البشير الحداد الكبير يكتب: المغرب الإفريقي.. قراءة في المبادرة الملكية لمساعدة 15 دولة إفريقية لمواجهة جائحة كورونا
كم هو جميل هذا اليوم، الذي أعود فيه إلى البيت، بعد طول غياب! كم هو جميل هذا اليوم، الذي أحمل فيه قلبي ومشاعري إلى المكان الذي أحبه ! فإفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي.
لقد عدت أخيرا إلى بيتي. وكم أنا سعيد بلقائكم من جديد. لقد اشتقت إليكم جميعا…”(1)،عاد المغرب للإتحاد الإفريقي عودة قوية وأثبتت جائحة كورونا هذه العودة، لقد كانت القارة الإفريقية ناقصة دون المغرب، فالمغرب يعتبر ذلك العضو الرئيسي بإعتباره المؤسس لهذه المنظمة حينما كانت تسمى بمنظمة الوحدة الإفريقية، عاد المغرب ليثبت دوره القيادي والريادي في القارة الإفريقية بفضل الديبلوماسية الملكية الحكيمة،وبالتالي إلى أي حد ساهمت المبادرة الملكية في تكريس التعاون الإفريقي؟ للإجابة على هذا السؤال، فقد اعتمدنا التقسيم التالي:
المحور الأول:عودة المغرب للإتحاد الإفريقي
لقد اقتنع المغرب من البداية أن رجوعه لمنظمة الإتحاد الإفريقي ضرورة ملحة،من أجل المساهمة في بناء وتوحيد القارة الإفريقية، وجعلها قطبا منافسا قويا لباقي القارات الأخرى، وبالتالي قام بتفعيل المادة 29 من القانون التأسيسي لمنظمة الإتحاد الإفريقي والتي تنص على التالي :”يجوز لأي دولة إفريقية بعد دخول هذا القانون حيز التنفيذ، وفي أي وقت أن تخطر رئيس اللجنة بنيتها في الإنضمام إلى هذا القانون وقبول عضويتها في الإتحاد،يقوم رئيس اللجنة عند استلام هذا الإخطار بإرسال نسخ منه إلى جميع الدول الأعضاء، وتتم عملية القبول بأغلبية بسيطة للدول الأعضاء، ويحال قرار كل دولة عضو إلى رئيس اللجنة الذي يقوم بدوره، عند استلام العدد المطلوب من الأصوات بإبلاغ الدولة المعنية بالإقرار” وعليه، قام المغرب بطلب الإنخراط الذي نتج عنه قبوله في عضوية الإتحاد الإفريقي، لكن ينبغي التذكير أن المغرب رغم انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية ظل متشبتا بإفريقيا ويحاول جاهدا الدفع بها إلى مصاف الدول المتقدمة، إيمانا منه بأنه تربطه بإفريقيا روابط تاريخية ودينية كذلك، فالعديد من الدول الإفريقية إسلامية، وبالتالي نلاحظ أن هناك قواسم مشتركة،بالإضافة إلى انفتاحه على الثقافة الإفريقية، بل أكثر من ذلك نلاحظ أنه رغم انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية،كان في تواصل تام بها، فمنذ سنة 2000 إلى يومنا هذا تم إبرام حوالي 949 إتفاقية،دون أن ننسى مساهمة المغرب الأممية في إستتباب الأمن بإفريقيا هناك 6 مساهمات بالإضافة أن القوات المغربية لازالت بإفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومساهمته أيضا في “نهر مانو” وكذلك في ليبيا عبر مؤتمر “الصخيرات” ودعمه للحوار والأمن فيها، ناهيك عن تقاسمه تجربته الرائدة في محاربة الإرهاب والتي حظيت بإعجاب مختلف دول العالم، ثم كذلك مسامهته في الجانب الديني الروحي بإفريقيا نظرا لقيامه على المذهب المالكي والوسطية والإعتدال وتأسيسه لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة كل هذا لمواجهة التطرف ونشر السلم والأمن بإفريقيا، كما لاحظنا الحضور القوي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله من خلال العديد من الزيارات للدول الإفريقية وإشرافه المباشر على إبرام الإتفاقيات والعقود التي تهم القطاع الخاص، من خلال إبرام شراكات إقتصادية همت القطاع الفلاحي وتركيز جلالته على الجانب الفلاحي من أجل ضمان الأمن الغذائي بإفريقيا خصوصا أن من أهم التحديات التي تواجه إفريقيا هي الأمن الغذائي، ثم إتفاقية مع دولة نيجريا همت أنبوب الغاز إفريقيا-الأطلسي، والتي ستنعكس إيجابا على العديد من الدول الإفريقية خصوصا دول غرب إفريقيا وستنمي شراكات ثنائية ومتعددة الأطراف فيما بينهم وستحقق النمو والتقدم والإقلاع الصناعي وتحسين المستوى الإجتماعي، وينبغي ألا ننسى إستقبال المغرب لآلاف الطلبة الجامعيين في سلك التكوين العالي، كما أنه قام بتسوية وضعية الأفارقة ومنحهم بطاقة الإقامة واستفادتهم من السكن والتطبيب وتعامل المغرب معهم كأنهم مواطنين مغاربة في إطار تكريس مبدأ المساواة وأن المغرب بمثابة بيتهم الثاني.
وبالتالي فالمغرب بعودته للإتحاد الإفريقي يحاول جاهدا خلق جو يطبعه التعاون بين جميع الدول الإفريقية دون إستثناء وهدفه من كل هذا أن تحتل إفريقيا مرتبة الريادة والقيادة العالمية وتكون قطبا قويا منافسا.
المحور الثاني: قراءة في المبادرة الملكية لدعم 15 دولة إفريقية لمواجهة جائحة كورونا
بينما جل دول العالم منطوية على نفسها تحاول مواجهة فيروس كورونا، حاول المغرب تحت القيادة الرشيدة لمولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في التفكير في القارة الإفريقية، بدءا بالمبادرة التي إقترحها جلالة الملك أعزه الله في شهر أبريل 2020 من خلال إرساء إطار مؤسساتي لمواكبة البلدان الإفريقية مختلف مراحل تدبيرها للجائحة وتقاسم التجارب والممارسات الجيدة لمواجهة التأثيرات الصحية والإقتصادية والإجتماعية لجائحة كورونا،نلاحظ أن المغرب لم يكتفي فقط بالكلام، بل انتقل إلى الفعل، وتجلى هذا في المبادرة الملكية الإنسانية السامية لدعم 15 دولة إفريقية،وتأتي هذه المبادرة في سياق صعب، فرغم أن العالم يعيش في وضعية صعبة، قرر المغرب عدم التخلي على الدول الإفريقية على قارته الإفريقية، في إطار تعاون جنوب جنوب، في إطار التكريس والتفعيل الحقيقي والفعلي لروابط الصداقة والتعاون،فجلالة الملك حفظه الله من خلال هذه المبادرة يرسل إشارة واضحة أن إفريقيا ستعالج جراحها لوحدها ويرسل إشارة قوية وهي رسم خارطة طريق جديدة لإفريقيا جديدة،إفرقيا متضامنة،كما أن الملاحظ كذلك من خلال هذا الدعم أنه شمل الميدان الطبي، فالدول الإفريقية اقتنعت بنجاح التجربة المغربية الرائدة في مواجهة فيروس كورونا، رغم أن هناك العديد من العدميين انتقدوا الوضعية الصحية بالمغرب لكن لا بأس بتذكيرهم بمقتطف من خطاب العرش لسنة 2018،إذ قال جلالته حفظه الله :”…وإني واثق أنهم لن يسمحوا لدعاة السلبية والعدمية، وبائعي الأوهام، باستغلال بعض الاختلالات، للتطاول على أمن المغرب واستقراره، أو لتبخيس مكاسبه ومنجزاته..” فالدول الإفريقية لاحظت كيف واجه المغرب فيروس كورونا من خلال طاقمه الطبي(المدني والعسكري) الذي يتميز بالكفاءة والجودة، كما أن المساعدات الطبية لدول إفريقيا من صنع مغربي خالص، فالمغرب من خلال هذه المبادرة الملكية يحاول تجنيب إفريقيا تداعيات جائحة كورونا،وبناء إفريقيا قوية من ناحية التعليم والصحة، فهو يحاول جاهدا المساهمة في الإصلاح المؤسساتي والمالي بالإتحاد الإفريقي،كما يريد أن تستفيد إفريقيا ما بعد جائحة كورونا من ثرواتها الطبيعية وتوظف إمكاناتها البشرية للنهوض بالقارة الإفريقية نحو التقدم والازدهار.
إن المغرب من خلال قراءة ديباجة دستور 2011 (2) نلاحظ أنه عازم على المساهمة بنية صادقة في تعزيز روابط التعاون والتقارب مع الشعوب والبلدان الإفريقية ولاسيما مع بلدان الساحل والصحراء وتقوية تعاون جنوب جنوب، كما نلاحظ أيضا أن المغرب من خلال هذه المبادرة الملكية السامية قام بتفعيل المادة الثالثة من القانون التأسيسي لمنظمة الإتحاد الإفريقي،والتي تنص على أهداف هذه المنظمة القارية، نذكر من بين هذه الأهداف:
+تحقيق وحدة وتضامن أكبر فيما بين البلدان والشعوب الإفريقية؛
+التعجيل بتكامل القارة السياسي والإجتماعي والإقتصادي؛
+تعزيز التعاون في جميع ميادين النشاط البشري لرفع مستوى معيشة الشعوب الإفريقية.
خلاصة:
بكل صدق وموضوعية، إن المبادرة الملكية لدعم دول إفريقيا شكلت محطة إعجاب وتنويه مختلف دول العالم، وشكلت التجسيد الحقيقي للمثل الشهير “الصديق وقت الضيق”، كما تجدر الإشارة قبل الختم أن الديبلوماسية الملكية تحاول جاهدة بناء اتحاد المغرب العربي حقيقة، لأنه في نظرها أن هذا الإتحاد ضروري لإستمرار مؤسسة الإتحاد الإفريقي وهذا ما جاء في الخطاب الملكي السامي بأديس أبابا سنة 2017 إذ قدم جلالته أرقام عن ضعف المبادلات التجارية والاقتصادية بين دول المغرب العربي في حين مجموعة دول شرق وغرب إفريقيا تشهد تطورا وتعاونا إقتصاديا فيما بينها،ونلاحظ أن جلالة الملك أعزه الله أطلق سنة 2018 في الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء مبادرة فتح الحوار مع الجارة الشقيقة الجزائر عبر إعتماد آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور،كما لاحظنا أن جلالته حفظه الله هنأ المنتخب الجزائري بمناسبة فوزه بكأس أمم إفريقيا وذلك في خطاب العرش لسنة 2019.
إن هذه المبادرات الملكية بإفريقيا ما هي إلا لتقوية القارة الإفريقية ولتشكل قطبا إقتصاديا صاعدا كأمثال الدول الصناعية الجديدة بآسيا أو ما تسمى بالتنينات الآسيوية وكذلك كالإتحاد الأوروبي.
الهوامش :
1-مقتطف من الخطاب الملكي السامي بأديس أبابا والموجه للمشاركين في القمة 28 للإتحاد الإفريقي.
2-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011،بتاريخ 29 يوليوز 2011،في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة:3600. الدول الصناعية الجديدة بآسيا أو ما تسمى بالتنينات الآسيوية وكذلك كالإتحاد الأوروبي.
الهوامش :
1-مقتطف من الخطاب الملكي السامي بأديس أبابا والموجه للمشاركين في القمة 28 للإتحاد الإفريقي.
2-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011،بتاريخ 29 يوليوز 2011،في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر،بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة:3600.