الوصفة المغربية المعتمدة في تفكيك الخلايا الإرهابية.. دراسة دستورية قانونية تحليلية

البشير الحداد الكبير

سنبدأ هذا المقال بمقتطف من الخطاب الملكي السامي بتاريخ 29 ماي 2003،إذ قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله : »… ولاستخلاص الدروس مما حدث ‏والتعبئة ضد تكراره… »،شكل الحادث الإرهابي بالدار البيضاء سنة 2003 محطة مفصلية، إذ تم إعادة النظر في العمل الإستخباراتي المغربي، بعد هذا الحادث جاء حادث مقهى أركانة بمراكش ليحدث كذلك طفرة في العمل الأمني والإستخباراتي، إذ تم القيام بالعديد من الإصلاحات في مختلف المجالات،ومنذ ذلك الوقت أصبح المغرب نموذجا رائدا في مكافحة الإرهاب.
في فترة كورونا والعالم بأسره مشغول بهذا الفيروس، والمغرب بدوره كذلك مشغول بهذا الوباء، وحيث أن السلطات همها الوحيد هو فرض التدابير الإحترازية حماية لصحة المواطنات والمواطنين، فكرت الجماعات الإرهابية بأن أفضل وقت لتنفيذ المخططات الإرهابية هو في فترة كورونا، لكنها وجدت المصالح الإستخباراتية لها بالمرصاد، وبالتالي فالسؤال المطروح ما هو سر نجاح العمل الإستخباراتي المغربي في تفكيك الخلايا الإرهابية؟
المغرب بعد حادث الدار البيضاء وحادث أركانة أصبح أكثر يقظة في تفكيك الخلايا الإرهابية، إذ قام بوضع إستراتيجية وطنية قائمة على عدة مقاربات:
+ »دينية » : إن مؤسسة إمارة المؤمنين هي الضابطة للحقل الديني، حيث قام جلالة الملك أعزه الله منذ إعتلائه عرش أسلافه الميامين على إحداث تغيير جذري في طريقة اشتغال المؤسسات المعنية بالحقل الديني،إذ تم تحديث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وإحداث موقعها الإلكتروني في إطار أجرأة الإدارة الرقمية،كما تم تحسين جودة التربية والتكوين بالتعليم العتيق، بل أكثر من ذلك نجد أنه تم إحداث تغيير عميق في مؤسسة دار الحديث الحسنية عبر إعادة النظر في منظومة التكوين، وتم إحداث قناة محمد السادس للقرآن الكريم الهدف منها تنوير الرأي العام في إطار الإعلام الديني وإعتبارها وسيلة لصيانة الهوية المغربية وإبراز الوحدة العقائدية للأمة.
كما نجد أن دستور 2011(1) ارتقى بالمجلس العلمي الأعلى لمؤسسة دستورية بموجب الفصل 41 من الدستور، وجعل المؤسسة الملكية هي التي تتولى رئاسته وذلك ضمانا « للحكامة الدينية » ،هنا نفتح قوس في إطار التأويل والتفسير للوثيقة الدستورية قد يعتقد البعض بأن مؤسسات الحكامة الجيدة هي المنصوص عليها فقط في الباب الثاني عشر من الدستور ولكن هذا تفسير ضيق للدستور، أما التفسير الواسع فهو يشمل كل مؤسسة تم ذكرها خارج الباب الثاني عشر فمثلا المجلس الأعلى للحسابات يضمن الحكامة المالية والمجلس العلمي الأعلى يضمن الحكامة الدينية.
كما تم إصلاح المجالس العلمية المحلية حتى تقوم بمهمة الوعظ والإرشاد وتنوير فكر المواطنات والمواطنين ومحاربة التطرف وفكر الضلال.
وفي نفس السياق تم إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات،كل هذا لتوفير البنية التحتية الملائمة لضبط الحقل الديني أكثر فأكثر.
+ »المقاربة المؤسساتية » : تم إصلاح المؤسسات الأمنية وتحديثها، حيث تم إحداث المعهد الملكي للأدلة والعلوم الجنائية التابع للمعهد الملكي للشرطة، كما تم تحديث وتجويد عمل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ومختبراتها، كما تم تعيين مدير جديد(عبد اللطيف الحموشي) منذ سنة 2005 إلى يومنا هذا على رأس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (الديستي) بمعنى عقلية جديدة وضخ دماء جديدة في المرافق الإستراتيجية للدولة، وفي سنة 2015 تم إحداث جهاز مساعد للديستي سمي ب »المكتب المركزي للأبحاث القضائية » الذي منذ إحداثه إلى اليوم وهو يحقق نجاحات ميدانية من خلال تفكيك خلايا إرهابية في إطار المقاربة الإستباقية، حيث كان الهدف من الإصلاح المؤسساتي هو تمكين الجهات الأمنية والإستخباراتية القدرة على التحرك وتنظيم العمليات في إطار احترام تام لحقوق الإنسان.
دون أن ننسى معطى مهم أنه في سنة 2018 دشن جلالة الملك حفظه الله معهدا للتكوين التخصصي بالديستي،الهدف منه تكوين شرطي متخصص في مجال الإستعلامات، ويتوفر هذا المعهد على أحدث الوسائل والتقنيات لاسيما في البحث الجنائي وعمليات الإستجواب والتقاط المكالمات في إطار القانون وتحت إشراف السلطات القضائية المختصة، بل أكثر من ذلك نجد أن هذا المعهد سيساهم في تطوير آليات الإشتغال التي تتيح رفع التحديات المتنامية للخطر الإرهابي والإرتقاء بأساليب تفكيك الجماعات الإرهابية، كما سيساهم أيضا في تثمين كفاءات موظفي الديستي وتمكينهم من الإحاطة بجميع التحديات التي تحدق بأمن الوطن والمواطنات والمواطنين.
+ »المقاربة القانونية » : مباشرة بعد حادث الدار البيضاء سنة 2003 تم تفعيل قانون مكافحة الإرهاب 03.03(2)، تلاه سن القانون رقم 86.14(3) ‏القاضي بتغيير وتتميم بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي
وقانون المسطرة الجنائية المتعلقة بمكافحة الإرهاب،الهدف من هاذين القانونين هو وضع الأرضية لمكافحة الإرهاب وجعل التدخلات الأمنية مشروعة.
+ »المقاربة الأمنية » : لقد اكتسب المغرب التجربة والخبرة حيث أصبح أسلوبه الأمني قائم على الضربات الإستباقية نظرا للسرعة في التوفر على المعلومة وتشديد التنسيق الأمني بين مختلف الجهات الأمنية بل أكثر من ذلك تعزيز التعاون الدولي، حيث أصبح المغرب يتقاسم تجربته الرائدة مع العديد من الدول كبلجيكا وفرنسا وإسبانيا وهولندا.
+ »حقوقية »: أصدر المغرب وثيقة دستورية جديدة سنة 2011 وسعت من دائرة الحقوق والحريات من خلال الباب الثاني بل أكثر من ذلك مصادقته على المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان مما جعل التدخلات الأمنية في تفكيك الخلايا الإرهابية تكون في إطار احترام تام لحقوق الإنسان،وتحت رقابة القضاء.
+ » تنموية » : نظرا للضربات الإستباقية للخلايا الإرهابية أصبح المغرب بلد ينعم بالإستقرار والأمن، مما دفع عدد كبير من المستثمرين بأوروبا والصين وروسيا بأن يستثمروا في المغرب مما يؤدي إلى تقليص معدل البطالة وتوفير مناصب الشغل، كما أن البعد التنموي أيضا يتجلى في نهج المغرب سياسة العفو وإعادة إدماج السجناء المعتقلين في قضايا إرهابية تفعيلا للخطاب الملكي التاريخي لجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه حينما قال : »إن الوطن غفور رحيم »، وبالتالي فالمغرب لا يتعامل بنظرة دونية مع السجناء الذين يسجنون في قضايا إرهابية بل يمنحهم العفو ويتم إدماجهم في المجتمع حتى لا يحسوا بالإهانة والإحتقار في إطار احترام تام لكرامة المواطن بحيث يتم مساعدتهم على خلق مقاولات ذاتية ويعود هذا بالنفع والتنمية على الوطن والمواطن.
وبالتالي فكل هذه المقاربات التي اعتمدها المغرب في نموذجه الأمني لمحاربة الإرهاب أعطت أكلها، حيث أنه في أزمة كورونا ورغم انشغال السلطات بمحاربة الوباء، لكن العمل الإستخباراتي ظل يقظا إذ تم تفكيك خلية إرهابية تنشط بثلاث مدن (طنجة، تمارة،تيفلت) بتاريخ 10 شتنبر 2020، وما يميز هذه العملية على غرار باقي العمليات الأخرى أنها إستباقية فالمغرب استفاد من التجارب الماضية(الدار البيضاء، أركانة) فهذه التجارب لم تضعف الدولة، بل جعلت الدولة تغير طريقة عملها وطورت أسلوبها مما جعل المغرب نموذجا يحتذى به في ميدان محاربة الإرهاب، كذلك ما يميز العملية أن المصالح الأمنية تدخلت بكل حكمة ودقة واعتقلت الخلية الإرهابية وفروعها في المدن الأخرى مما يطرح مسألة مهمة أن المغرب عزز وقوى من التناسق الأمني.
وفي الختام بكل صدق وموضوعية، المغرب من خلال تفكيكه للخلية الإرهابية في فترة كورونا يعطي رسالة قوية أن العمل الإستخباراتي المغربي قائم على اليقظة الدائمة والتنسيق بين مختلف المصالح الأمنية في ربوع المملكة، بل أكثر من ذلك من خلال هذه العمليات الإستباقية يظهر لنا جليا أن المغرب اكتسب مناعة قوية في محاربة الخلايا الإرهابية، وكما قال جلالة الملك نصره الله في خطاب العرش لسنة 2016: »…إن مصداقية العمليات الأمنية، تقتضي الحزم والصرامة في التعامل مع المجرمين، ومع دعاة التطرف والإرهاب، وذلك في إطار الالتزام بالقانون، واحترام الحقوق والحريات، تحت مراقبة القضاء.
وأمام تزايد التحديات الأمنية، والمؤامرات التي تحاك ضد بلادنا، أدعو لمواصلة التعبئة واليقظة.
كما أؤكد على ضرورة التنسيق بين المصالح الأمنية، الداخلية والخارجية، ومع القوات المسلحة الملكية، بكل مكوناتها، ومع المواطنين. فالكل مسؤول عندما يتعلق الأمر بقضايا الوطن.
فأمن المغرب واجب وطني، لا يقبل الاستثناء، ولا ينبغي أن يكون موضع صراعات فارغة، أو تهاون أو تساهل في أداء الواجب. وإنما يقتضي التنا فس الإيجابي، في صيانة وحدة الوطن، وأمنه واستقراره.
فليس من العيب أن تكون الدولة قوية برجالها وأمنها، وأن يكون المغاربة جنودا مجندين للدفاع عن قضايا وطنهم.
أما على المستوى الخارجي، فإن التنسيق والتعاون، الذي تعتمده المصالح الأمنية ببلادنا، مع نظيراتها في عدد من الدول الشقيقة والصديقة، قد ساهم في إفشال العديد من العمليات الإرهابية، وتجنيب هذه الدول مآسي إنسانية كبيرة… ».
الهوامش :
1-ظهير شريف 1-11-91 الصادر بتنفيذ دستور 2011 بتاريخ 29 يوليوز 2011 الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011،الصفحة: 3600.
2-ظهير شريف 1.03.140 الصادر بتنفيذ القانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب بتاريخ 28 ماي 2003،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5112 بتاريخ 29 ماي 2003،الصفحة: 1755.
3-ظهير شريف 1.15.53 الصادر بتنفيذ القانون رقم 86.14 ‏القاضي بتغيير وتتميم بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي
وقانون المسطرة الجنائية المتعلقة بمكافحة الإرهاب بتاريخ 20 ماي 2015،الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6365 بتاريخ فاتح يونيو 2015، الصفحة: 5490.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *