خبير: رغم التدبير الذي اعتبر “غير كاف” لكوفيد19، تظل منظمة الصحة العالمية مؤسسة “لا غنى عنها”

أكد الأستاذ محمد جرموني، في تحليل صادر عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، أنه على الرغم من أن عدة هيئات سياسية وعلمية اعتبرت تدبيرها لجائحة كوفيد-19 “غير كاف”، إلا أن منظمة الصحة العالمية تظل مؤسسة عالمية لا غنى عنها وضرورية أكثر من أي وقت مضى، خاصة خلال الفترات الوبائية العصيبة.

وأوضح المدير السابق للدراسات في البنك الوطني للتنمية الاقتصادية، في مقال بعنوان “منظمة الصحة العالمية:أهي أداة تحذير لا يمكن الاستغناء عنها بعد؟”، أن هذه المنظمة تعرضت لانتقادات، بناءة في بعض الأحيان، ولكن طابعها الذي لا غنى عنه بات هاما أكثر من أي وقت مضى، خاصة خلال الفترات الوبائية العالمية، التي من المحتمل أن تصبح متكررة، وتعددية الأطراف الرمزية التي باتت أساسا في تراجع.

كما استعرض الخبير أبرز المراحل التي مرت منها منظمة الصحة العالمية، وهي مؤسسة أنشأتها الأمم المتحدة سنة 1946 وفرضت نفسها كأداة قيمة للتحذير من الأوبئة والآفات الأخرى من النوع الذي يمكن أن يهدد صحة الإنسان بشكل عام.

وذكر الخبير بأنه في سنة 1969، أي بعد حوالي 20 سنة من إنشائها، أصدرت منظمة الصحة العالمية أولى لوائحها الصحية الدولية، بهدف مراقبة الأمراض المعدية الرئيسية التي تعتبر الأكثر خطورة، مثل الكوليرا والطاعون والحمى الصفراء والجذري والتيفوس، لتضفي توجها عالميا واضحا على عملها المستقبلي، مشيرا، في المقابل، إلى أنه بالرغم من عدم تحقيق جميع أهدافها، في ظل غياب استئصال تام، إلا أنه تم بذل جهود حقيقية متباينة لكنها ليست بالهينة، في بلدان النصف الجنوبي للكرة الأرضية، والتي غالبا ما تعتبر الأكثر تضررا.

وفي ما يتعلق بالتكاليف المالية للصحة، اعتبر أن الهيئات الدولية التابعة لمنظومة الأمم المتحدة، وفي حالة منظمة الصحة العالمية على وجه الخصوص، كان يُنظر إليها حتى الآن بنوع من الاستعلاء وككبش فداء في فترات الأزمات الصحية، مسجلا أن معظم الدول المتقدمة تعتبرها، في أفضل الأحوال، مؤسسة تعنى أساسا بالمشاكل الصحية في البلدان النامية أو الفقيرة.

وأضاف الخبير أن منظمة الصحة العالمية “كانت تجد نفسها، في مناسبات عدة، في مرمى قوى عظمى”، تتهمها، خطأ أحيانا، بهذا الفشل أو ذاك، مذكرا بأنه منذ الثمانينيات، عاشت منظمة الصحة العالمية تجربة تشبه “عبور الصحراء” بسبب عداء أيديولوجي واضح من بعض المدافعين المتحمسين عن “الليبرالية الجديدة”، في كل من أمريكا وأوروبا، وذلك بمساعدة قادة مؤثرين مثل الرئيس السابق للولايات المتحدة ريغان، ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت تاتشر.

وأشار السيد جرموني إلى أن الصناعة الصيدلانية العالمية القوية شجعت، بدورها، ليس فقط على التشكيك في تكوين قائمة الأدوية الأساسية للمنظمة، وإنما أيضا في المعايير وحتى في مبدأ إنشائها، مع اعتبار هذه السياسات بمثابة عرقلة للبحث عن “تحسين الرعاية الطبية” وإعاقة “للتقدم العلمي”.

وسجل الخبير أن هذه المنظمة استغرقت زهاء عقدين من الزمن لكي تفرض نفسها مرة أخرى على المستوى العالمي، بعد تحذيراتها الأخير الفعالة نسبيا بشأن الأوبئة والجوائح من قبيل إنفلونزا الطيور و(السارس) والإيبولا، مما سمح لها حتى بتحدي، بالأدلة والحجج، بعض الإحصائيات الوبائية التي أصدرتها الصين سنة 2003.

وأضاف أن منظمة الصحة العالمية استعادت، منذ بداية الألفية الجديدة، مكانة دولية متواضعة من الاحترام كانت تفتقر إليها، وذلك بفضل الجهود الفعالة التي بذلها فريق الإدارة العامة الجديدة الحريص على إصلاح هذه المنظمة التي كانت ينظر إليها في ذلك الوقت على أنها “تلفظ أنفاسها الأخيرة” وتم فضح “تجاوزات بيروقراطية” معينة لها في المشهد العام.

وأوضح السيد جرموني أن جانبا هاما من مصداقية المؤسسة ربما عانى من إشاعات حقيقية وكاذبة بشأن الاختلاس، والمحسوبية، وعدم الفعالية، وحتى إطلاق برامج اعتبرت في بعض الأحيان ذات قيمة صحية ضئيلة على الساكنة، مشيرا، بالمناسبة، إلى مشاكل التمويل التي تواجهها الأمم المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن المساهمات الرسمية للدول الأعضاء تغطي فقط ربع احتياجات السير العادي.

واعتبر المدير السابق للدراسات في البنك الوطني للتنمية الاقتصادية أن القرار الأمريكي الرسمي الأخير بتقليص مساهمته إلى النصف، في خضم الجائحة، ودون انتظار خلاصات تحقيق عميق محتمل، يعكس بشكل أوضح الصعوبات الحقيقية التي تواجهها منظمة من هذا النوع لمواصلة مهامها التي تتعرض، بالضرورة، للانتقادات والتقلبات، وذلك دون إثارة استياء المساهمين الرئيسيين، قدر الإمكان.

كما سلط السيد جرموني الضوء على مختلف المؤسسات والمبادرات الخاصة على غرار (روتاري) وغيرها، والتي تشارك بشكل أو بآخر أو حتى بشكل غير مباشر في تنفيذ بعض الأهداف الصحية لمنظمة الصحة العالمية، بما في ذلك مؤسسة “بيل غيتس”، الحاضرة نسبيا من خلال مساعداتها ودعمها المالي، وكذلك من خلال تقديم المشورة في مجال الصحة في المناطق النامية.

وعلى الرغم من أوجه القصور المختلفة، وفي سياق تراجع تعددية الأطراف، فإن وجود منظمة الصحة العالمية يواصل، نظريا، السماح لكل بلد من البلدان الأعضاء الـ191 بإسماع أصواتها في جمعية الصحة العالمية.

وحسب السيد جرموني، تتيح هذه المنظمة للعديد من البلدان النامية الاستفادة من خبرتها العلمية الواسعة، مما يمكنها من إطلاق التحذيرات الصحية الطارئة اللازمة. بيد أنه في ظل غياب تمويل مستقل، سترتبط السياسات المنتهجة لمواجهة الأمراض الخطيرة والأوبئة الهامة أكثر من ذي قبل بمداولات المؤسسات والمساهمين الخواص وحسن نيتهم.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *