تفكك بنية خطاب العدالة و التنمية على صخرة الممارسة السياسية

علي الغنبوري

عندما ظهر حزب العدالة و التنمية الى الوجود ، اخرج الى العلن خطابا مليئا بالحمولات الاخلاقية و القيمية ، المرتكزة على مبادئ دينية صارمة ، جعلت منه حصانا قادرا على المنافسة داخل البنية السياسية المغربية ، و على تصدر مشهدها في ظل الكبوات و الترجعات التي شهدتها معظم الاحزاب المشكلة لها ، بفعل عدة عوامل ذاتية و موضوعية ، مرتبطة اساسا بسياقاتها و تواجدها الزمني الطويل .

فحزب العدالة و التنمية الحديث العهد بالمقارنة مع باقي الاحزاب السياسية ، اعتمد في بداياته الاولى على خطاب سياسي صدامي استعراضي ، مبني على قيم محافظة و دينية ، دفعت به الى فتح معارك مجتمعية عديدة ، مرتبطة اساسا بالجانب « الاخلاقي « ، حيث تابعنا كيف لم تكن قيادات هذا الحزب تتوانى على ابراز مواقفها بشأن لباس المغاربة و الفن و الحريات الفردية و الى غير ذلك من المواضيع التي كانت تعتبرها مخالفة للشرع و الدين .

و من ابرز الامثلة على هذا التوجه الصدامي ، نجد موقف الامين العام السابق للحزب عبد الاله بنكيران ، الذي عبر عنه داخل قبة البرلمان اتجاه احدى صحفيات القناة الثانية ، بسبب ارتدائها لتنورة ، اعتبرها انذاك مخالفة للاخلاق التي ينادي بها الاسام ، هذا بالاضافة الى الى الهجومه الشرس الذي دأب عليه الحزب اتجاه المهرجانات الفنية التي كانت تنظم في كل ارجاء البلاد ،و اعتبارها مجالا لنشر الرذيلة و الفساد، و الى غير ذلك من الاحداث و الوقائع المماثلة .

خطاب العدالة و التنمية لم يقتصر فقط على البعد الاخلاقي ، بل امتد كذلك الى المجال السياسي ، حيث اطرت مواقفه السياسية عدد من المبادئ ، مثل الشفافية و المصداقية ، و الحكامة الجيدة ، و القضاء على الريع ، و محاربة الزبونية و المحسوبية .

و بالاضافة الى هذا و ذاك فحزب العدالة و التنمية لم يخفي يوما مرجعيته الدينية ، و دفاعه عن المجال الديني ، و توظيفه لكل مواقفه بهذا الشان داخل دائرة فعله السياسي .

توظيف هذا الخليط، داخل بنية الخطاب « السياسي  » للعدالة و التنمية، هو ما مكنه من تثبيث اقدامه داخل المعترك الساسي و من الوصول الى رئاسة الحكومة و تدبير الشان العام المغربي طيلة هذه السنوات .

اليوم و بعد مرور كل هذا الوقت من وجود العدالة و التنمية داخل الفضاء السياسي ، و تسيره للشان العام على جميع المستويات ، هل مازال الحزب قادرا على الاستمرار في نفس النهج ، و هل مازال خطابه مقنعا و منسجما مع مواقفه الحالية ؟

الاجابة على هذه الاسئلة لا تحتاج الى تفكير عميق او بحث مضني ، للكشف عنها ، بل هي واضحة بشكل كبير ، فممارسة الحزب الاخلاقية اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ان القيم و المواقف التي كان يتبناها ، ما هي الا شعارات للاستهلاك السياسي ، لا تجسد الحقيقية داخله ، فتورط مناضليه و قياداته في عدد من القضايا الاخلاقية التي تعاكس توجهاته و مبادئه( الشوباني ، النجار ، امن ماء العينين ، المدلكة ..) ، و صمته عليها و دفاعه عن مرتكبيها ، يجعل الكل اليوم مقتنع بحقيقة هذا الحزب و ما يدعو اليه داخل المجتمع .

ممارسة الحزب الحكومية و تدبيره للشان العام ، اتبتث كذلك ، ان المبادئ التي كان يحملها خطابه السياسي ، لا تتوافق مع هذه الممارسة ، فالحزب ضرب عرض الحائط خطاباته حول الزبونية و المحسوبية ، و اغرق المجال العمومي بمناضليه و اتباعه ، و حصل على عدد كبير من المناصب العليا انطلاقا من مقاربة حزبية محضة لا تعترف لا بالكفاءة و لا بالاستحقاق ، كما تنصل هذا الحزب من وعوده بمحاربة الريع و اصبح هو نفسه من كبار المستفيدين منه ، من خلال الامتيازات و التعويضات و تعدد الاجور التي يحصل عليها منتسبيه .

تجلي حقيقة الخطاب السياسي الذي كان يحمله حزب العدالة و التتمية ، ظهر بشكل جلي كذلك من خلال السياسيات العمومية التي نهجها هذا الحزب و التي ابانت عن افتقاده لاي حس اجتماعي ، و اي بعد استراتجي لتطوير البلاد ، بل بالعكس شهد المغرب في عهد العدالة و التنمية كل التراجعات الممكنة و في كل المجالات .

ما يعيشه اليوم حزب العدالة و التنمية ، هو تفكك حقيقي لخطابه و شعاراته « السياسية « ، التي كان يدعي النضال من اجلها ، و ظهور واضح لحقيقة ممارسته و سلوكاته السياسية المختلة ، و هو ما يجعله اليوم في عزلة سياسية و مجتمعية .

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *