هذا يؤكد أنه بات لا يؤمن بــ “الكيان “، الذي يدعي أنه “يرأسه”، كما أن الجنرالات، الذين منحوه هذا الجواز المزور، مقتنعون في قرارة أنفسهم، أنه لا وجود لهذا الشخص، ولا لأي شيء يرمز إليه، إن كان هذا الشيء موجودا فعلا. ومن الغريب أن الجنرالات هم من أقنعوه بالذهاب إلى إسبانيا للعلاج هناك، بحجة أنهم تدخلوا لدى الحكومة الإسبانية لكي لا يمثل أمام القضاء الإسباني، حيث قيل له إنه هذه الحكومة قد قبلت هذا الملتمس لاعتبارات إنسانية.

ويؤكد ملاحظون جزائريون أن الأمر يتعلق بمؤامرة، لأن الجنرالات كذبوا عليه. فهم يعلمون أن القضاء مستقل في إسبانيا، ولا يخضع لأوامر الحكومة، لأن هناك فصلا بين السلطات في إسبانيا، ما لا يسمح لرئيس الحكومة بأن يتدخل في شؤون القضاء… وهذا ما يعني أنه لا يمكن للحكومة أن تعطي ضمانات لحكام الجزائر بعدم مثوله أمام القضاء. من الأكيد أن الجنرالات يعون مسبقا كل هذا، لكن، من المحتمل جدا أن يكونوا قد أرسلوه إلى إسبانيا بهدف التخلص منه، وتعيين شخص آخر مكانه.

والسؤال المطروح هو: من سرب أن “إبراهيم غالي” موجود في إسبانيا؟ فمن الممكن أن يكون قد رآه شخص يعرفه، وقال ذلك لأفراد محيطه، فانتشر الخبر.

لكن أن يعلم أحد ما أن جواز هذا الشخص مزور، فهذا أمر خطير، لأنه مرتبط بعمل المخابرات الجزائرية التي تسلم وحدها جوازات السفر المزورة؛ فالمخابرات الجزائرية هي التي سلمت الجواز المزور لهذا الشخص، ما يعني أنها مسؤولة عن تسريب الخبر، خصوصا أن لها علاقات وطيدة مع مجلة “جون أفريك”. هكذا، فالمخابرات الجزائرية هي التي أفشت السر، رغم أنها تعلم جيدا أن هذا الشخص متابع من قبل القضاء الإسباني، وقد يمثل أمامه حتما. لذلك، فإن هذه المخابرات هي التي سربت خبر دخول “إبراهيم غالي” إلى إسبانيا بجواز سفر مزور باسم “محمد بن بطوش”.

وإذا لم تتم إقالة، أو إبعاد مدير المخابرات “الجنرال راشد عبد الغني”، فإن هذا يبين أنها مورطة في ذلك، الأمر الذي يؤكد أن الأمر يتعلق بحبك مؤامرة ضد هذا الشخص بغية التخلص منه.

وخلاصة القول، إنها ثقافة جنرالات الجزائر، لأنهم لا يترددون في اغتيال، او إبعاد كل من يلاحظون على وجهه علامات تساؤل، أو تردد كلما تعلق الأمر بمسايرة قراراتهم، أو بتنفيذها؛ لقد سبق أن اغتالوا “مصطفى الولي السيد”، وبعد ذلك سمموا بعض زملائه، فماتوا متسممين، وبرروا ذلك بكونهم كانوا مصابين بمرض عضال لم ينفع معه علاج. كما مارسوا ذلك مع بعض زملائهم من الجنرالات الجزائريين المعارضين لهم.

واليوم يتم التخلص من “إبراهيم غالي” بهذه الطريقة، لأن الجنرالات لم يعودوا راضين عنه، حيث سبق لهم أن أشبعوه خبطا ولكما ورفسا، لما فر هو وعصابته من معبر “الكركرات” بعد تدخل القوات المسلحة الملكية لتحريره من عبثهم. ويعود سبب ذلك إلى أنهم رموه بالبلادة، لأنه لم يقم بذبح النساء والأطفال والشيوخ، الأمر الذي كانوا يرون فيه أنه سيشوه سمعة المغرب، لكن المغرب تدخل دفاعا عن النفس، وعن مصلحة دول أفريقيا الغربية… وهذا بعض مما يفسر عدم رضى الجنرالات عن أداء هذا الشخص.

ولتقديم حجة أخرى على جرائم الجنرالات، فقد تم مؤخرا اغتيال “الداه البندير” الذي تم تقديمه بكونه “قائدا للدرك الحربي للبوليساريو”، الذي روجت وسائل الإعلام التابعة للجنرالات بأنه تم قتله من قبل “القوات المسلحة الملكية”، حيث كان هدف الجنرالات الترويج لوجود حرب بين المغرب والبوليساريو، من أجل التأثير على قرار مجلس الأمن الذي كان على وشك الانعقاد. وبما أن المغرب لم يصدر أي بيان رسمي في هذا الشأن، وكذلك الجزائر، كما لم يكن للأمم المتحدة أي علم بذلك.

ونظرا لمعاداة الجنرالات للمغرب، فإنهم كانوا يريدون أن تندلع حرب بين المغرب و”البوليساريو”. وما دامت الجزائر تمتلك أجهزة للرصد، فإنها لم تستطيع تسجيل أي شيء حول أي هجوم لطيران القوات المسلحة الملكية على ميليشيات “البوليساريو”، ما أفقدها أي حجة ملموسة عن وجود أي حرب مما ترغب في حدوثه. وهذا ما يعني أن هذه القوات لم تقصف “الداه البندير”، وإنما اغتالته مليشيات “البوليساريو”، بناء على تعليمات من جنرالات الجزائر، لأنه لم يكن يحظى بثقة جنرالات الجزائر.

ويؤكد بعض المتتبعين الجزائرييين لما يجري في الداخل الجزائري أن “إبراهيم غالي” وزميله ” الداه البندير”، قد تخوفا من الحراك الشعبي الجزائري، الذي قد يعصف بالجنرالات ونظامهم، الأمر الذي دفعهم إلى الشروع في طرح الأسئلة حول مستقبل ميليشياتهم، ما جعل الجنرالات يشكون فيهم، وقاموا باغتيال “البندير”، والتخلص من “غالي”.

وهذا درس لكل الذين تم احتجازهم في مخيمات” تندوف” لكي يتجنبوا الانخراط في كل ما يدعوهم إليه الجنرالات، حيث لا ثقة في هؤلاء، لأنهم لا يترددون في اغتيال، أو إبعاد كل من يشكون فيه؛ فهذه عقليتهم ومهنتهم، حيث إنهم يعتبرون مليشيات “البوليساريو” مجرد خرفان في ضيعتهم، لأن ارتزاق هؤلاء جعلهم يعرفون هذا المآل. هكذا، فإن كل من يخون وطنه، يصبح مرتزقا، ويكون مصيره الجحيم، حيث يحتقره أسياده، لأنه مأجور، ما جعل العسكر يضعونه تحت أحذيتهم، ويتصرفون فيه كما يشاؤون…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *