خطورة سيادة الفكر « النضالي » على المغرب

علي الغنبوري

قد يثير هذا العنوان الدهشة و الغرابة لدى البعض ، لكونه يعطي الانطباع بتبخيس العمل النضالي و تشويهه و الطعن فيه ، و قد يذهب البعض الآخر إلى حد الاعتقاد بأن كاتب هذا المقال يدعو الى محاربة و محاصرة الفعل النضالي بالمغرب .

لا يمكن لعاقل ان يكون ضد النضال ، لكن بشرط ان نحدد مفهوم هذا النضال، فإذا كان القصد منه هو التغير في أفق تحسين الأوضاع الاجتماعية و السعي نحو تقدم و ازدهار البلاد في شتى المجالات و المستويات ، فإن هذا النضال يكون ضرورة أساسية و حتمية يتوجب الدفاع عنه و حمايته ، اما اذا كان هذا النضال بدون اي معنى و بدون اي أفق و لا يسعى الا الى التخريب و العبث و التهرب من المسؤولية ، فلا يمكن إلا الوقوف ضده و التصدي له و لكل « ممتهنيه » .

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو حادث بسيط عاينته و عشته خلال الأيام القليلة الماضية ، جعلني اتأكد انه بالفعل هناك فعل و فكر نضالي مشوه و مقيت يتربص بالبلاد ، و لا يمكن ان ينتج عنه الا الخراب و الدمار ، و استمرار هذا الفكر و التستر عليه باسم الشعارات و تغليفه بالمبادئ ، لن يكون الا حمقا او عتها ، او لنقل « دروشة » سياسية خرقاء .

ما عشته و عاينته، هو قصة دراماتيكية لتلميذة صغيرة مجتهدة و متفوقة ، حصلت على نقاط جد ضعيفة في مادتين علميتين أساسيتين خلال الامتحان الموحد ، حصول هذه التلميذة على هذه النقاط المخجلة ، دفع والديها الى رفض هذا الامر ، و حدى بهم الى المطالبة بإعادة تصحيح اوراقها ، الأمر الذي تم الاستجابة له ، ليتثبت في النهاية ان التلميذة حصلت على نقاط جد عالية في هاتين المادتين ، و الخطأ كان خطأ المصحح ، الذي تعامل مع اوراقها بانعدام ضمير و دون اي استحضار لرسالته المهنية و لامانته العلمية .

قد يقول بعضكم و ما دخل هذا الامر بالنضال ، بطبيعة الحال النضال لا دخل له بالامر ، بل النضال المشوه و التستر و راء النضال هو من ولد هذا الامر ، خاصة اذا عرفنا ان المسؤول عن التصحيح الاول هو من اكبر دعاة النضال ، و من اشد محركي الساحة النضالية في الميدان ، عندما يتعلق الامر بحقوقه و مستحقاته و مصالحه الشخصية ، و نفس هذا النضال الذي يتشدق به هو الذي يجعله يتعامل بهذا الاستخفاف مع مستقبل التلاميذ و الشباب المغاربة ، فهو يرفع شعار ، النضال حقوق و ليس واجبات او بمعنى اوضح النضال لي و ليس لغيري .

ما وقع لهذه التلميذة ، وقع لعشرات او لمئات التلميذات و التلاميذ ، منهم من تم انصافه و منهم من كما يقال بالدارجة « مشات على عينيه ضبابة  » ، و في الحالتين معا يكون المناضل في مأمن من اي حساب او عقاب ، فهو مناضل لا يجوز مسائلته .

هذا النوع من النضال المشوه ، هو الخطر على المغرب، فهو يفقد النضال الحقيقي معناه و يلفه بكل انواع الشك و الريبة ، و يرهن البلاد في حالة جمود و عدم قدرة على التحرك ، و يزكي الفساد و يمنع اي امكانية للتغير و التقدم .

للاسف هذا النوع من النضال لا يمس فقط التعليم بل يمتد الى كل مناحي الحياة المجتمعية و المؤسساتية و الحقوقية و السياسية للمغاربة ، فهو يدخلهم الى حالة الوهم ، و يجعلهم رهيني تطلعات رومانسية مخادعة ، تخفي في طياتها كثيرا من الفساد و الدمار .

للاسف اصبحنا نعيش واقعا نضاليا محرفا و مشوها ، يسقط عمدا من معادلته الواجبات ، و يجعل من الحقوق يافطة مزيفة ، لفرض التوجهات الأنانية و الإنتهازية المدمرة و المخربة ، التي يحملها « ممتهنو » هذا النوع الجديد من النضال .

لا يمكن اليوم الاستمرار في التستر على هذا النوع النضالي المحرف الذي بات يستفحل في البلاد ، فهو سيقضي على اي فرص ممكنة للتغير ، و سيزيد من مستويات الفساد ، و لن يؤدي إلا إلى قتل الرمزية النضالية لدى المغاربة و تطلعاتهم لبناء المغرب القوي و المنيع الحاضن لكل أبنائه .

النضال لم يكن يوما مطية لتحقيق المصالح الشخصية ، و لم يكن واجهة للتستر على الفساد ، و لم يكن شعارا للكسب و التربح ، و لم يكن يوما مبررا للافلات من المحاسبة ، و التهرب من المسؤولية ، و دافعا للعبث و الاستقواء ، بل النضال دائما كان مقرونا بمعادلة غير قابلة للحل بدون توازي طرفيها ، الواجبات و الحقوق ، فمتى اختل أحدهما ، فقد النضال معناه و اصبح و جها من اوجه الفساد و التخريب.

اترك تعليقاً

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *