بوبكري يكتب : المخابرات الجزائرية تسعى إلى إعلان حالة الطوارئ لتوقيف الحراك

محمد بوبكري

لقد كشف جنرالات الجزائر عن خوفهم الشديد من الحراك الشعبي، حيث صار همهم الوحيد هو العمل على إفشاله؛ إذ جندوا كل وسائل الإعلام المأجورة التابعة لهم لترويج أن الحراك قد فشل، كما يحاولون يائسين زرع اليأس في نفوس الجزائريين لثنيهم عن الانخراط فيه، معللين ذلك بأن عامين قد مضيا على الحراك، ولم يتحقق شيء.

ومن الإجراءات التي اتخذتها أجهزة المخابرات الجزائرية أنها بدأت تجمِّع بعض الجزائريين لتنظيمهم فيما تسميه تضليلا بـ »المجتمع المدني »، مع أنه لا يمكن أن يوجد مجتمع مدني في ظل نظام عسكري دكتاتوري. والواقع أن السلطة لا يهمها اليوم إلا التحضير لإجراء الانتخابات في شهر يونيو المقبل. هكذا، فقد قامت باجتماعات شكلية مع أحزاب لا تمثيلية لها، تابعة لها، كما تخلت ظاهريا عن الأحزاب التقليدية التي يوجد قياديوها رهن الاعتقال بسب الفساد المالي…

ويعود اهتمام المخابرات بما تزعم أنه يشكل « المجتمع المدني »، إلى أنها ستدفع ما تبقى من زعامات الأحزاب التقليدية المنهارة إلى الترشح لهذا الانتخابات باسم المجتمع المدني باعتبارهم أحرارا لا انتماءات حزبية لهم. هكذا، فالجنرالات عازمون على تنظيم انتخابات تكون أغلبيتها مما تمت تسميته بـ » المجتمع المدني »، التي هي، في العمق، مجرد أشخاص كانوا ينتمون إلى الأحزاب التقليدية التي قيل إنها اندثرت، والتي تم زرعها في الجسم السياسي الجزائري من جديد عبر انتخابات سيتم ترتيبها مسبقا، إذ سيكون هناك تجديد ظاهري، وحفاظ على نفس النخب القديمة، الأمر الذي يعني أنه لن يكون هناك أي تغيير، وأن نفس المؤسسات ستبقى في الجوهر.

كما يمكن أن يمكن أن يأمر العسكر بعض الأحزاب الصغيرة بالتواجد في البرلمان الجزائري، والتي قد تضيف إليها الآلة الانتخابية العسكرية مقاعد إضافية.

هكذا، سيكون الجزائريون أمام برلمان لا يختلف عن البرلمانات السابقة التي عينها الجنرالات، وستستغل السلطة هذه التغييرات الشكلية لتدعي أن مطالب الحراك قد تمت تلبيتها. ويعني ذلك أن دار لقمان ستبقى على حالها. وما دام العسكر هم الذين يقررون في كل شيء، فإن النتائج ستكون دوما ضد مصلحة الشعب الجزائري الذي ابتدع الحراك الشعبي لمقاومتهم ومناهضة فسادهم وعنفهم… لذلك، فإن الشعب الجزائري لن يثق في البرلمان الذي يرغب الجنرالات في فبركته، لأنه لن يكون منتخبا ديمقراطيا، وسيفرز نخبا سياسية تابعة للعسكر، ولا علاقة لها بالشعب. بالتالي، فالشعب لن يحمي هذا البرلمان، بل إن الأجهزة الأمنية هي التي ستحميه، لأنها صنعته ليكون ضد الشعب، لا معه.

وتجدر الإشارة إلى أن الجنرالات قد حولوا مؤسسات الدولة إلى فضاءات للاستفادة من الريع، بل يقوم بعض المقاولين، باتفاق مع المخابرات، بتشكيل لوائح انتخابية باسم أحزاب كارتونية، فيدخلون البرلمان من أجل الاستفادة من التواجد داخله، الأمر الذي جعل النخب السياسية تختار التبعية للعسكر، وجعل الجزائريين أمام مؤسسات لا تمثلهم بقدر ما تمثل مصالح الجنرالات.

وهذا ما جعل الحراك الشعبي يرفض تكرار نفس المسرحية، حيث سيعيد التاريخ نفسه باستمرار، ما يتطلب قطيعة جذرية مع نظام العسكر ليتم التخلص من هذا النوع من المؤسسات والممارسات… فالشعب الجزائري لم يجد بعد نفسه في مؤسسة منتخبة، لأنه يحس أنه غير ممثل، ما يؤكد أنه يرغب في سيادة ديمقراطية دينامية متجددة تساير التحولات محليا وكونيا، وتتجدد معها السياسات وينمو معا المجتمع باستمرار.

ونظرا لكون الحراك الشعبي ينشد التغيير بحثا عن الأمل، فالجنرالات يسعون إلى تشتيت صفوفه، لأنهم قد عملوا على اتهام بعض نشطائه بالطائفيين، أو المدافعين على هيمنة هوية واحدة على المجتمع الجزائري المتعدد ثقافيا وإثنيا. لكن السلطة لا تفهم أن نشطاء الحراك متفاهمون فيما بينهم؛ فهم ديمقراطيون يؤمنون بمبدأ المواطنة الذي يقبل التعدد والاختلاف، ويرفض الإقصاء والتهميش الذي عانى وما يزال يعاني منه الشعب الجزائري.

لقد لجأ العسكر إلى توظيف مختلف وسائل الإعلام التابعة لهم من أجل خلق شروخ وصراعات داخل الحراك الشعبي، لكنه بقي متراصا، ولم يتأثر بالدعايات والإشاعات المغرضة التي فبركتها المخابرات الجزائرية وعملت على ترويجها، ما يعني فشل العسكر، وانتصار مناضلي الحراك الشعبي، الذين حرصوا على استعمال شبكات التواصل الاجتماعي للتواصل فيما بينهم من أجل حماية الحراك من أي تصدع يروم العسكر إحداثه في صفوفه لإضعافه. هكذا، استطاع مناضلو الحراك الشعبي إحباط كل المناورات والمؤامرات المتقادمة لكل من الجنرال « خالد نزار » والجنرال « توفيق محمد مدين ».

ونظرا لاستنفاذ الجنرالات لكل الأوراق والوسائل التي وظفوها لإضعاف الحراك الشعبي الحضاري، حيث لم يعد في مقدورهم اللجوء إلى العنف، لأنهم يخافون من ردود فعل المنتظم الدولي الذي حذرهم من استعمال العنف ضد حراك سلمي يروم البناء الديمقراطي… فقد بدأوا يحضرون لتوظيف البلطجية لتشويه صورة الحراك الشعبي السلمي وتفتيته. وقد تأكد ذلك في يوم الجمعة الماضي، حيث جمعوا أشخاصا بلطجية، ودفعوا لهم أموالا وحددوا لهم ما يجب فعله. ونتيجة ذلك، فقد تعرض المناضل « كريم طابو » والأستاذة « زبيدة عسول » للاستفزاز من قبل البلطجية، لكن الحراكيين تمكنوا من استيعاب المؤامرة في حينها. وهذا لا يعني أن المخابرات الجزائرية ستتوقف عند هذا الحد، بل هناك أخبار تفيد أنها ماتزال مستمرة في مؤامراتها، لأن هدفها هو توفير الشروط لإعلان حالة الطوارئ وتوقيف الحراك. بالتالي، فقد تدفع البلطجية إلى الاعتداء على المتظاهرين، ما قد يمنح الفرصة لقوات الأمن للتدخل باسم حماية المتظاهرين من هؤلاء البلطجية الذين دفعتهم لاختراق الحراك. كما قد يلجأ هؤلاء البلطجية إلى إحراق السيارات والممتلكات، وكسر واجهات المقاهي والمحلات التجارية والمطاعم، ما ستتخذه الأجهزة الأمنية ذريعة للتدخل وإعلان حالة الطوارئ.

لذلك، يجب أن يحذر منظمو الحراك الشعبي السلمي ويستعدوا لإحباط كل مؤامرات أجهزة الأمن الجزائرية، التي ترغب في إعلان حالة الطوارئ لتوقيف الحراك الذي يشكل حجر عثرة في وجه تنظيمها لانتخابات مزورة، تفرز نخبا على المقاس، حيث سيعيد التاريخ نفسه، ويستمر الجنرالات في ممارسة الفساد والعنف ضد الشعب الجزائري. لذلك، وجب الحذر من كل مؤامرات أجهزة المخابرات لتفويت الفرصة عليهم عبر إبطال مفعول أساليبهم.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *