بوبكري يكتب : تنظيم الانتخابات من قبل جنرالات الجزائر مؤامرة ضد الحراك الشعبي

محمد بوبكري

منذ الانفجار الأخير للحراك الشعبي في وجه جنرالات الجزائر وهم يبحثون عن كيفية إخماد جذوته من أجل احتوائه ووضع حد له. لذلك، عندما تقوت شوكته واشتد عوده قاموا بحل « البرلمان » وأجروا تعديلا حكوميا وتم الإعلان عن إجراء انتخابات في شهر يونيو المقبل… ولم يقوموا بكل ذلك استجابة لمطالبة الشارع الجزائري به، وإنما لإيهام الرأي العام المحلي والدولي بأن المشكل لا يتعلق بالعسكر، ولا بنظامهم السياسي، ولا بـ « الرئيس » الذي فرضوه، بل في الحكومة وبعض هوامش النظام السياسي باعتبارها هي أصل ما يعانيه الجزائريون من شتى المشاكل، حيث يتحايل العسكر لكي يبدو وكأن مشكل الجزائر اليوم هو مشكل تقني فقط، لا علاقة له بالنظام السياسي، وأنه ينبغي أن يتم ترميم الواجهة فقط، لا تغيير النظام النظام السياسي جذريا؛ فالحكومة والبرلمان والمجالس الشعبية هي مؤسسات شكلية لا تقرر في أي شيء، لأن الجنرالات ومسؤولي استخباراتهم هم الذين يعينوها ليتسنى لهم التقرير في كل شيء. هكذا كلف الجنرالات « عبد المجيد تبون » ووسائل الإعلام التابعة لهم بخوض حملة ضد الحكومة، حيث عندما كان « تبون » عائدا إلى ألمانيا قدم تصريحا لوسائل الإعلام التابعة للنظام امتدح فيه أسياده العسكر قائلا: « الحكومة فيها وعليها »، ما يعني أن العسكر يقدمون مشكل الجزائر وكأنه كامن في الحكومة، لا في النظام، والحال أن الشعب يطالب بتغيير جذري للنظام، الأمر الذي أرعب العسكر.

كما عقد « تبون »، بعد عودته الأخيرة من فرنسا، اجتماعات شكلية مع زعامات أحزاب صورية موالية للسلطة، يدعي بعضها أنه مشارك في الحراك، ما يؤكد أن الأمر يتعلق بمناورة لإفراغ الحراك من مضمونه، لأن العسكر يريدون إيهام الرأي العام بأن « تبون » بدأ الحوار مع أطراف مدنية حول الانتخابات المقبلة. هكذا، يؤكد العسكر أن همهم الوحيد هو السعي لإفراغ الحراك والثورة السلمية من مضمونهما الثوري الذي يرمي إلى القطيعة الجذرية مع النظام، وتحويله إلى مجرد كيان حزبي سياسوي انتخابوي. لذلك، على كل من اقتنعوا بالخطاب الأخير للعسكر أن يعترفوا بأنهم أساؤوا اختيار أعضاء هذه الحكومة التي فرضها عليهم الجنرالات والمخابرات، كما أن عليهم أن يعتذروا للعسكر على ارتكابهم لجريمة اختيار هذه الحكومة، الذي لا يد لهم فيه أصلا. وبذلك يبرهنون على أن مشكلة جزائر اليوم ليست كامنة في نظام العسكر، وإنما في الشعب نفسه، وفي شركاء النظام، أي في الأشخاص الذين يشتغلون مع الجنرالات وينفذون خططهم وقراراتهم. لكن الشعب الجزائري لا يريد تغيير الواجهة فقط، لأنها، في نظره، مجرد ستار يختفي وراءه العسكر ليتخذوا ما يشاؤون من قرارات. فالشعب يروم تغييرا جذريا للنظام، حيث يسعى من خلال الحراك إلى تأسيس نظام جديد يقطع مع النظام القائم في الجزائر منذ 1962، وليس تغيير فلان بعلان، لأن ذلك ليس تغييرا؛ فنظام العسكر قد استنفذ شروط وجوده منذ قيامه، حيث وصل إلى نهايته، وبدأ يلتهم كل شيء. وإذا استمر، فإنه قد يأتي على الوطن ذاته. فالشعب يريد إقامة دولة الحق القانون والمؤسسات، التي تفصل بين مختلف السلط. لذلك، يرى بعض الخبراء الجزائريين أنه لو كانت للجزائر دولة مؤسسات، فإن ذلك كان سيجنبها كل المآسي التي عرفها تاريخها وما تزال تتكرر إلى يومنا هذا. وإذا استمر نظام العسكر، فإنه لن يكون هناك ما يحول دون تكرار هذه المآسي مستقبلا.

فالحراك الجزائري سلمي يسعى إلى إحداث ثورة بيضاء. والثورة في مساراتها المختلفة ليست مجرد شكل مادي صلب، لأن كل جوانبها لا تُرى فقط بالعين المجردة، حيث إنها تتطور يوما بعد يوم، وتنتقل من مستوى إلى مستويات أخرى، ومن جبهة إلى جبهات أخرى، كما أنها تلعب أدوارا كبيرة على مستويات لا تُرى في تغيير المنظومات الذهنية والثقافية والنفسية والعلاقات الاجتماعية، وبناء تصورات مجتمعية جديدة، ومنظومات قيمية جديدة تتحول بدورها إلى مؤسسات، الأمر الذي يقتضي عدم تحويل وظيفتها الطبيعية إلى وظائف أخرى لا علاقة لها بها أصلا. وما دام الشارع الجزائري يطالب بتغيير النظام، فإن هذا يستلزم القطيعة معه في أصوله ومؤسساته وأساليبها وثقافتها، واستمرار الحراك في بعده العمودي الثوري الذي يرفض نظام العسكر جملة وتفصيلا.

وإذا كان نظام العسكر وشركاؤه يسعون إلى تنظيم انتخابات في شهر يونيو المقبل، فإن هذا يشكل ثورة مضادة لثورة الحراك البيضاء الحضارية، حيث يسعى الجنرالات وشركاؤهم عبر تنظيم هذه الانتخابات إلى تحويل ثورة الحراك من ثورة عمودية إلى ثورة أفقية، وستصبح الصراعات أفقية، ما يفيد أنها ستتحول إلى صراعات داخل الحراك، مما قد يزج بالمجتمع الجزائري في حرب أهلية…

وبالرجوع إلى تاريخ الجزائر نجد أنه كلما حدثت اصطدامات بين السلطة العسكرية والشعب الجزائري، إلا وقرر العسكر تنظيم انتخابات، ما يعني أن حكام جزائر يريدون تكرار السيناريو نفسه للتحايل على المطالب المشروعة للشعب الجزائري الذي صار يعي أن نظام العسكر قد يؤدي إلى انهيار كل شيء في الجزائر، التي أصبحت تحتل آخر الرتب عالميا في جميع الميادين، ما حولها إلى أضحوكة، أو شركة مناولة.. كما أن نظام العسكر لا يحترم حتى الشكليات التي تتضمنها القوانين التي وضعها هو نفسه، ما جعل الجزائر تصير مجتمع اللادولة، حيث تنعدم الحريات والفضاءات العمومية المدنية والمؤسسات الديمقراطية…. لذلك، فإن الحراك لا يريد الانخراط مع نظام العسكر في أي شيء، لأنه يرفض أخلاقيا المشاركة في تحمل مسؤولية قمعه وكل سياساته الفاشلة…

إن ما لا يفهمه العسكر وحلفاؤهم في الثورة المضادة للحراك هو أن هذا الأخير لا يبحث عن حلول ترقيعية، وإنما يريد حلا جذريا لمشاكل الجزائر، ما يفيد أنه يروم القيام بثورة بيضاء سلمية. لذلك، فما الحراك؟ وما الثورة البيضاء التي يريدها؟ وما وظيفتها؟

لا يمكن أن نحمل « ثورة الحراك » ما لا يدخل ضمن وظيفته أصلا، والتي لا تتمثل في تقديم بديل للنظام العسكري الحالي، بل في تغيير النظام ككل؛ أي التمكين لبناء نظام مدني ديمقراطي حديث، ما يعني بناء دولة جديدة منخرطة في روح العصر، وقادرة على بناء مجتمع جديد، الأمر الذي يفضي إلى ميلاد مؤسسات مدنية ديمقراطية حديثة، تخرج البلاد من حالة « اللا دولة »، التي تنعدم فيها المؤسسات، إلى حالة الدولة التي تنهض على الحداثة والمأسسة الديمقراطية، كما هو متعارف عليها كونيا. فلو كانت للجزائر مؤسسات ديمقراطية لما عرفت كل الانحرافات والفساد والظلم والقمع والتقتيل الجماعي الذي طغى على تاريخها، ولما عرفت الصراع بين أجنحة الجنرالات الذي تعيشه اليوم، ويؤثر سلبا على حياة شعبها…

قد تُروج أجهزة المخابرات الجزائرية وعملاؤها لفكرة مفادها أن الاستمرار في الحراك قد يؤدي إلى انهيار الجزائر، لكن يبدو لي أن السلطة والموالين لها يسعون عبر تنظيم الانتخابات إلى إدخال الحراك في صراعات داخلية قد تفضي إلى حرب أهلية، ما سيشكل إجهاضا للحراك ونهايته، الأمر الذي يعيه الشعب الجزائري ويرفضه، لأن هدفه الأساس هو تغيير النظام، لأنه يدرك أنه لا يمكن لهذا النظام الذي هو أصل المشكلات كلها أن يكون مشرفا على وضع حلول لها، لأن هذا منطق معكوس سيقود، في كل الأحوال، إلى استمرار نظام العسكر.

وجدير بالذكر أن الثورة قد تؤدي دوما إلى إنتاج نخبها وتطوير اختياراتها ومشاريعها، ما يعني أنها ستتمكن عبر تغييرها للنظام من تكوين نخبها وفكرها… فالثورة ليست حزبا، بالتالي لا يمكن تحويل الحراك إلى حزب سياسي انتخابي وفق أجندة نظام العسكر، ولا يمكن أن يصير الحراك وسيلة للتنافس الانتخابي مع نظام العسكر وحلفائه… لأن الثورة ليست تنافسا انتخابيا… وهذا هو ما يميزها أساسا.

هكذا، فالنظام يريد تأطير الحراك لاحتوائه عبر إفراغه من عقله وفكره ومضامينه. لذلك نجد العسكر يخاطبون رموز الحراك على لسان « تبون » قائلين لهم: « نظموا أنفسكم في أحزاب أو جمعيات، وتعالوا للاشتغال معنا ».

تبعا لذلك، فالعسكر يريدون إفراغ الحراك من روحه الداعية إلى التغيير الجذري للنظام من أجل بناء دولة الحق والقانون… ويعود ذلك إلى أنه يهدف إلى التخلص من الاستبداد، حيث يعتبره الوجه الآخر للاستعمار. وهذا ما يفسر مطالبة الشارع الجزائري بالاستقلال عن نظام العسكر، ما يؤكد أن ثورة الشعب الجزائري اليوم هي مشروع لتغيير الاستبداد من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة…

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *