بوبكري.. جنرالات الجزائر يهربون عائدات البترول والغاز لحساباتهم البنكية بجزر العذراء وباناما

محمد بوبكري

لقد سبق لي أن كتبت مقالا قصيرا حاولت أن أبين فيه أن الجزائر هي أفقر بلد مصدر للبترول والغاز، كما حددت أسباب هذا الظاهرة، وبينت أنها عديدة يأتي على رأسها الفساد الذي يمارسه الجنرالات المتحكمون في هذا البلد والجاثمون على صدور الشعب الجزائري الشقيق.

وللتدليل على ذلك، قمت بتقديم إحصائيات ووقائع تؤكد ذلك. واليوم، لقد تم تسريب وثيقة تسلط المزيد من الضوء على نهب هؤلاء الجنرالات لعائدات البترول والغاز الجزائريين وتهريبها، في سرية تامة، إلى الخارج حتى لا يفتضح أمرهم. وهذا ما عمق المشاكل الاجتماعية للشعب الجزائري الذي أصبح يئن تحت وطأة الفقر والبؤس الناجمين عن فساد هؤلاء الجنرالات.

ونظرا لأن جزر فيرجن البريطانية The British Virgin Islands تعد أعلى ملاذ ضريبي في العالم يمنح امتيازات كثيرة لأصحاب الحسابات المصرفية هناك، فقد قام جنرالات الجزائر منذ سنين بتسجيل سوناطراك في جزر العذراء البريطانية تحت اسم “سوناطراك بتروليوم Sonatrach Petroleum”، حيث يتم استغلال هذه الشركة الوهمية للتغطية على حسابات بنكية لـ 15 جنرال تمكنوا من تحويل عائدات النفط والغاز إلى حساباتهم الخاصة التي مكنهم النظام المصرفي المعتمد من فتحها في هذه الجزر البريطانية التي تقع في بحر الكاريبي، التي غالبا ما يتم تسجيل الشركات الوهمية فيها لغرض المزايا القانونية والضريبية. وتلجأ الشركات للخارج بغرض تجنب الضرائب أو التمتع بلوائح مريحة، ويمكن أن يتم استخدام المؤسسات المالية الخارجية لأغراض غير مشروعة مثل غسل الأموال والتهرب الضريبي، والتهرب الضريبي غير القانوني لأنه يسمح للشخص أو الشركة بأن تتجنب عمدا دفع الضرائب.

هكذا، فإن الجزر العذراء البريطانية تشكل ملاذا ضريبيا، يعمل بنظام مصرفي غير شفاف باسم شركات وهمية تفتح حسابات بنكية غير خاضعة للمراقبة، حيث يمكنها القيام بمعاملات مصرفية سرية لتحويل أموال الشعب الجزائري إلى الحسابات البنكية الخاصة للجنرالات. بذلك يتم نهب أموال الشعب الجزائري ووضعها في حسابات سرية خاصة، ما نجم عنه شح المواد الغذائية، فأصبح مفروضا على المواطنين الجزائريين قضاء وقت طويل مصطفين في طوابير من أجل شراء كيس من الحليب، وما يحتاجون إليه من المواد الغذائية الأخرى.

وتبقى هذه الحسابات البنكية لهؤلاء الجنرالات في سرية تامة، حيث لا يتم الكشف عنها للرأي العام الجزائري، كما أن الدولة تبقى عاجزة عن الاستفادة من الضريبة على هذه الأموال المودعة في هذه الحسابات، لأن هذه الجزر تعمل بنظام Off shore الذي هو نظام مصرفي غير شفاف، كما أنها تشكل ملاذا ضريبيا، يمكن أصحاب الودائع المالية من القيام بعمليات بنكية في سرية تامة بعيدا عن أعين الرقابة والرأي العام.

هكذا، فقد فتحت ” سوناطراك بتروليوم” أربع حسابات بنكية، كما مكنت 15 جنرالات من فتح حسابات بنكية خاصة، ما مكنهم من الاستيلاء على عائدات البترول والغاز الجزائريين التي يتم تحويلها إلى حسابات هذه الشركة الوهمية التي تم فتحها في هذه الجزر، ما يمكن هؤلاء من اقتسامها بينهم.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن هذه الشركة الجزائرية المجهولة قد فتحت ثلاث حسابات لها في “بنما Panama”، التي تعتبر مركز أعمال دولي مهم، وذلك بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي. بالإضافة إلى أن لها أكبر اقتصاد في منطقة أمريكا الوسطى، وذلك قبل غواتيمالا، وكوستاريكا والسلفادور. كما يتمتع اقتصاد “بنما” بكونه الأسرع من حيث النمو والأكبر من ناحية دخل الفرد في أمريكا الوسطى. وتتعامل هذه الحسابات الأخيرة التي تم فتحها في “بنما” بانتظام مع الحسابات الأربعة المفتوحة في جزر العذراء البريطانية، كما أن كل المعاملات المصرفية التي تتم بينها، أو بينها وبين مصارف أخرى في بلدان أخرى، يطبعها التكتم والسرية، وهي لصالح حسابات 15 جنرالا.

لا تكشف هذه الوثيقة التي تم تسريبها عن أسماء الجنرالات أصحاب الحسابات المستفيدين من هذه التحويلات، لأن ذلك غير مسموح به، لأن الأنظمة المصرفية للملاذات الضريبية تستوجب التكتم والسرية، مالا يمكن من معرفة أسماء الأشخاص أصحاب الحسابات المصرفية المفتوحة هناك.

وخلاصة القول، إن جنرالات الجزائر لا همَّ لهم إلا نهب أموال الشعب الجزائري، وتهريبها إلى مختلف الملاذات الضريبية العالمية العديدة، ما يعني أن لهم أموالا طائلة في حسابات بنكية في بلدان، أو جزر أخرى تمكنهم من التهرب الضريبي والتكتم على معاملاتهم المصرفية… ويعود ذلك إلى أنهم يخافون من وضع أموالهم كلها في حساب في بنك واحد في بلد واحد.

وإذا كان حكام الجزائر يعملون على إيهام الشعب الجزائري بكون المغرب يشكل خطرا على الجزائر، فإنهم لا يعلمون أن هذه الحيلة لم تعد تنطلي على الشعب الجزائري، حيث إن اكتساب الشرعية الوطنية له مصادر عديدة، لأن هناك شرعية سياسية واقتصادية واجتماعية.

فحكام الجزائر لا ينفقون أموال الشعب الجزائري في تنمية الوطن، وتلبية حاجيات الشعب الجزائري، بل إنهم ينهبونها ويهربونها إلى الخارج، ما يعني أنهم لا يرغبون في استفادة الشعب الجزائري من خيرات بلاده، بل إنهم يستولون عليها للاستئثار بها وحدهم، وحولوا الوطن إلى ضيعة خاصة بهم إلى حد أن نهبهم لخيرات البلاد قد صار حديث الخاص والعام في الجزائر، ما يدل على أن هؤلاء الحكام ليسوا وطنيين إطلاقا في أعين الشعب الجزائري، لأنهم لا يهتمون بقضايا الوطن والشعب حاضرا ومستقبلا. أضف إلى ذلك، إنهم لا يعيرون أي اهتمام للأوضاع الصحية للشعب الجزائري في زمن جائحة كورونا، حيث تهتم كل الدول بحلب اللقاح المضاد لهذه الجائحة، والحكام لا يفعلون شيئا لصالح صحة الشعب الجزائري في هذه الظرفية الوبائية العصيبة.

وهذا ما يعد ترجمة للاوطنية هؤلاء الحكام الذي يجوعون الشعب الجزائري، ولا يطورون أية مشاريع لصالحه، ولا يسمحون له بالمشاركة الفعلية في تدبير شؤونه العامة، ما جعل هؤلاء الجنرالات يذهبون في ممارساتهم ضد المنظومة الكونية لحقوق الإنسان. لذلك، لا يمكن لهؤلاء الحكام أن يبنوا وطنيتهم على حساب المغرب الذي يعي أننا نحبه، حيث إن الشعب المغربي متعلق بالتعاون والتكامل معه ومع سائر بلدان المغرب الكبير والشرق الأوسط وأفريقيا.