بوبكري يكتب: ستتم إقالة عبد المجيد تبون إن بقي على قيد الحياة

محمد بوبكري
يروج مؤخر خبر على شبكات التواصل الاجتماعي مفاده أن « عبد المجيد تبون » قدم استقالته لجنرالات الجزائر، وهو الآن في انتظار موافقتهم عليها، وبالتالي فمن المتوقع أن تتم تنحيته عن الحكم، فما صحة هذا الخبر؟
يبدو لي أن « تبون » ما يزال مريضا، لأنني لاحظت ذلك أثناء إلقائه لخطابه الأخير، حيث كان متعبا، لا تنسجم حركات يديه مع طريقة جلوسه ووضعيته الجسمانية. ويؤكد ذلك أن الجنرالات مارسوا التعتيم على الشعب الجزائري حول الوضعية الصحية لهذا الشخص، حيث لم يقولوا أي شيء عن نوعية مرضه. فالرجل قضى فترة علاجية في الخارج تجاوزت ثلاثة أشهر، أي 94 يوما بالتمام، ثم نودي عليه للعودة إلى الجزائر، لأنهم أرادوا اتخاذ قرارات سياسية باسمه، لا يمكنهم اتخاذها بدون توقيعه عليها لإجازتها. ورغم ذلك عادوا به إلى الجزائر دون أن يسترجع عافيته كاملة، ما جعل المتابعين للشأن الجزائري يطرحون أسئلة عديدة حول نوعية مرضه. لقد قيل في البداية إن هذا الشخص قد أصيب بفيروس « كورونا »، لكن، تأكد اليوم أن مرضه لا علاقة له بهذا الفيروس، ما دفع بعض الملاحظين إلى التلميح إلى أنه يعاني من مرض رئوي خطير، أو أنه قد تعرض للتسمم. ولا أحد لحد الآن يعرف نوعية مرضه، بسبب التعتيم الذي يمارسه الجنرالات حول وضعيته الصحية. وإذا كانت السلطات الألمانية والفرنسية والغربية تعرف نوعية مرضه، فإنها، هي نفسها، قد مارست التعتيم حول هذه القضية، بطلب من جنرالات الجزائر، الذين لا يريدون أن يعرف الرأي العام أي شيء عن هذا الموضوع. أضف إلى ذلك أن « تبون » لم يقم برحلته العلاجية وحيدا، أو صحبة أفراد أسرته، بل كان مرفقا بوفد يتكون من حوالي عشرين شخصا، أغلبهم من رجال المخابرات الخارجية الجزائرية الذين أخضعوه لمراقبة صارمة، إذ لم يكونوا يسمحون لأحد بزيارته إلا بترخيص من الجنرالات. ويعني هذا أنهم لا يثقون فيه، لأنهم يعلمون أن سيده السابق « الجنرال القايد صالح » قد أطلعه على ملفاتهم كلها، وهم يخافون من أن يدلي بأي شيء عنهم لأي جهة، الأمر الذي دفع بهم إلى أن يشددوا عليه الحراسة حتى لا ينكشف أمرهم وتنتشر أخبارهم في الخارج.
يقول سياسيون ومتابعون جزائريون إن « تبون » قد بدأ مؤخرا يسر لبعض أصدقائه، الذين أعابوا عليه سيره على نهج الجنرالات، بأنه لا يتخذ القرارات على أساس قناعة شخصية، بل إنه يفعل ذلك نتيجة للضغوط التي تُمارس عليه من قبل الجنرالات. وهذا ما جعل الجنرالات يحذرونه، وقرروا إحراقه بتوريطه في صراع مفتوح مع الشارع الجزائري الذي صار يطعن في شرعيته، الأمر الذي رأى فيه بعض الملاحظين أن ذلك مجرد تحضير لجعل المجتمع يقبل قرار تنحيته من قبل الجنرالات.
لذلك، يبدو لي أن « تبون » لا يستطيع تقديم استقالته للجنرالات، لأنه يخاف أن يقدموا على تصفيته جسديا إذا فعلَ؛ فهو جبان لا يمتلك الجرأة على اتخاذ مثل هذا القرار، لأنه يعرف عقيدة الجنرالات وخباياهم وكيفية تفكيرهم، ومزاجهم، ما جعله يقبل بالانصياع لهم وتنفيذ كل ما يملونه عليه. هذا بالإضافة إلى كونه شخصا انتهازيا بطبعه، لا يهمه الآن إلا الحفاظ على كرسيه، وما يجنيه منه من غنائم…
كما أن الجنرالات يحتاطون منه، لأنه إذا أفلت من قبضتهم، فقد يتخذ قرارات ضدهم، حيث قد يفر. وبدعوى تشبيب المؤسسة العسكرية، فمن الممكن أن يتخذ قرار تحديد الحد الأقصى لتقاعد الجنرالات في سن 64 عاما، ما سيجعل « سعيد شنقريحة » وعصابته خارج السلطة. وما دام « تبون » يمتلك حق اتخاذ هذا القرار، فإن له سلطة وضع حد لمسارهم العسكري، وإذا حصل هذا فسيكون كارثيا عليهم. لهذا نجدهم يحتاطون لكيلا يفلت من قبضتهم. كما قد يلجأ « تبون » إلى اتخاذ قرار إطلاق سراح المعتقلين وعودة المنفيين، ما سيشكل حرجا للجنرالات ونظامهم، ويجلب له عطف الشارع الجزائري، لأنه سيبرهن بمثل هذه القرارات على أنه لا يقبل نهج الجنرالات، وهو ما يرفضونه رفضا قاطعا.
لذلك، كل ما يتبقى له هو أن ينهج أسلوبا سلميا إذا أراد أن ينجو بجلده، وحتى إذا ما فكر في مطالبة الجنرالات بإعفائه من مسؤولياته، متعللا بعجزه صحيا عن الاضطلاع بها، فإنهم لن يقبلوا، لأنهم ما يزالون في حاجة لتحميله مسؤولية كل الجرائم التي سيرتكبونها في مواجهة الحراك الشعبي.
بناء على هذه المعطيات وغيرها، يبدو لي أن « عبد المجيد تبون » لن يستطيع تقديم استقالته، بل إنه إذا حدث أن قدمها، فإنها لن تقبل منه الآن؛ لأن الجنرالات يريدون اغتياله جماهيريا عبر تلطيخ سمعته بجرائمهم، وبعد ذلك سيقيلونه، وحينذاك سينصرف، إن كان ما يزال على قيد الحياة.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *