فاس ، من هنا حيث طيب مقام جلالة الملك منذ عدة أسابيع ، و بعدما عرى جلالته منها في لفتة مواطنة كبيرة ذراعه للأطباب أمام الملإ لإطلاق عملية التلقيح ضد الوباء الفتاك .
من فاس، مهد الدولة و الوطنية و البورجوازية و النخبة و محرار السياسة، فاس “عقد الحماية” و “وثيقة المطالبة بالاستقلال و الديمقراطية ” ، فاس التي هجرها المولى إسماعيل، و غضب منها المرحوم الحسن الثاني ، و التفت إليها و رعاها محمد السادس …
فاس العظيمة هذه ، و ليس المسخ الذي صارته ، هي من اختارها جلالته و التاريخ لالتئام مجلس وزاري مخرجاته الأساسية كانت بعلامة و نكهة الحماية:
– الحماية التشريعية و القانونية للعمليات الانتخابية.
– الحماية الاجتماعية لجميع الفئات الاجتماعية.
فلاش باك
منذ ثلاث سنوات على الأقل كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد أطلق نقاشا داخليا و مجتمعيا ثم مؤسساتيا حول منظومة القوانين الانتخابية و ضرورة إصلاحها و تنقيحها.
ثم صارت القناعة “مشتركة” و وقعت حوارات و مشاورات و مذاكرات و ملاسنات و مشاحنات و توافقات و تفاوتات و اتهامات و تهديدات … و وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه تحت الإشراف المباشر لرئيس الحكومة ( الأمين العام للحزب الذي يقود الحكومة ) و وزير الداخلية . فخفت اللغط و “حفظ الملف”.
الله يجعل عذرنا كورونا !!
و انقضى الحجر الصحي ، و سارعت البلاد بقيادة الملك دائما إلى بحث سبل و وسائل تجاوز مخلفات الجائحة صحيا و اقتصاديا و اجتماعيا و نفسيا ،ثم تساقطت وانتظمت الأمطار و الثلوج و انطلقت حملة التلقيح ( مما كان له أثر إيجابي بليغ على المزاج العام من حيث تعاظم الأمل في نهاية كابوس كورونا و الجفاف ) .
و لكن السياسة ظلت رتيبة كئيبة شاحبة ، رغم أن الجميع يعلم بأنها سنة انتخابات .
من هنا شرعية السؤال حول خلفيات رئيس الحكومة / أمين عام حزب العدالة و التنمية ( باعتباره المسؤول الأول قانونيا و سياسيا) من وراء تعطيل التداول المؤسساتي حول ذاك الحد الأدنى المتوافق حوله.
هل يرفض حزب العدالة و التنمية تنظيم الانتخابات في آجالها ، و وفقا لمستجدات منظومة القوانين الانتخابية؟.
ربما …
و لكن الفصل الثاني من دستور المملكة صريح في قوله :
” تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر و النزيه و المنتظم”
و الملك كرئيس للدولة يسهر حسب الفصل 42 من ذات الدستور على ” احترام الدستور و حسن سير المؤسسات”
لا أحد و لا شيء فوق الدستور.
و احترام المسار الديمقراطي هو من ثوابت البلاد.
و للبلاد أجندة مهام عظمى سماها بلاغ المجلس الوزاري ل 11 فبراير 2021 ” مشروع مجتمعي لتحسين ظروف عيش المواطنين و صيانة كرامة الجميع و تحصين الفئات الهشة و دعم القدرة الشرائية للأسر المغربية و تحقيق العدالة الاجتماعية “.
أجندة …تلزمها إصلاحات ثم انتخابات فنخب و عقول و سواعد و مؤسسات و إمكانيات.
من هنا تاريخية المجلس الوزاري لفاس.
الدولة الحامية
توزعت مخرجات المجلس الوزاري إلى مخرجات عدة بمحورين وطنيين مركزيين على مستوى التشريع من أجل المستقبل شملا توسيع حماية الديمقراطية و تعميم الحماية الاجتماعية.
فقد أجاز المجلس الوزاري أربعة مشاريع قوانين تنظيمية تهدف إلى ، تطوير قواعد النظام الانتخابي، تقوية الضمانات الانتخابية، ضبط قواعد استفادة الأحزاب من الدعم المالي مع الرفع منه ، تخليق العمليات الانتخابية ، تعزيز الشفافية المالية للحملات الانتخابية للمرشحين ، تطوير التمثيلية النسوية، توسيع حالات التنافي ، و تعزيز تمثيلية المقاولة الوطنية …
كما أجاز ذات المجلس مشروع قانون إطار يتعلق ب”الحماية الاجتماعية ” إعمالا لمضامين خطب ملكية سابقة بوأت المسألة الاجتماعية صدارة الأولويات الوطنية( طبعا بعد قضية الوحدة الترابية ) و جعلت منها قضية دولة و مشروعا مجتمعيا جديدا.
بالنظر “للعمر الديمقراطي” لبلادنا ، القصير جدا ، فسيكون من الجحود بمكان القول بأن مغرب و دستور و مؤسسات و حتى ملك 1976 ( سنة انطلاق المسلسل الديمقراطي ) هو نفسه مغرب و دستور و مؤسسات و ملك استحقاقات 2011 و 2016 و ما بالك ب 2021..
لقد قطعنا بالتدرج أشواطا معتبرة على درب الإصلاح و التراكم و التطوير …
و ستظل الديمقراطية بحاجة ماسة إلى الرعاية و الحماية و التوطيد و التعزيز …
و ولو أن ما أجازه المجلس الوزاري لن يبلغ ديمقراطيتنا الفتية سدرة المنتهى ، فلعله لقحها هي الأخرى بجرعات تقوي مناعتها في وجه االإفساد و الابتدال و الارتداد .
و أما بالنسبة “للزمن الاجتماعي” ، فلاشك بأنه بعد أن وقع الإجماع ، ملكا و شعبا و أحزابا و مؤسسات و نقابات و معظم الفئات ،، على أنه زمن بطيء السير ، شحيح النفع ، ظالم التوزيع ،، و تواصل الفتق الاجتماعي fissure sociale هو أحد أوجه قصور “الزمن الديمقراطي” لأن الديمقراطية حتى تأخذ طبعها الشامل وجب أن تمتد من السياسي إلى الاجتماعي إلى المجالي إلى الحقوقي إلى الاقتصادي إلى الفئوي / النوع الاجتماعي …في تلازم و توازن ….يضمن جودة الانتخابات و المؤسسات و السياسات و يضمن إدماج و حماية كل المصالح و الفئات …من أجل تناغم اجتماعي cohésion sociale يضمن العيش المشترك و العمل المشترك …..و النفع المشترك.
و لهذا و بعد كثير كلام و تحليل و تشخيص ، و بعدما زادت كورونا من كشف هول الهشاشة و فداحة التهميش و تغول اللامهيكل …كان لزاما على الدولة أن تتدخل لأن الأمر لم يعد يقبل أن يتأجل.
و كان مشروع قانون الإطار / المشروع المجتمعي ( بتعبير بلاغ المجلس الوزاري.
وجه آخر مضيء لتاريخية المجلس الوزاري.
a_bon_entendeur
و بعد ،
مما لا شك فيه ، أن المجلس الوزاري لأمس برمزية مكانه و قوة مخرجاته سيشكل رجة لطرد الرتابة و عودة الحيوية .
و مما لا شك فيه أيضا أن المؤسسة الدستورية هذه و رئيسها / جلالة الملك قد كانوا في الموعد لتأمين دخول بلادنا زمن ديمقراطي واجتماعي مغربي آخر ..
و مما لاشك فيه أخيرا .. أن جهات و فئات و مؤسسات كثيرة أخرى : نخب ، أحزاب ، إعلام ، شباب ، مجتمع مدني ، نقابات ، مقاولات … مدعوة لتلعب دورها / واجبها في الدفع بدخول بلادنا هذا الزمن المأمول لأن الشراكة و المشاركة تعني هنا المساهمة في الجهد الوطني و ليس فقط انتظار النفع الفئوي.
جواد شفيق / فاس في 12 فبراير 2021