انا اتهم « j’acuse »

علي الغنبوري

لا يتعلق الامر هنا بالرسالة الشهيرة للكاتب الفرنسي الكبير اميل زولا ، التي خصصها لادانة القضاء الفرنسي في قضية الجندي الفرنسي ذو الاصول اليهودية الفريد دريفيس المتهم بالخيانة العضمى ، بل الامر يتعلق باستعارة مجردة لمنطق الدفاع الذي وظفه زولا في هذه الرسالة ، واقتناعي به كاسلوب فعال و راق لادانة مجموعة من الممارسات “النضالية “المشوهة و الغريبة، التي باتت تجد لها مرتعا خصبا في بيئتنا السياسية .

انا اتهم مدعو النضال ، الذين يدفعون الاخرين الى التهلكة من اجل تحقيق مصالحهم الشخصية الذاتية و مطامحهم الانانية.

انا اتهم مدعو النضال ، الذين يشجعون معتقلي الريف و باقي معتقلي الاحتجاجات الشعبية على الاضراب عن الطعام حتى الموت ، متناسين حقهم المقدس في الحياة و الحرية.

انا اتهم مدعو النضال ، الذين يعدون الايام ، في مواقع التواصل الاجتماعي ، و هم ينشرون صور جسد احميجيق المنهك من الاضراب عن الطعام ،منتظرين موته، لجعله بمعية رفاقه قرابين لنضالاتهم الوهمية .

انا اتهم عصابات “النضال” المغيبة لابنائها عن ساحات “الوغى” قصد الدراسة بدول رغد العيش الاوروبي ، و المستعيضة بهم بابناء الشعب المغلوب على امرهم .

انا اتهم المتاجرين بالام و هموم الشعب المغربي في ما يسمى الهيئات الدولية و المنظمات غير الحكومية ، و المتقاضين ثمن ذلك مالا و سفريات مخملية .

انا اتهم اؤلائك الذين يجعلون النضال سيرا نحو الموت، رافعين شعار موتوا انتم فنحن سنجعل منكم ذكريات تصلح حطبا لإشعال مواقد منافعنا.

انا اتهم اؤلائك الذين يسطون على نضالات الاخرين التي لم يحضروها و لم يعيشو الامها ، بتنظيم وقفات تضامنية امام البرلمان حاملين لافتات ، قبض ثمنها اضعاف ما كلفته حقيقة.

انا اتهم زمرة المحامين الذين باتو متخصصين في استغلال القضايا المجتمعية لتصفية حساباتهم السياسية مع كل الاطراف ، مصوبين مدفعيتهم في كل الاتجاهات.

انا اتهم كل الصامتين عن حقيقة هذا ” النضال” المشوه الفاقد لاي معنى اخلاقي و قيمة انسانية تؤسس لمنطلاقاته و غاياته و اهدافه.

انا اتهم صحافة الارتباطات الدولية التي لا يهمها معاناة و الام الاخرين بقد ما يهمها تسجيل النقاط في سبيل كسب مزيد من المال ،بالاضافة الى صحافة “البوز” التي تتاجر بصور المعتقلين ، لتحقيق ارباح ذاتية و منافع شخصية ، من خلال تحويل هذه المعاناة الى فرص لرفع المشاهدات.

انا اتهم كل القوى السياسية و المجتمعية و المدنية الديمقراطية ، الممتنعة عن مواجهة هذا التحريف النضالي المقيت، الذي باتت امواجه تقتلع الاخضر و اليابس.

انا اتهم غياب المثقفين عن مواكبة و تأطير حركية المجتمع النضالية ، و تركها فريسة لذئاب النضال المشوه ، الملتحفين بغطاء الشعبوية و العدمية كشعار مناسب لجني المكاسب الشخصية .

النضال ليس هو معارضة النظام والدعوة لاسقاطه، ولا هو السعي نحو الموت و تحفيز الناس على ذلك ، و لا هو ذبج بلاغات الاستنكار و التنديد ، و لا هو تنظيم الوقفات الاحتجاجية و لا هو تموقع سادي في المعارك النضالية بشتى اهدافها و منطلقاتها .

النضال هو قيم انسانية قبل كل شيء ، هو تقديس للتغيير من قلب الحياة و ليس الموت ، هو حرية للعقل و الضمير وكفاف لليد ،هو كذلك ايمان بالاختلاف و حرية المعتقد.

النضال هو ايمان و قناعة راسخة ، هو سلوك يومي يطبع حياة فاعله ، هو كل غير قابل للتجزيء ، هو قول و فعل ، هو مبادرة و ليس قفز على مبادارات الاخرين ، هو تضامن و ليس سطو على نضالات الاخرين،و متاجرة بالامهم و معاناتهم.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *