تشهد العلاقات المغربية-الروسية تطورًا ملحوظًا في مجال التكنولوجيا الزراعية، حيث تجري مفاوضات مكثفة بين الجانبين لبحث فرص التعاون في استصلاح الأراضي، وتطوير أنظمة الري، ورقمنة القطاع الزراعي. ووفقًا لما أوردته صحيفة “إزفيستيا” عن السفارة الروسية في الرباط، فإن عددًا من الشركات الروسية تعمل بالفعل بشكل وثيق مع شركاء مغاربة في هذا المجال، ما يعكس اهتمامًا متزايدًا من موسكو بتعزيز التنمية الزراعية في المملكة.
وأكدت البعثة الدبلوماسية الروسية أن هذه الشراكات تشمل مشاريع مبتكرة تهدف إلى تحسين كفاءة الموارد الزراعية من خلال تبني تقنيات متقدمة في الري والاستصلاح الزراعي، إلى جانب رقمنة العمليات الزراعية لضمان إدارة أكثر فاعلية للمحاصيل وتحسين الإنتاجية.
في سياق متصل، حققت روسيا تقدمًا كبيرًا في سوق الحبوب المغربية، حيث أصبحت المورد الأول للقمح إلى المغرب، متجاوزة فرنسا التي لطالما احتلت الصدارة في هذا المجال. ووفقًا للبيانات، فقد صدّرت روسيا خلال عام 2024 ثلاثة أضعاف المنتجات الزراعية إلى المغرب مقارنة بالعام السابق، ما يعكس تحولًا في التوجهات التجارية للمملكة نحو تنويع مصادر الاستيراد وتعزيز التعاون مع موسكو.
وفيما يخص الشعير، استورد المغرب خلال الموسم الماضي نحو 1.4 مليون طن، منها 170 ألف طن من روسيا، أي ما يزيد قليلًا عن 10% من إجمالي الواردات، وهو مؤشر على تنامي الدور الروسي في تزويد المغرب بالحبوب، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الإمدادات الزراعية عالميًا.
يأتي اهتمام روسيا بتعزيز شراكاتها الزراعية مع المغرب في إطار سعيها لتوسيع نفوذها الاقتصادي في القارة الإفريقية، خاصة في ظل العقوبات الغربية التي تدفعها للبحث عن أسواق جديدة. وفي المقابل، يستفيد المغرب من هذه الشراكة عبر الحصول على التكنولوجيا والخبرات الروسية المتقدمة في مجال الزراعة، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل التغيرات المناخية وشح الموارد المائية، ما يعزز الأمن الغذائي في المملكة.
ولا يقتصر التعاون بين البلدين على التجارة فقط، بل يشمل أيضًا البحث العلمي والتطوير التقني في القطاع الزراعي. فقد أعربت موسكو والرباط عن التزامهما بتعزيز الشراكة في مجالات تحسين السلالات الزراعية، وإنتاج البذور، وصحة الحيوانات، وتطوير اللقاحات الخاصة بالثروة الحيوانية، وهو ما يعكس توجهًا مشتركًا نحو تحديث القطاع الزراعي وضمان استدامته.
مع استمرار المباحثات حول مشاريع جديدة، من المتوقع أن يشهد التعاون المغربي-الروسي توسعًا أكبر خلال السنوات المقبلة، ليشمل مجالات متقدمة مثل الزراعة الذكية، وتعزيز كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، وتطوير أنظمة ري أكثر تطورًا، ما سيسهم في تحسين الإنتاج الزراعي في المغرب وتعزيز موقعه كمركز زراعي استراتيجي في المنطقة.
هذه الديناميكية الجديدة في العلاقات الزراعية بين المغرب وروسيا تعكس تحولًا استراتيجيًا في التعاون الدولي، حيث يتطلع كلا البلدين إلى بناء شراكات متينة قائمة على المصالح المشتركة والاستفادة المتبادلة من القدرات التقنية والتجارية، بما يخدم تطلعاتهما لتحقيق تنمية زراعية مستدامة ومتكاملة.