في ما مضى كانت تُطلق على مثيلاتها: اتفاقية، أو معاهدة، أو قرار أُممي. ولكن يبدو أن زمن الاستعانة بالأفكار والفلسفات لرسم الخرائط وتحديد مصائر الشعوب قد ولّى، وجاء قرن الآلة الحاسبة، لذلك أُطلق عليها “صفقة القرن”.
وفي الصفقات لا مكان للشعارات القديمة كشعار “الأرض مقابل السلام”، وهذه الصفقة لا ينقصها، إذا اكتملت عناصرها، إلا أن تُعقد في وول ستريت، حيث لم تعد قاعة المرايا في قصر فرساي صالحة، كما أن حديقة الورود في البيت الأبيض، أو منتجع كمب ديفيد تضيق عن طموحات عرابها، جاريد كوشنر الذي وجد نفسه صهر أقوى رجل في العالم.
مصادر صحفية ، عشية مؤتمر المنامة الذي يُعدُّ فاتحة “صفقة القرن”، حسب محللين، استطلعت ورصدت مواقف بعض أهم الأطراف المَعنية بصفقة القرن التي لا يجزم أحد، حتى اللحظة، بمضامينها ولا بمآلاتها.
فوزارة الخارجية الأميركية، جزمت بأن الشق السياسي سيؤجل إلى مرحلة متأخرة، كونه يتضمن قضايا خلافية حساسة.
أما الطرف الفلسطيني، المعني الأول بالخطة، فيتهم واشنطن وتل أبيب بالسعي إلى تحويل الضفة الغربية “بلدية كبيرة”، إضافة إلى دويلة صغيرة في قطاع غزة. ولا يفوته اتهام “حركة حماس” في إنجاح ما يُدبَّر، من خلال سعيها إلى فصل غزة عن الضفة.
الجانب الإسرائيلي لا ينفي أن الخطة لن تلقى موافقة أي حكومة يمينية، وبكل صراحة يعتبر الرفض الفلسطيني المسبق خطأ ستستغله إسرائيل لتسويغ عدم تطبيقها!
وفي ما يعود إلى “مؤتمر المنامة”، المشاركة السعودية وبحسب ما تم تداوله سابقاً، ستكون عبر وزارة الاقتصاد، وستشارك مصر بما يمكن وصفه بـ”الوفد المستمع”، فالتمثيل سيكون رمزياً، ولا يعني الموافقة على ما سيُطرح.
الجباران الاقتصاديان الآسيويان، الصين اليابان، منقسمان. بكين ستقاطع، أما طوكيو فتضع مشاركتها في خانة تشجيعها الدائم لأي جهد يقود إلى “حل الدولتين”.
وفي الختام، البحرين، الدولة المضيفة، ترفض ما يسمّى “صفقة القرن”، وما سيحصل في 25 و26 من يونيو الحالي، عنوانه ورشة “السلام من أجل الازدهار”، بشراكة واضحة مع الولايات المتحدة الأميركية.
الموقف الأميركي
في الأروقة الأميركية، حيث تُكتب المسودات وتُنقح الخطط، وتُناقش الاحتمالات، بعيداً من الآذان والعيون، ورغم التحفظ في الكلام على الخطة الأميركية للسلام، كما يُطلق عليها في واشنطن، قال لـ”اندبندنت عربية” مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، رفض الكشف عن اسمه،” إن الشق السياسي من خطة السلام سوف يؤجل إلى مرحلة متأخرة، كونه يتضمن قضايا خلافية حساسة”، لكنه أوضح “أن “ورشة عمل المنامة ” الاقتصادية، التي ستعقد الأسبوع المقبل، من شأنها تسهيل المناقشات المستقبلية لتحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، معرباً عن اعتقاده بأن مشاركة الدول العربية الرئيسة في الورشة تُعدُّ نجاحا للولايات المتحدة التي ترعى المؤتمر”.
الرفض الفلسطيني
وعلى الجانب الآخر من الأطلسي، وعلى أرض المعركة الحقيقية للصراع الذي لا يزال مشتعلاً منذ “وعد بلفور” قبل أكثر من قرن، يسود الانطباع في رام الله أيضاً أن الإعلان عن الخطة سيؤجَّل إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية الجديدة في سبتمبر المقبل.
ويرفض الفلسطينيون الخطة، ويقولون إن معظم بنودها نُفِّذ حتى قبل الإعلان عنها، ويشددون على أنها تسعى إلى تصفية مشروعهم الوطني، ومنع إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وشطب حق عودة اللاجئين.
ويتهم المسؤولون الفلسطينيون واشنطن وتل أبيب بالسعي إلى إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية أشبه بالبلديات لإدارة الشأن المحلي، إضافة إلى دويلة صغيرة في قطاع غزة.
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية يطالب بتشكيل تحالف دولي من الدول العظمى، لإنقاذ حل الدولتين، ومواجهة “صفقة القرن” الأميركية.
ويقول أشتية إن الفلسطينيين يخوضون مجموعة حروب فرضت عليهم، أوَّلها حرب الجغرافيا، عبر مصادرة الأراضي بشكل يومي، وثانيها حرب الديمغرافيا عبر تهجير الفلسطينيين من مدينة القدس بالوسائل كافة”.
والحرب الثالثة، كما يصفها أشتية، مالية تشنها واشنطن لابتزاز القيادة الفلسطينية مقابل موافقتها على خطة السلام، والقبول بما سمّاها “صفقة العار”، متوعداً بعدم حصول ذلك.
أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات يُعدِّد مجموعة إجراءات سبق للإدارة الأميركية أن اتخذتها ضمن خطتها:
الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها.
وقف دعمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وسعيها إلى حل الوكالة من أجل إسقاط ملف اللاجئين.
إسقاط حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره عبر إقرار قانون القومية العنصري.
غلق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وغلق قنصليتها في القدس.
رفض إدانة الاستيطان وإعلان موافقتها على ضم أجزاء من الضفة الغربية إسرائيل.
ويكرر الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، التأكيد أن “المؤامرة الأميركية” تعثرت، وتغيَّر اتجاهها بسبب الرفض الفلسطيني، وموقف الرئيس محمود عباس في قمم مكة، والإجماع العالمي للحفاظ على حل الدولتين.
دور حماس
ويتهم أكثر من مسؤول فلسطيني حركة حماس بالإسهام في إنجاح الخطة الأميركية للسلام، من خلال إصرارها على استمرار حكمها قطاع غزة وسعيها إلى فصله عن الضفة الغربية.
ويشدد المسؤولون الفلسطينيون على أن فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية يأتي ضمن مخطط إسرائيلي- أميركي لضرب إمكان إقامة دولة فلسطينية على حدود 67.
ورفضت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية دعوة حركة حماس لتأسيس هيئة وطنية لمواجهة “صفقة القرن”، واعتبرتها خطوة لتشكيل جسم بديل من منظمة التحرير الفلسطينية.
حوافز اقتصادية وإسرائيل ستدفع ثمن اعتراف واشنطن بالقدس
بحسب المعلومات من مصادر إسرائيلية، تتضمن الخطة الاقتصادية لـ”صفقة القرن” والتي ستعقد في عاصمة البحرين المنامة، نحو 65 مليار دولار لعشر سنوات، والهدف، بحسب أودي ديكل، استخدام الإطار الاقتصادي لبناء كيان فلسطيني مستقل يؤدي وظائفه، وكإغراء لجعل الخطة مرغوباً بها أساساً في نظر الجمهور الفلسطيني. ولتلطيف حدة الاعتراضات والتحرك إلى الأمام، وسيشارك رجال أعمال إسرائيليون، لبناء مرحلة أخرى وعلنية من توثيق العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
على الجانب الآخر من طاولة “الصفقة”، مسؤول كبير في الخارجية الإسرائيلية قال لـ”اندبندنت عربية”: يبدو أن إسرائيل ستدفع ثمن الاعتراف بالقدس عاصمة لها وضم الجولان وذلك في اطار صفقة القرن المتوقعة”. ويكشف أن إسرائيل “استشفت من مسؤولين أميركيين أن الخطة المنوي إعلانها تتضمن معاهدات سلام مع كل الدول العربية تقريباً، مقابل اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية قابلة للحياة في حدود العام 67 وعاصمتها القدس الشرقية. مع تدويل الأماكن المقدسة، وحل مسألة اللاجئين بإعادة جزء منهم إلى مناطق الدولة الفلسطينية، وتجنيس آخرين في الدول التي لجأوا إليها. وكما يبدو فإن مسألة عودة نحو 200 ألف لاجئ إلى داخل إسرائيل فكرة موجودة داخل خطة القرن”.
ولا يخفي الجانب الإسرائيلي مطلبه بتأجيل الإعلان عن خطة الرئيس الأميركي (دونالد ترمب) إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقررة في 17 سبتمبر (أيلول) المقبل. ويتمنى أن تقوم الإدارة الأميركية بالتفكير مجدداً حول خطة السلام المعروفة باسم “صفقة القرن”، لأنها ستواجه بمعارضة إسرائيلية، خصوصاً من حكومة إسرائيل الحالية، أو أية حكومة مستقبلية سواء أكانت يمينية أم وسط يمينية.
وعن معارضة الفلسطينيين للخطة يعتبر الجانب الإسرائيلي أن “الفلسطينيين اقترفوا خطأ برفضهم المسبق للخطة، قبل معرفة تفاصيلها، وهذا الأمر يصب في مصلحة إسرائيل التي ستعمل على استثمار المعارضة الفلسطينية لتسويغ عدم تطبيق أي من بنودها المقترحة”.
المزيد من تفاصيل الخطة
التحفظ الذي يعتري في المعتاد المسؤولين الرسميين في إسرائيل، يعوضه كلام الخبراء. الرئيس السابق للوفد الإسرائيلي في المفاوضات مع الفلسطينيين، ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي، أودي ديكل يرى أن هدف خطة ترمب أوسع من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وأن الإدارة الأميركية معنية ببلورة هندسة شرق أوسطية جديدة، وجمع ائتلاف عربي- أميركي- إسرائيلي، وفي إطار ذلك تثبيت الحلف المناهض لإيران وللحركات المتطرفة، ودعم المسيرة السلمية. ويضيف ديكل أن الإدارة الأميركية معنية بتهيئة الظروف التي تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، أو على الأقل التخفيف من سمعته السلبية، بشكل يمنح السلطة الفلسطينية الحكم على الغالبية الساحقة من السكان والأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة. إضافة إلى ذلك، تأتي الخطة لإعادة تعريف مقاييس التسوية، والتي تستند إلى الواقع الناشئ على الأرض في الخمسين سنة الأخيرة، وتكون ذات صلة بالحاضر وبالمستقبل.
التقارير الإسرائيلية المختلفة إضافة إلى معلومات ديكل تشير إلى ما يأتي:
على الرغم من التملص من “حل الدولتين”، تحوي الخطة عرضاً لإقامة كيان فلسطيني مستقل ومميز بغالبية نحو 90 في المئة من أراضي الضفة وقطاع غزة.
عدم إخلاء المستوطنات، حتى المعزولة منها. وبموجب الخطة ستضم إسرائيل أكثر من 10 في المئة من الأرض، بما فيها البؤر الاستيطانية غير القانونية والتي تشكل مساحتها أقل من 5 في المئة من الأرض.
توافق الإدارة الأميركية على الطلب الأساس لنتنياهو بحرية العمل الأمني على كل الأراضي غرب نهر الأردن، بما فيها الأرض الفلسطينية، وفقاً لحاجات الأمن الإسرائيلي، لمنع اهتزاز وضعها الأمني قياساً بوضعها الحالي.
في هذا الإطار، وبحسب الإسرائيليين، ستبقى السيطرة الأمنية الإسرائيلية في غور الأردن، من دون قيد زمني، بالتالي كل الصلاحيات في المنطقة، التي يسري عليها القانون الإسرائيلي، تخضع للسلطات الإسرائيلية وليس للقائد العسكري في المنطقة. وكل دخول إلى مستوطنة معناه الدخول إلى دولة إسرائيل.
في مسألة اللاجئين الفلسطينيين، بحسب الإسرائيليين، فإن “صفقة القرن” تتحدث عن عودة للاجئين إلى داخل الخط الأخضر، أي نطاق إسرائيل، بل استيعاب محدود للاجئين إلى السلطة الفلسطينية. أما بقية اللاجئين، بغالبيتهم الساحقة، فيعاد تأهيلهم في أماكن وجودهم، وهذا، بحسب أودي ديكل، يشكل مصدر خوف جدي في الأردن ولبنان.
القدس: في الأماكن المقدسة ستتقرر، بحسب الإسرائيليين، ترتيبات لحرية العبادة، تحت صيغة الحفاظ، ولو ظاهرياً، على الوضع الراهن، ولن يُلغى دور الأردن في الأماكن المقدسة.
البحرين تنفي وجود صفقة ومصر سترسل وفداً “رمزياً”
وبحسب ما نشر وتم تداوله سابقاً، فإن المشاركة السعودية ستكون عبر وزارة الاقتصاد. ولم يؤكد ذلك بعد، إذ من المقرر أن يكون وزير الاقتصاد السعودي محمد التويجري ضمن وفد رفيع المستوى يشارك في قمة العشرين التي تعقد نهاية الأسبوع القادم في اليابان.
وفي الوقت الذي لم تحدد فيه مصر بعد مستوى التمثيل في ورشة المنامة بالبحرين، أكد مصدر دبلوماسي مصري رفيع المستوى “مشاركة القاهرة في الورشة”.
وأوضح المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه لـ”إندبندنت عربية”، أن “مصر ستشارك في الورشة انطلاقاً من حرصها على الاستماع إلى مختلف الآراء المعنية بحل القضية الفلسطينية”.
وشدد في الوقت ذاته على أن “المشاركة لا تعني الموافقة على خطة السلام الأميركية”، مشيراً إلى أن “التمثيل المصري سيكون رمزياً”.
المصدر : الأندبندنت