خالد اورحو يكتب : بعيدا عن ردة الفعل قريبا من الموضوعية هل من دروس مستخلصة؟

خالد اورحو

لم يكن الدافع الرئيسي المتحكم في كتابة هذه المقالة المتواضعة رغبة ذاتية لممارسة الترف الفكري ، في قضية حيوية شكلت موضوع خلاف بين مكونات المجتمع، بل أن السياق لم يعد يسمح بالصمت والسكوت عن العديد من الظواهر المجتمعية، خاصة وأن بعض التيارات المعادية لمجتمع الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان، تحاول أن تستغل أنصاف الفرص للإعلان عن نفسها كمكون يتمتع بالشرعية والمشروعية المبنية على مفهوم الأغلبية والأقلية عوض شرعية المنجز.

لهذا نرى أن المساهمة بهذه المقالة، يدخل في صميم تحمل المسؤولية الفردية والجماعية من أجل إثراء النقاش حول بعض القضايا المجتمعية والسمو بالنقاش، خاصة بعد وقوع الحادث الشنيع الذي كان الطفل عدنان ضحيته، وما رافقه من سجال قوي حول طبيعة وبشاعة الجرم المرتكب، والعقوبة التي يجب ان تترتب عن ارتكاب هكذا فعل.

بعد الإعلان الرسمي عن مقتل الطفل الضحية بعد اغتصابه، ونظرا لبشاعة الجريمة، التي اهتزت لها المشاعر، عرفت العديد من مواقع ومنصات التواصل لاجتماعي، وكذلك قنوات الإعلام الخاصة والعمومية، رد ود أفعال قوية، حيث تم التطرق للحدث وتسويقه حسب مصلحة كل طرف، هذا الكم الهائل من الأخبار والمعطيات الذي نزل في وقت ضيق، بالإضافة إلى استعمال صورة المشتبه فيه رفقة الطفل، وكذلك مقطع الفيديو الذي يظهرا فيه معا أثناء استدراجه، كانا كافيا لخلق وضعية هيجان وسخط كبيرين، بل وتحول إلى غضب جماعي يطالب بالحكم بالإعدام مع تنفيذه، وهناك من ذهب إلى المطالبة بتعذيبه والتنكيل بجثته في إحدى الساحات العمومية حتى يكون عبرة لكل من يفكر ارتكاب هذا النوع من الجرائم.
هذا الموقف الجاهز لإدانة المشتبه فيه، يعد خرقا سافرا لقرينة البراءة كما تنص عليه المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية (كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية). لأن ما يهم الرأي العام هو الكشف عن الحقيقة كاملة حول الظروف والحيثيات المرتبطة بملف النازلة، واتخاذ ما يترتب عنها من أحكام ومقررات قضائية، مع ضرورة توفير شروط وضمانات المحاكمة العادلة للمتهم، طبقا للمرجعية الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنية ذات الصلة.

إن ما وقع يعتبر في تقديري أمرا عاديا بالمغرب، ويرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع حالات الاغتصاب والقتل في صفوف الأطفال والقاصرات والتطبيع معها، بل وأن المغرب انتزع الريادة العالمية من بعض العواصم العالمية المشهورة بظاهرة الاتجار في البشر واستغلال الأطفال في الجنس، بحيث لا زالت ذاكرتنا تحتفظ على الأقل ببعض الحالات التي شكلت قضية رأي عام،ونشير في هذا السياق إلى الإسباني مغتصب الأطفال بالتسلسل والكويتي مغتصب الطفلة بمراكش، وطفلة طاطا وقبلهما طفلة مدينة تيفلت والطفلة حنان بمدينة طنجة ووفاة الرضيع بسبب اغتصابه بشيشاوة و… واللائحة طويلة دون تعريض مرتكبي هذه الجرائم إلى عقوبات تليق بطبيعة الجرم المرتكب، لهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه علينا بحدة، هو لماذا تم تهييج الرأي العام بهذا الطريقة « المخدومة » التي أريد بها مناقشة « المحصلة وليس الأسباب الكامنة وراء ذلك ،مع تحوير النقاش من تحديد المسؤوليات والمساءلة، إلى سجال دونكيشوتي حول نوعية العقوبة، رغم أن القانون الجنائي المغربي يضمن ذلك؟

إن هذا التعاطي المبالغ فيه مع نوعية العقوبة والسكوت عن المسببات، لا نجد له في تقديرنا من مبرر، سوى في كونه محاولة يائسة لاستغلال بعض التيارات الفكرية، وجهات أخرى، المناسبة لإعلان الهجوم « باسم الأكثرية »على المرجعية الحقوقية والمكتسبات الديمقراطية، التي تحققت بفضل نضالات العديد من المكونات الديمقراطية والتقدمية والنسائية والطلابية والجمعوية، التي انخرطت بشكل واعي ومسؤول في عملية التغيير وطرح البدائل الممكنة، والعمل على ضمان عدم تكرار ما جرى من الانتهاكات الجسيمة، مما سيشجع على التقدم نحو المزيد من الانفتاح والاإعمال بالمرجعية الحقوقية التصديق على الاتفاقيات والانضمام للبروتوكولات ورفع جميع أشكال التحفظ عن أخرى، خاصة أنه كنا ننتظر في الايام المقبلة انضمام المغرب للبرتكول الملحق بالعدهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسيايية.

لهذا فالحقوقي، سواء من موقع المدني الو المؤسسي، مفروض عليه ان يدافع ويشتغل من اجل النهوض بثقافة حقوق الإنسان والعمل على إشاعتها باعتبارها تشكل أسس مشروع مجتمعي، وهو مسار صعب وشاق يتطلب منا الصبر والتضحيات، وان ننفتح على ممارسات فضلى لبعض الأمم والشعوب، ولا يجب أن نرفع الراية البيضاء مع أول هزة قد تعترض سبيله، لأنه يعلم أن معركة التغيير هي حركة تاريخية ممتدة في الزمان.

لقد لاحظنا في هذه المحطة، أن النقاش المغلوط والمتحكم فيه، كان محاولة فاشلة للارتداد على الالتزامات الحقوقية السابقة اتجاه المنتظم الدولي، والتملص من تحمل مسؤولية الدولة والمجتمع من هكذا قضايا مجتمعية، التي أريد لها أن تبقى ضمن الطابوهات عوض رفع اللثام عنها ومعالجتها بكل جرأة وعقلانية وهدوء، عوض الاجتهاد المسخ لشيطنة النشطاء والنشيطات الحقوقيين والحقوقيات في مختلف الفعل الجماهيري، من أن نصار ودعاة إلغاء عقوبة الإعدام وتجريمهم أمام الرأي العام.

هذا النسق غير العادي، الذي صار عليه النقاش العمومي في الفضاءات الرقمية، لا يجد لنفسه أي سند مادي أو مرجعي خارج المنظومة والمرجعية الحقوقية كما هي متعارف عليها عالميا ، خاصة وان هناك قانون ومحاكم مختصة في الموضوع، تضمن توفير محاكمة للمشتبه فيه وإدانته إذا ما تبين تورطه بمفرده أو رفقة آخرين، لهذا نرى انه كان من الواجب إثارة الإنتباه إلى توجيه النقاش حول نقد السياسات المسؤولة عن إنتاج هذه الظواهر غير الطبيعية، بغرض فهمها ومعالجتها والبحث في الأسس المادية والمعرفية والاجتماعية والسوسيوثقافية المسؤولة عن صناعة هذا النوع من البشر الفاقد للتوازن.

وتجدر الإشارة إلى كون التشريعات الوطنية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، تحرم تعريض المشتبه فيه لأي تعنيف أو تعذيب جسدي أو لفضي أو سوء المعاملة، أثناء إيداعه تحت تدابير الحراسة النظرية، بغرض انتزاع اعترافات أو تصريحات تحت الإكراه، وتوفير الحماية الكافية له أثناء إيداعه بالمؤسسة السجنية في انتظار محاكمته، ونفس الشيء كذلك بعد إدانته إذا تبث في حقه ارتكاب الجريمة، كما تنص عليه أحكام المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشي واو الحاطة بالكرامة)، هذا بالإضافة إلى اتفاقية مناهضة التعذيب والبرتوكول الاختياري الملحق بها، حيث صادق المغرب على الأولى وانضم للثاني معلنا التحاقه بالدول الأطراف التي تحرم وتمنع التعذيب.

إن خصوم الفكر العلمي المتنور والحداثي، استغلوا لحظة الغضب والتعاطف مع الطفل الضحية الذي جعلوا منه مطية ليشهروا أسلحتهم الإيديلوجية الفتاكة في وجه كل من كان يخالفهم الرأي والفكر حول قضايا مجتمعية أخرى كانت ولازالت موضوع نزاع واختلاف، لهذا لم يتوان البعض منهم في إعلان المطالبة بتطبيق الشريعة والقصاص في حق المشتبه فيه، وفي حق كل من اختلف مع هذا الرأي تحت ذرائع مختلفة، بل وذهبوا إلى حد استغلال الفرصة للإفصاح عن النوايا الخفية اتجاه بعض المفكرين المتنورين المغاربة المعروفين بنقدهم لهذه المنظومة الفكرية، والتي تعتبر هي نفسها من بين الآليات المنتجة لهذه الظواهر الاجتماعية.

وفي ظل هذا المناخ المشحون بالعاطفة على حساب إعمال العقل، تفنن البعض في إطلاق العديد من المواصفات، من قبيل « الذئاب » « الوحوش الآدمية » … التي تعيش بيننا، هذا التسرع في نعت جزء من بني البشر بما لا يليق، فيه قفز غير واعي على الواقع، ومحاولة للهروب إلى الأمام فقط ، لتبرير وشرعنة خطاب العنف والكراهية، عوض مقاربة الموضوع في شموليته من خلال طرح بعض التساؤلات التي من شانها أن تساعدنا على الفهم قبل إصدار أحكام قيمة مطلقة، تتجاهل الظروف المجتمعية المسؤولة عن هذه الإفرازات.

لهذا أتقاسم معكم البعض من هذه الأسئلة قصد التفكير فيها على سبيل المثال لا الحصر: من هم هؤلاء  » الذئاب « ؟ وأين كانون مختبئين قبل الخروج إلينا للقيام بأفعالهم الخطيرة؟ ولماذا قاموا بذلك ؟ وهل الطفل عدنان سيكون آخر ضحية لهذا النوع من البشر؟ وهل ليس هناك أطفال وطفلات كثر مروا من هنا قبله؟ أو ( بفتح الواو) ليس هناك أطفال في وضعية صعبة يتعرضون للاغتصاب المستمر بشكل يومي وأمام أنظار الجميع ؟ وهل المؤسسات التربوية العمومية منها و الخصوصية تقوم بالأدوار المنوطة بها في التربية والتنشئة والتحسيس والوقاية؟ هل منظومتنا التربوية ومناهجنا البيداغوجية تساعد على خلق أجيال صاعدة متوازنة فكريا وعاطفيا وجنسيا؟ هل العائلات المغربية وفق الظروف الاقتصادية والاجتماعية، قادرة على توفير التربية والرعاية المطلوبتين لأطفالنا ؟ وهل استعمال النيت من طرف الأطفال، دون رقابة لم يساهم في تعريضهم للاستغلال والابتزاز، والاتجار بأجسادهم، و ظهور جرائم من نوع آخرة مرتبطة بهذا التطور التكنولوجي؟.

أو ليسوا نتيجة موضوعية لسياسات عمومية فاشلة على جميع المستويات، أبانت عن محدوديتها وعجزها في توفير الحماية وبناء ثقافة الوقاية لأطفالنا، وخاصة طفلاتنا اللائي يتعرضن لأبشع مظاهر الاستغلال المادي والمعنوي والعنف والحرمان من التمدرس … .
خلاصة
ان تبني المرجعية الكونية لحقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها وغير قبليته للتجزيء ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية وكل والصكوك والمعاهدات والاتفاقيات بما فيها اتفاقية الطفل وباقي البروتوكولات …) هو اختيار وانتماء لممارسة قناعات، والدفاع على قيم ومبادئ على ارض الواقع بغض النظر عن اختلاف السياقات، لتحقيق المزيد من الحريات والحقوق لخدمة قضايا المواطنين وليس التعامل معها بانتقائية « حسب الحاجة  » أو رد فعل يعكس « شعور داخلي »، فهو خطير ، لأنه سبق وان استعمل ضد الحركة الحقوقية والنسائية، وضد المغاربة في معارك أخرى. كالمطالبة بالمساواة والمناصفة بين الجنسين ومسألة الإرث والموقف من الإجهاض، ولا داعي للتذكير بانه هو نفس السلاح الشعبوي الذي يروج له تجار الدين باعتبارهم تجسيدا لإرادة واختيار المغاربة.

إن النضال الحقوقي ، ليس نضال نخبة ولا نضالا مرتبطا بلحظات او متعلق بقضايا، بل هو مشروع مجتمعي متكامل يتطلب التضحيات والصبر لمواجهة السائد ونقده مع طرح البدائل الممكنة وهو ليس منفصل عن باقي نضالات الشعب المغربي بكل مكوناته وشرائحه؛
النضال الحقوقي لا يؤمن بالحدود ولا الجغرافيا ولا العقيدة أو الدين أو اللون أو الأصول الاجتماعية أو أي تمييز كيف ما كان … بل يعتبر الإنسان ينتمي للأسرة البشرية ومن حقه التمتع بكافة الحقوق.

إن النضال الحقوقي لا يعني الإعفاء من المساءلة أو المحاسبة، بل يدعوا إلى تطبيقها دون تمييز في حق كل من ثبت تورطه في جنحة او جريمة ما ، لهذا كان الحقوقيون والحقوقيات والمؤسسات الوطنية، يطالبون بتطبيق اشد العقوبات في حق مرتكبي الجرائم ضد الأطفال والقاصرين مع الدعوة الى وضع سياسة وقائية وتربوية، تجنب أطفالنا وتحميهم من التعرض للتحرش والاعتداء الجنسي والعنف الجسدي واللفظي وخلق جو ايجابي ليمارسون فيه طفولتهم بكل حرية وطمأنينة.

أبانت هذه الفاجعة على وجود قنوات خاصة على موقع اليوتيوب تقوم ببث اخبار مغلوطة وتعمل على نشر الاشاعات، والتشهير بالمشتبه فيه وإدانته مستعملة خطاب الكراهية والعنف الداعي الى التنكيل بالمعني والمطالبة باعدامه شنقا او رجما بالساحة العمومية وأمام أنظار الملأ، وهو أمر يوحي إلى الممارسات الداعشية الهوليودية الت تفننت في تصوير فيديوهات تتعلق برجم النساء حتى الموت والقتل بالرصاص والشنق، وهو أمر خطير وجب الانتباه إليه
إن حماية أطفالنا مسؤولية جماعية دولة ومؤسسات وجمعيات مدنية ومجتمعا وأسرة، أفرادا وجامعات، وهي عملية بناء مستمرة في الزمان والمجال حتى لايتكرر ما وقع والوقاية منه، وتجدر الإشارة في هذا السياق أنه وتفعيلا لاتفاقية حقوق الطفل، فإن المغرب أحدث الآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل.

خالد ارحو Khalid Ourahou

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *