المغرب أولا!!

عبد السلام المساوي

 » يتعلق التصور الشامل الذي يستعرضه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في هذه الوثيقة ( وثيقة النموذج التنموي ) برؤيته السياسية لكيفية تجاوز الارهاق الذي أصاب النموذج التنموي القائم اذ بلغ مداه ولم يعد قادرا على مواكبة التطورات الملحة للمواطنات والمواطنين . فلم يعد بالامكان الارتقاء بالمنظومة التنموية لبلادنا امام استمرار بعض أشكال الريع والاحتكار والفساد من جهة ، واتساع الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية من جهة أخرى . ومن ثمة ، تطرح الرؤية السياسية لحزبنا المحددات والمرتكزات الكبرى الضرورية لارساء نموذج تنموي مندمج ، عادل ومنصف ، يسهم في التفعيل القوي لمقتضيات دستور 2011 ، خاصة تلك المتعلقة بالشفافية والحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة . »

النموذج التنموي المنشود هو جملة من القطائع ، وتغيير لبعض مكونات الالة التي لم تعد تشتغل بشكل يساير التطورات المجتمعية والتغيرات الزمنية بما تحمله من ثورات في التقنية واساليب العمل .

والانتخابات المقبلة هي فرصة أخرى فقط لا يجب اهدارها ، ومناسبة للمغاربة لدخول الزمن المعاصر في العديد من المجالات . هنا تأتي ضرورة النقاش العمومي .

لا بد من الانطلاق من كون الأمر يتعلق بوطن . والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني ، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ . والمرحلة تاريخية سيكون لها ما بعدها . سواء بنجاح ينخرط فيه الجميع ، او بتفويت ، لا قدر الله ، لمناسبة زمنية سيحاسب فيه الجميع في المستقبل القادم .

لا يمكن لعاقل ان ينكر ما بلغه المغرب من تطور في مجموعة من المجالات . ولا يمكن انكار ما تحقق . لكن الممكن أحسن مما تحقق لا محالة . لكن أيضا لا يمكن انكار حجم المشاكل التي يتخبط فيها المغرب ، وهي مشاكل تتعلق بالمؤسساتي وبالعلاقات المجتمعية وبالانتماء والمواطنة التي تتصل أساسا من أخذ وعطاء .

 » بالفعل استطاع المغرب ، خلال العقدين الأخيرين ، تحقيق تحولات ايجابية وهامة ساهمت في توفير الشروط المناسبة لكسب الرهانات الكبرى سواء على صعيد تطوير البناء السياسي والمؤسساتي او على صعيد تعزيز التنافسية الاقتصادية . كما تمكن من انجاز مجموعة من المشاريع الكبرى التي ترتبط بالعديد من القطاعات الاستراتيجية من قبيل البنيات والتجهيزات الأساسية والطاقات المتجددة والصناعات المتطورة وغيرها .

غير ان انتعاش النمو الاقتصادي ، الذي نتج عنه ارتفاع الثروة الاجمالية للبلاد ، لم ينعكس بالشكل المأمول على صعيد تحسين الوضعية الاجتماعية على الرغم من التطور الملحوظ الذي سجلته بلادنا في ما يتصل بتراجع مستويات الفقر وتحسن امل الحياة عند الولادة وتعزيز الولوج الى الخدمات الأساسية وتقوية البنية التحتية العمومية ( الماء ، الكهرباء ، الطرق ) . فبلادنا لم تستطع الارتقاء الشامل بالوضعية الاجتماعية بسبب استنفاذ النموذج التنموي القائم لطاقته وقدرته على مسايرة التزايد المتواصل لحاجيات وانتظارات المواطنات والمواطنين وعلى الاستجابة للمستلزمات المتعددة المتعلقة بالعيش الكريم . « 

هناك مشاكل اجتماعية تتعلق بعيش الناس أولا وبوجودهم . وهناك ثقة مفقودة في جملة من المؤسسات . وهناك هدر للزمن بانتظارية غير مفهومة . وهناك حيف وغياب عدالة مركزية ومجالية . وهناك شوائب عالقة من فساد وغش واستغلال . وهناك تفاوت طبقي خطير بين قلة تملك كل شيء وأغلبية تصارع الأيام من أجل قوتها اليومي . وهناك خلل في الحكامة . وهناك تأفف في كل موقع اقتصاديا كان او ثقافيا او رياضيا . وهناك رغبة من الجميع في التغيير .

 » ان المشروع الذي يطمح اليه المغرب المعاصر ومغرب الغد ، من وجهة نظرنا السياسية ، يتمثل في اقامة مجتمع ديموقراطي ومتوازن يتسع لجميع الطاقات للمساهمة الفاعلة في ارساء النموذج التنموي الجديد . وهو ما يقتضي ترسيخ منظومة متماسكة أساسها المناصفة والمساواة والكرامة الانسانية من أجل محاربة الاقصاء والتهميش وضمان الاشراك الفعلي لمختلف الفئات الاجتماعية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . »

المغرب ، اليوم ، ليس في حالة ميؤوس منها ، لكن هذا لا ينفي حجم المشاكل وتعقيداتها . وهذا موجود في كل التقارير الدولية والوطنية التي درست المغرب . يبقى الحل بيد المغاربة في خلق المناخ الملائم والصالح لهم .

طبعا هناك مسؤوليات خاصة بكل جهة ؛ الدولة عليها تحملات لا يمكن ان تتنصل منها . وهناك التزامات عليها ان تتحملها بكل ما تتطلبه من امكانيات مادية وبشرية . الدولة لا يجب ان تنفض يدها من قطاعات اجتماعية في الصحة والتعليم مثلا . كما تتحمل مسؤولية خلق المناخ الملائم للاستثمار ولصيانة المؤسسات والسهر على تطبيق القانون وخلق اليات للمراقبة والمتابعة والتقييم .

ويجب « أولا ،رفع يد الدولة عن الحياة الحزبية ، وبالتالي الايمان العميق باستقلاليتها وقدرتها على العيش بدون موجبات السقوط او النجاح الخارجة عن قدرتها الذاتية . ثانيا ، الايمان العميق بقدرتها على الفعل والايمان بدورها كقاطرة ديموقراطية لا يمكن ابدا البحث عن بدائل لها ، أو بدائل منها للعب دور غير دورها …

الدولة ، من حقها ، بل من واجبها ، ان تعقلن اللعبة السياسية وترشد الكتل الحزبية وتعقلن التاريخ عموما ، كما يرى ماكس فيبر ذلك ، حول الاستراتيجيات ورسم الثوابت والحفاظ عليها ، واستباق الأوضاع الصعبة ، كما في الربيع العربي اياه ، لكنها مطالبة بالايمان بقدرة الأحزاب على الحياة بدونها …. » عبد الحميد جماهري ؛ جريدة الاتحاد الاشتراكي ، العدد 12. 432.

والمجتمع بكل مكوناته مطالب بان يسهر على ايجاد اليات التطور والمشاركة والمساهمة في السياسة العمومية ومراقبتها وفرض المحاسبة بخصوص تحسينها وخدمتها للصالح العام …

كل هذا يتطلب ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته والاصرار على اشتغال المؤسسات من هذا المنطلق اي خدمة الصالح العام .

 » …يشدد الاتحاد الاشتراكي ، بوصفه فاعلا تاريخيا في المسألة الثقافية الوطنية ، على البعد الديموقراطي والحداثي للثقافة الذي يستلزم التفعيل الجيد للمقتضيات الدستورية المتعلقة باحترام مبادئ التعددية والتنوع والمواطنة وحرية الرأي والتعبير . ومن ثمة ، من الضروري خلق دينامية مجتمعية قوية رافضة لكل أشكال الاستلاب المحافظ والتفكير العدمي ، وقادرة على اقرار قطب ثقافي جديد يسهم في تعزيز الابداع الحر وثقافة الاختلاف وروح التعايش والانفتاح على الاخر  » .

هو المغرب الذي نريده والذي نرغب في أن يقوم على قيم واضحة للجميع انطلاقا من مجتمع الديموقراطية وحقوق الانسان . ديموقراطية تنتفي فيها القبلية والدموية والمحسوبية والبيروقراطية القاتلة ، ويحتكم الناس الى القانون .

ديموقراطية تكون فيها القوانين مسايرة لتطور المجتمع ولتطورات العصر . وحقوق الانسان كما هي متعارف عليها دوليا انطلاقا من المرجعيات الدولية الموجودة في هذا الصدد .

المغرب الذي نريده ؛ دولة المؤسسات ودولة الديموقراطية التشاركية ، لكن انطلاقا من قيم الديموقراطية كما هي معروفة ، وليس ديموقراطية صناديق الاقتراع الشعبوية ( توظيف الدين والمال ) .

المغرب الذي نريد ؛ يعيش فيه الناس باختلاف وتسامح وبحقوق مضمونة . لكن أيضا بتنمية تحقق للمغرب مكانته الوطنية والاقليمية والدولية.

 » ومما لا شك فيه أننا اليوم بصدد التشييد لمنعطف تاريخي في مسيرة بلادنا …. »

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *