عبد السلام المساوي
لا يكفي أن تكون اليوم ، مجرد دولة لها حدود وحكومة وجيش وادارات وشعب ، بل يجب أولا ، أن تكون لك مقومات هذه الدولة ، تاريخيا وتنوعا ومؤسسات وتداولا ديموقراطيا للسلطة ، وبناء سياسيا ومجتمعيا ودستوريا صلبا يسند ظهرك في المواجهات الكبرى ، ويصد عنك الأطماع والمؤامرات ومخططات الهيمنة ، التي تستعمل فيها وسائل استخباراتية قذرة .
أشر الخطاب الملكي لذكرى ثورة الملك والشعب على اكتمال عملية انبعاث المغرب كقوة ضاربة رئيسية على المستويين الاقليمي والدولي . فالملك الذي اختار هذه المناسبة ذات الرمزية البالغة في الوجدان المغربي لمصارحة شعبه بالتحديات الداخلية والخارجية ، ومن ثمة توجيه رسائل في كل الاتجاهات ، كان يستلهم هذه الذكرى لأجل شحذ الهمم لثورة ملك وشعب أخرى ، ثورة يكون الهدف منها هذه المرة تثبيت المغرب كرقم صعب في المعادلات الجيوستراتيجية القادمة .
كان الخطاب الملكي واضحا وصريحا وجريئا ، رسالته الأساسية الموجهة الى الداخل مفادها أن المغرب مستهدف في استقراره ويتعرض لعملية عدوانية مقصودة ، وأن الوضع يستدعي أولا وقبل كل شيء تعزيز الجبهة الداخلية وتقويتها ، وجعل كل ما عدا ذلك وعلى رأسها التنافس الانتخابي والصراع حول الحكومة والبرلمان والجماعات مجرد وسائل فقط لبناء دولة بمؤسسات قوية ، وليس غاية في حد ذاته .
فالملك يدرك بما يتوفر عليه من معطيات دقيقة ، ان الوضع العربي والاقليمي والقاري المحيط بنا وضع مضطرب بشكل لم يسبق له مثيل . ولئن كانت الاضطرابات في ما مضى محصورة في حدود دولة معينة ، فانها اليوم أصبحت عابرة للحدود ، فما تقع من حروب باردة واصطفافات شرسة بسبب وباء ” كوفيد – 19 ” ، وما يجري على أفغانستان وليبيا وجنوب الصحراء ، وما يمكن أن تتسبب فيه حماقات دولة جارة ، ناهيك عن المحاولات المتتالية لاستهداف المغرب بمبررات حقوق الانسان المفترى عليها أو بسبب مصالح متنافس عليها ، كلها أسباب وغيرها تفرض فرضا علينا مؤسسات وشعبا رص الصفوف ، لإغلاق أي اختراق لزرع الفوضى واللاامن في البلاد . فوجود الشقوق في الجبهة الداخلية للوطن هو الأخطر ، وهو بداية الهزيمة ، فالشقوق تتسع ، بشكل طبيعي داخل الدول بسبب فشل السياسات العمومية ، فما بالك لو كانت الظروف المحيطة غير طبيعية .
على ضوء ما يتعرض له المغرب من تحولات في مواقف حلفائه الخارجيين التقليديين وحملات أعدائه الظاهرين والمتسترين ، لم تعد الدعوة إلى تحصين الجبهة الداخلية ترفا نخبويا او خطابا سياسيا يردد في الانتخابات ، لكسب بعض الاصوات والمقاعد ، ولاستعماله كورقة للابتزاز السياسي ، بل أصبح ضرورة وطنية لاسناد الموقف المغربي الرافض لكل الصفقات التي يتم عقدها لاخضاعه بالقوة لمصالح الاخرين، او التهديد بالمس باستقراره وأمنه . فالجبهة الداخلية كانت وما زالت هي الحصن الحصين لهذا البلد عبر مختلف المراحل ، التي شهدتها المعركة الوطنية من أجل وحدتنا الترابية وبناء دولة المؤسسات ، حيث كانت قوة البيت الداخلي هي اقوى ورقة يمتلكها المغرب في مواجهة خصومه ، وبدن شك سيستمر هذا المعطى حاضرا الى اليوم ، مهما تغيرت السياقات الوطنية الدولية والاقليمية الحالية . لذلك فان المهمة الأكبر للأحزاب والحكومة والبرلمان والنقابات والاعلام بشقيه العمومي والخاص ، هي تعزيز الجدار الوطني كل من موقعه ، فالجبهة الداخلية القوية هي أفضل سلاح دفاعي ضد الأخطار الخارجية ….
ان خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لهذه السنة ، خطاب مؤسس منتزع للموقع المغربي في المضمار الجهوي والدولي .، خطاب يعيد المغرب لما هو منذور له : الريادة ولاشيء غير الريادة . فالمغرب كان في فترات طويلة من تاريخه جزءا من النظام العالمي ، حيث كان ملوكه وامبراطورياته يجسدون لقرون محور الغرب الاسلامي ، وكانوا يعتبرون قيادة روحية لافريقيا . وكل ما يحاك حولنا الان هو لاضعاف ثقتنا بأنفسنا وحصرنا في الزاوية الضيقة ، لكن المغرب كما نفهم من خطاب جلالة الملك قادم ، بل هو حاضر من خلال قوته الناعمة متعددة الأشكال ، التي لا تقاوم في افريقيا أحب من أحب ذلك وكرهه من كرهه ، لسبب بسيط هو ان التاريخ يعيد نفسه وأن افريقيا هي من تريد ذلك .
غدا ستبزغ شمس الحقيقة ، وستشرق بأنوارها على الفضاء المغاربي ، انها حتمية التاريخ التي لا يمكن الفرار منها .