سليمان الخشين
هاد الناس ديال “النهج الديمقراطي” ما زالين كيفكروا بالمنطق ديال الستينات والسبعينات، وكيظنوا بأن استعمال المصطلحات الرنانة اللي كتمس بالثوابت الوطنية، هي دليل على النضال. ولكن الواقع يؤكد أنهم قد انسلخوا عن الواقع وعن المجتمع، ولم تعد تربطهم بالمتغيرات الوطنية والدولية أية رابطة.
هؤلاء لم انغلقوا في قوقعة ضيقة لأنهم لم يستطيعوا تقبل تغير الأوضاع الدولية، ولم يدركوا بعد أن الماركسية كإيديولوجية سياسية أصبحت أسطوانة مشروخة لم تستطع الصمود حتى في الدول التي أسستها جميع الأحزاب اليسارية في الدول ذات المرجعية الديمقراطية والليبرالية وقفت وقفة تأمل، وراجعت أفكارها ومنطلقاتها الفكرية والإيديولوجية، وأصبحت كلها تتبنى المقاربة الاجتماعية الديمقراطية SOCIAL – DEMOCRATIE باعتبارها المقاربة الوحيدة الكفيلة بترسيخ العدالة الاجتماعية والطريقة الأمثل للتوافق السياسي مع الدولة وتقارب الباطرونا مع الطبقة العاملة، وإضفاء الطابع الإنساني على الرأسمالية.
لقد نسي هؤلاء أن المملكة المغربية قد جعلت الخيار الديمقراطي أحد الأركان الأساسية التي يقوم عليها نظامها السياسي، ولقد اختارت الأمة المغربية أن تكون ديمقراطيتها دستورية، برلمانية، اجتماعية، تشاركية ومواطنة.
وفي الوقت الذي عبرت فيه كل القوى الحية بالبلاد، وعبر كافة المغاربة عن اقتناعهم بعدالة قضيتهم التي لم تعد تروج لها سوى المنابر الرسمية للجزائر، وأن دعاة الانفصال ليسوا سوى دمية تحركها المخابرات الجزائرية في الاتجاه الذي تريد، من أجل التغطية على فشل نظامهم في احتواء الغضب الشعبي من تحكم العسكر في حياتهم السياسية.
نجد هؤلاء “النهج الديمقرطي” يدعون إلى تمكين “الشعب الصحراوي” من تقرير مصيره، غير مدركين للمدلول الفعلي لهذا المصطلح، الذي أصبح من مخلفات الماضي، بعدما أبانت المعطيات العملية استحالة تنفيذه لعدة اعتبارات، لعل أبرزها استحالة حصر الأشخاص الذين بإمكانهم المشاركة في الاستفتاء، باعتبار أن سكان الصحراء هم في الحقيقة جزء لا يتجزأ من الشعب المغربي، حيث تربطهم روابط العرق واللغة والدين والتاريخ المشترك، والتراث المشترك من الذكريات، بل واتحاد الحاجات والآمال.
إن أصحاب “النهج الديمقراطي” لا زالوا يعيشون على صدى الشعارات التحررية التي كانت سائدة في خمسينيات القرن الماضي، ولم يدركوا أنه قد تمت مراجعات جوهرية على مبدأ “حق الشعوب في تقرير مصيرها” حيث إن هذا الحق لم يعد يمنح إلا في ظروف استثنائية، مثل تصفية الاستعمار، أو في حالة وجود تطهير عرقي تمارسه دولة ما على الأقليات التي تطالب بحقوقها السياسية والمدنية والثقافية والاقتصادية، فهل يمكن اعتبار الدولة المغربية دولة استعمارية، وهي الدولة التي عانت أكثر من غيرها من ويلات الاستعمار الذي قسمها ما بين مجموعة من القوى الاستعمارية.
بل إن استرجاع أقاليمنا الجنوبية لا يمكن إدراجه إلا في إطار تصفية الاستعمار بعد أن أكدت محكمة العدل الدولية وجود روابط عرقية واجتماعية وسياسية بين سكان هاته الأقاليم والدولة المغربية. ألم يكن مؤسسو جبهة “البوليساريو” يتابعون دراساتهم الجامعية بالعاصمة الرباط كمواطنين ورعايا مغاربة، قبل أن تحتضنهم المخابرات الجزائرية التي كانت تسعى إلى مناوأة الحقوق الشرعية للمملكة المغربية في بسط سيادتها على جزء لا يتجزأ من ترابها.
ومن جهة أخرى هل يوجد اضطهاد لسكان الأقاليم الجنوبية، حتى يكون ذلك مبررا للمطالبة بالانفصال وحقهم في تقرير مصيرهم، بينما الواقع يؤكد أنهم يتمتعون بالمشاركة في الفعلية في السلطة السياسية (أعضاء في الحكومة وفي البرلمان، وفي المجالس المحلية) ويساهمون بأنفسهم في تقرير جميع أشكال تنمية جهتهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. بل إن الدولة المغربية وفي إطار جهودها السياسية لطي هذا المشكل المفتعل بادرت إلى تقديم مبادرة جدية من أجل تمكين هذه الجهة من الحكم الذاتي الذي يضمن لسكان المنطقة كامل السلطة لتسيير جهتهم في إطار حكومة مستقلة وبرلمان مستقل يقوم بتشريع جميع القوانين، ما عدا تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية أو تتعلق برموز السيادة. مع تعهد الدولة المغربية بتوفير الموارد المالية الضرورية لتنمية المنطقة في كافة المجالات. وهي المبادرة التي لقيت ترحيبا دوليا باعتباره الحل الأكثر واقعية وعقلانية لحل هذا النزاع المفتعل.
طبعا الرفاق في “النهج الديمقراطي” مثلما غائبون عن تتبع المتغيرات الدولية والوطنية، فإنهم يمكن اعتبار خارج منطق “التاريخ والجغرافية” لم يطلعوا حتى على بنود الدستور المغربي الذي ينص على أنه لا يجوز للأحزاب أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي أو بالنظام الملكي أو المبادئ الدستورية أو الاسس الديمقراطية أو الوحدة الوطنية أو الترابية للمملكة”.
ليظل السؤال المطروح ما هدف “الرفاق” من هذا البيان النشاز في هذه الظرفية التاريخية الحساسة التي توحدت فيها إرادة الشعب مع عاهله للضرب بيد من حديد بكل من يجرؤ على المساس بسيادة هذه الدولة. هل هو حب التميز؟ أم التشبث بقاعدة “خالف تعرف” إن من يمارس العمل السياسي مهما كان توجهه يجب أن يتحلى بالروح الوطنية، وهذه الروح تتجلى في تقديس الوطن وبذل النفس من أجل الحفاظ عليه، وكذا احترام مشاعر المواطنين وتفادي كل ما يمس بمشاعرهم. الوطنية كما قال جلالة الملك لا تتجزأ، فإما أن يكون الشخص وطنيا وإما أن يكون خائنا.