الودغيري يكتب: استطراف واستظراف

الودغيري

حَظِيَ الرئيسُ البشير، بعد حُكم دام ثلاثين عامًا آلَ إليه بعد انقلابٍ عسكري، ب«عقوبة» لطيفة لذيذة يتمنّاها كلُّ حاكم فاسِد أسقَطته انتفاضةٌ شعبية عارِمة كان من الممكن أن تتصرَّف معه كما تصرَّفت ثوراتٌ شعبية أخرى مع حكّامها المكروهين، كالثورة الفرنسية مع الملك لويس السادس عشر، وثورة رومانيا مع رئيسها تشاوسيسكو وشريكة حياته، وثورة الليبيّين مع رئيسهم القذافي. لكن السودانيّين الطيّبين جدًا آثروا التعامل مع رئيسهم ـ إلى حد اليوم على الاٌقل ـ بشيء زائد من الحِلم والرفق لم يسبق له مثيلٌ، فاكتفوا بوضعه مدةً سنتين لا أكثر، في إصلاحيةٍ اجتماعية عادةً ما تُخصَّص للأطفال القاصرين. حُكمٌ طريف أثار استغراب الجميع، وأطلق عِنانَ الألسنة العابثة بالافتراضات الساخرة.
قال أحدُهم:
ـ مَن يدري؟ ربما كان للقُضاة فلسفةٌ بعيدة الغَور وحِكمةٌ لا يُدرك غايتَها إلا الراسخون في العلم.
قال آخر:
ـ ربما توخّوا وراءَ ذلك إصلاحَ أحوال الرئيس و(إعادةَ تربيته) على المواطنَة الصالحة، وتدريبه على أيدي متخصّصين على أصول الحُكم الرشيد، وعلاجَه من الإدمان على بعض العادات السيئة التي كان يمارسُها كما يُمارسُها غيرُه من الحُكام الأشرار.
علَّق ثالث:
ـ آه ! لو كان الرئيس البشير يعرف أن شعبه سيقابلُه بهذا اللُّطف والكرَم الحاتمي، لكان قد باعَ السودان بكل ما فيها، أرضها وحصاها، ماءها وهواءها وسماءها مقابل شيء واحد وهو الاحتفاظ بكرسيّه الوثير لمدة عقود أخرى.
وعقَّب الأخير:
ـ القانون هناك، لا يسمح بسَجْن الشخصٍ الذي تجاوزَ سنَّ السبعين، فلتنهضوا أيها السبعينيون الكرام، ولتخرُجوا عن طوركم وترتكبوا ما شئتُم من حماقات. إن أقصى عقوبة تنتظركم هي النفيُ إلى بَلدة أخرى داخل الوطن الغفور الرحيم، فاجمعوا ما يكفيكم لقضاء فترة النفي في راحة تامة، وعيشة راضية، ما أطيبَكم يا شعبَنا في السودان.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *